مقدمة العساس | معاداة السامية أو معاداة اليهود، مصطلح يمنح لمعاداة اليهودية كمجموعة عرقية وإثنية، وتم استعماله أوّل مرّة لوصف موجة العداء لليهود في أوروبا الوسطى أواسط القرن الـ 19، وهناك جدل كبير حوله واختلاف، ليس فقط بين الباحثين والأكاديميين، إنما بين السياسيين أيضًا.
هذا المقال يتحدث عن مصطلح معاداة السامية وعن حجم التناقض الكبير في بلورته وتوجيهه سياسيًا، ليتناسب مع مصالح “إسرائيل” ويوفر لها الحماية من نتائج أفعالها المخالفة للقانون.
ترجمة العسّاس | خلق قرار حزب العمال البريطاني برفض وإلغاء قسم من النماذج التي ترافق تعريف مصطلح “معاداة السامية” حالة من الغضب في عدة أوساط، لاسيما أن التعريف تم صياغته من قبل التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست الـ IHRA، الذي يعتبر المنظمة المركزية الأولى في العالم التي توثق المحرقة، ولأن تعريفاتها جاء كخلاصة اجتماع ونقاش أقيم عام 2016 في العاصمة الرومانية بوخارست.
وضمن الظروف الاعتيادية، يعتبر تعريف حدث تاريخي أمر صعب وفيه العديد من المشكلات، والآن يختلف العديد من المؤرخين حول تعريف كلمة “معاداة السامية”، إذ ذكر مؤرخ اليهودية في العصر الجديد والمعروف في جامعة
نيويورك دافيد انجل أن “استعمال مصطلح معاداة السامية يزيد من ضبابية الوصف وبالتأكيد لا يوضحه، لذلك نصح
بالتقنين من استعماله.”
مصطلح معاداة السامية
ويشتمل المصطلح على أحداث تافهة وبسيطة منها: السخرية على اليهود من قبل جماعة بسيطة من النازيين الجدد،
وبعض الأحداث الكبيرة مثل سن قوانين ضد اليهود في ثلاثينيات القرن الماضي، والكره تجاه المهاجرين المسلمين،
وحتى غرف الغاز التي استعملت للقتل على يد النازية في معسكر أوشفيتز للاعتقال والإبادة، وما يجعل المصطلح
غير دقيق هو أن هذه ظواهر مختلفة جدًا عن بعضها، وشملها جميعًا تحت ذات التعريف يعتبر خطأ معرفيًا.
اقرأ أيضًا.. العلاقة الوطيدة بين الحركة الصهيونية والنازية
وبالعودة التعريف الحالي الذي تبنته العديد من المنظمات في محاربتها المزعومة لمعاداة السامية، فهو غير تاريخي
تسعى هذه المنظمات إلى إبعاد ظاهرة معاداة السامية من أي ملاحقة للعنصريين أو المينيين القوميين، بينما الأمر الذي
يتفق عليه أكثر أن التعريف يستعمل ضد أي رقابة أو مواجهة مع الأحزاب اليمينية، والمس بحقوق الإنسان الذي تنتهجه “إسرائيل”.
واللافت أن اسم “”إسرائيل”” ظهر تسع مرات في تعريف المنظمة، بينما كلمة “عنصرية” ظهرت مرة واحدة، ما
يعكس رؤية المنظمة بأن أي محاولة لانتقاد “إسرائيل” هي معاداة السامية بحد ذاتها، وبتبنّي هذا التعريف تكسب
“إسرائيل” حصانة ضد أي تحميل ذنب، بالمقارنة مع دول استعمارية أخرى، وهذا ما كان مرفوضًا من حزب العمل
البريطاني الذي يقوده جيرمي كوربين.
ومع هذا يسمح بند آخر في التعريف بانتقاد “إسرائيل” لكن مع التحفّظ، إذ أنه يعتبر الانتقاد جائزًا كونها دولة كأي دولة، والذي ينتج عنه انتقاد على أنّها دولة عادية، وفقط معادو السامية يخرجون عنه، لكن السؤال هل انتقاد
جماهيري ضد جنوب أفريقيا في زمن الفصل العنصري، أو الاتحاد السوفييتي منذ الحرب الباردة، الولايات المتحدة
الأميركية في وقت الحرب مع فيتنام أو الآن مع حكم ترامب، تم أخذهم بالحسبان عندما صيغت هذه التعريفات؟ إذ أن
الانتقاد الذي تتلقاه “إسرائيل” ليس أشد مما تتلقاه هذه الدول.
وإذا كان من الواضح أن التعريف يطبّع الوضع المستمرّ للاحتلال، ويجعل منه مشكلة ليست خطيرة نسبيًا، وألّا يكون
انتقادها “متطرفًا”، وبالتالي فإنه يُشرعن انتقاد دول أخرى ويحرّم انتقاد “إسرائيل”، على أساس اعتبار انتقاد
“إسرائيل” سيصورها كـ “معاداة السامية”، فيخفف هذا التعريف من حدة أي انتقاد تجاهها، وهذا تحديدًا يمنحها
امتيازات مقابل أي دولة أخرى في العالم، من ناحية كونها استعمارية وتمسّ بحقوق الإنسان يوميًا.
انتقاد “إسرائيل”
ويؤكد الباحث في العلوم السياسية نيف جوردون، في نقاش دار حول منظمة IHRA والتركيز الكبير حول أن انتقاد
“إسرائيل” حاليًا يُشكل تهديدًا على دول القومية، باعتبار محاربة معاداة السامية منذ نهاية القرن الـ 19 وحتى إقامة
دولة الاحتلال كان بادعاءات حماية مجموعة إثنية “عرقية” مطاردة من دول قومية.
والفلسطينيون هم المجموعة الأضعف في حالة الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” هي، ولاسيما الذين يعيشون تحت
الحكم العسكري في الضفة الغربية وفي غزة وشمال القدس، ما يجعل تعريف منظمة IHRA في انكار وتجاهل
العنف ال”إسرائيل”ي ضد الفلسطينيين قلبًا ساخرًا للدروس التي يجب أن تؤخذ من المحرقة من عدم ملاحقة مجموعة
عرقية معينة وممارسة العنف والاحتلال ضدها.
ومن غير المعقول أن تجعل الحكومة الهنغارية من الملياردير اليهودي الناجي من المحرقة جوجرج سوروس هدف
مهاجمة سياسي، لأسباب معاداة السامية تتوافق مع تعريف منظمة IHRA والتي هنغاريا نفسها عضو فيها، رغم أن
سوروس ينتقد في السنين الأخيرة دول القومية، وضعف الديمقراطية في هنغاريا ودول أخرى، وفي ذات الوقت يدعم
منظمات والتي تعمل ضد هذه التوجهات، ومنها بالتأكيد “إسرائيل”.
وكان الحزب الحاكم في هنغاريا نشر في عام 2017 مئات الملصقات تحمل رسالة للجمهور “بوجوب عدم السماح
لسوروس في الضحك أخيرا”، حيث يستجيب الهنغاريون جيدًا للدعوات معاداة السامية التي يطلقها الحزب الحاكم،
وذلك ينعكس في الكتابات الجدارية التي يكتبون فيها “يهودي قذر”، وأيضًا نتائج الانتخابات الأخيرة التي فاز فيها
حزب فيكتور أوربان، الحزب القومي اليميني.
وللمفارقة، لا تزال هنغاريا عضوًا في مؤسسة الـ IHRA التي من المفروض أن تضع نصب أعينها محاربة معاداة
السامية، ولكنها تعطي شرعية لحكومة تناقض التعريفات التي وضعتها لذاتها.
وبنفس المبدأ، رفض حزب العمال البريطاني جزءًا من التعريفات التي وضعتها منظمة الـ IHRA إذا يعتبر أمرا إيجابيًا جدًا، وبذلك يجب أن يكون هدف تعريف معاداة السامية هو “الحماية الدولية ضد ملاحقة هذه المجموعة الإثنية والعرقية وليس إعطاء أي حصانة لدولة الاحتلال.
رابط المادة: https://bit.ly/2KYXZj0