مقدمة العساس | ينظر الاحتلال الإسرائيلي إلى فضاء السايبر كمضمار حرب لا تقل خطورة عن الحرب الفعلية على الأرض، وتزداد احتمالات تعرض مؤسساتها لأضرار حقيقية ضخمة كلما زاد اعتمادها على التكنولوجيا الذكية فيها. وهنا، جاء تأسيس وحدة “الأمن القومي للسايبر” خطوة للاستجابة للتهديدات المتوقعة، وفي حين يتوقع من هذه الوحدة حماية الاحتلال من التهديدات الخارجية، إلا أن ذلك – بموجب مقترح قانون جديد- سيوسع من سلطات هذه الوحدة لتتجاوز القضاء والشرطة وتستخدم كأداة ضبط وقمع داخلي.
تلقي هذه المادة الضوء على مذكرة القانون المقترح وعلى جوانب انتهاك الخصوصية فيه، التي من شأنها زيادة تغوّل دولة الاحتلال.
ترجمة العساس | هل من المبرر تحويل “إسرائيل” إلى دولة بوليسية تحت ذريعة “حماية شبكات الإنترنت من هجمات السايبر”؟ هذا هو السؤال المركزي الذي تطرحه مذكّرة قانون السايبر الذي نُشر مؤخرًا. فتحت اسم حماية الشبكة المعلوماتية الإسرائيلية تتيح مذكرة القانون لجهاز “الأمن القومي الإسرائيلي للسايبر” صلاحيات وسلطات لا يخجل منها أي نظام ديكتاتوري.
وفقًا للاقتراح المضمّن في مذكرة القانون، سوف يتاح للعاملين في جهاز “الأمن القومي للسايبر” الدخول لمكاتب شركات ومنظّمات مختلفة في سبيل الحصول على معلومات أو حتى مصادرة معدّات مختلفة كأجهزة الحاسوب أو وضع اليد على معلومات حيوية من محتوى هذه الأجهزة. في بعض الحالات سيكون لجهاز الأمن القومي للسايبر صلاحيات دخول بيوت المواطنين ومصادرة حواسيبهم، وذلك في حال توصل الجهاز لاستنتاج يفيد بأن المنزل هو مصدر هجوم معلوماتي راهن أو مستقبلي، وقد يهدد مصالح حيوية إسرائيلية. كل هذا يمثّل انتهاكًا صارخًا لحقوق الملكية للهيئات المختلفة والمواطنين وخصوصيتهم وخصوصية المعلومات التي بحوزتهم، حيث أن معلومات كثيرة وحساسة تخصهم قد تكون موجودة في الحواسيب المصادرة.
بحسب اقتراح القانون فإن كل هذه الإجراءات ستكون ممكنة دون الحاجة لاستصدار إذن من المحكمة، حيثُ سيكون على جهاز الأمن القومي للسايبر تقييم مقدار السلطات التي سيمارسها على المنظمة أو على الحق في الخصوصية، والنظر بأن لا تنتهك هذه الإجراءات الخصوصيات أكثر من المطلوب.
من خلال قراءة مذكرة القانون من الصعب أن لا تصل لاستنتاج بأن جهاز الأمن القومي للسايبر في “إسرائيل” يسعى لمنح نفسه سلطات شبه مطلقة وبدون إشراف ومراقبة، وهي صلاحيات لا يمتلكها حتى جهاز الشرطة. والسؤال هنا: هل هذه الصلاحيات ضرورية وملحّة ومتوازنة؟
اقترن إنشاء جهاز الأمن القومي للسايبر، عشية الانتخابات الأخيرة قبل 3 سنوات، بتصريحات مفادها بأن الجهاز سيحمي “إسرائيل” من الهجمات الإلكترونية التي يمكن أن تسبب ضرراً اقتصاديًا وحيويًا مضرًا بصورتها. في هذا الإطار، على “إسرائيل” الحفاظ على ممتلكاتها في عالم الإنترنت وحمايتها من الهجمات، بل ويجادل البعض بأنه من الواجب حتى شن هجمات إلكترونية معاكسة تلقّن المهاجمين درسًا. تكمن أهمية نظام جهاز الأمن المعلوماتي القومي الإسرائيلي للسايبر في كونها الهيئة الوحيدة التي تضع المعايير والقادرة على التعامل مع مختلف الهجمات الإلكترونية، وتحديد وسائل وطرق الحماية المطلوبة تجاه كل منظمة من المنظمات المختلفة.
برغم ذلك، على طرق الحماية من هجمات السايبر أن تكون ملائمة للنظام الديمقراطي. إن توسيع صلاحيات جهاز الأمن القومي للسايبر بهذا الشكل من شأنه الإخلال بالتوازن بين الحاجة لحماية حقوق المواطنين من الهجمات الإلكترونية والإضرار بخصوصية المواطنين والشركات تحت مبرر تهديدات هجمات السايبر. من المؤكد بأن الهجمات الإلكترونية تؤذي المجتمعات ولكن هذا الانتهاك يتحقق ايضًا ويكون مؤذيًا من خلال التدخل الحكومي الذي لا يعتبر حقوق المواطنين أولوية لهُ.
يفتقر القانون المقترح إلى مجموعة من التوازنات والضوابط التي تضمن أن تتم عملية تقييم مخاطر هجمات السايبر بطريقة مقبولة، كما هو الحال في الدول المتحضرة. بعبارة أخرى، عند وجود مخاوف من خرق جسم معيّن للقانون، يستطيع جهاز الأمن القومي للسايبر، بصفته جهة مشرّعة ومنفذة للقانون، أن يتصرف بطرق لا تمنح بهذه الحالات إلا لجهاز الشرطة، وذلك في حال كان قادراً على استصدار أمر قضائي يمنحه صلاحية التدخل في أي نشاط لمنظمة خاصة، مع التشديد بصرامة على حماية حق المواطنين بالخصوصية. بالاضافة لذلك، يجب إضافة بند للقانون يوجب السلطات إبلاغ المواطنين بوقوع هجمات سايبر حتى يتيح لهم اتخاذ الاستعدادات اللازمة.
إن قراءة مذكرة القانون تبدي لنا بأن جهاز الأمن القومي للسايبر يريد تطبيق نوع السيطرة علينا نحن أيضًا، أي المواطنون، وهذا يذكرنا بالأنظمة غير الديمقراطية. لكن هنالك طرق أخرى، حيث يمكن إجبار المنظمات على تطبيق القواعد الجديدة الموجودة في أنظمة وقوانين أمن المعلومات وفرض وجود القانون بطرق مقبولة كباقي الدول المتحضرة. وفي الحالات الحرجة يمكن إعطاء السلطات القضائية قرار تحديد الإجراء المسموح والشرعي لأجل إحباط هجمات سايبر في وقت معين، يشمل ذلك الحالات الطارئة.
العنوان الأصلي: دولة بوليسية.. تحت غطاء قانون السايبر!
رابط المادة: 11.07.2018 https://goo.gl/g785xe