مقدمة العساس | ربما تكون “إسرائيل” أكثر الغاضبين من قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بسحب القوات الأميركية من سوريا، كونه يتركها وحيدة بمواجهة تزايد النفوذ الإيراني والتأثير الروسي، وحتى التركي في منطقة مضطربة على حدودها الشمالية الشرقية.

يحلّل هذ المقال تبعات قرار الانسحاب الأميركي من سوريا، ومدى تأثيره على المنطقة، لا سيما في “إسرائيل”.

ترجمة العساس | جاء قرار الرئيس ترامب بإجلاء القوّات الأمريكية من سوريا مفاجئًا للقيادة الأمنية والسياسية في الولايات المتحدة، وكذلك للحلفاء في المنطقة، لا سيما أنه أتى بعد تعيين مبعوث أمريكي خاص في سوريا خلال الأشهر الأخيرة.

وكان كبار المسؤولين، بما فيهم جون بولتون، قد قالوا إن القوّات الأمريكية ستبقى في سوريا حتى خروج الإيرانيين والتوصّل لتسوية، بينما تؤكّد استقالة جيمس ماتيس وجود شرخ كبير بين طريقة الرئيس ومواقف الجهات المختصّة.

لم يتضح بعد السبب السياسي الذي دفع الرئيس ترامب لاتخاذ هذا القرار في الوقت الراهن، ومدى تعلقه بالأسباب الداخلية أو بالصفقة التي يحاول إبرامها مع نظيره التركي، رجب طيّب أردوغان، التي تشمل بيع أنظمة دفاعية جوية من نوع باتريوت كبديل لـ S-400 الروسية، إضافة للاستمرار بتوريد طائرات F-35.

ويبدو أن إجلاء القوات كان يهدف إلى منع الاحتكاك بين القوات الأمريكية والتركية في شمال شرقي سوريا، كما أنه لا يتعلق بجزء من اتفاق على عملية أوسع تجاه سوريا، التي تعتبر روسيا بمثابة الشريك لها.

وينضمّ القرار لخطوات وتصريحات أخرى للرئيس ترامب منذ توليه منصبه، تدلّ على أنه وضع أهدافًا يريد تحقيقها في الشرق الأوسط، وعلى رأسها رغبته في إجبار إيران على تغيير سياستها، هذا وسط مسعى ترامب لإرضاء ناخبيه عبر التخلص من عبء وجود القوّات الأمريكية في الشرق الأوسط.

إضافة لذلك، أفادت تقارير بأن الجيش تلقى تعليمات للبدء بتخفيض حجم قواته في أفغانستان، وذلك بعد أن اشتكى الجيش من أن الولايات المتحدة لم تعد تحظى بامتنان حلفائها في المنطقة، مما يتركها دون سياسة متماسكة تجاه الأهداف التي تسعى لتحقيقها.

أمّا حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة فقد أصبحوا يدركون أكثر وجود صعوبة حقيقية في الاعتماد على تجنيد الإدارة كمكوّن أساسي في استراتيجيتهم للتعامل مع التهديدات التي يواجهونها.

كما يُعتبر انسحاب القوات (حوالي 2000 جندي، معظمهم من القوات الخاصة) على أنه “خيانة” أخرى من الولايات المتحدة لحلفائها، ومن يدفع الثمن هذه المرة هي “قوات سوريا الديمقراطية” (SDF) أي القوات الكردية التي شكّلتها وسلّحتها الولايات المتحدة وقادت جهود القتال البرّي ضد تنظيم “الدولة” في سوريا.

ترامب نفسه برّر قراره بأنه لا حاجة للقوّات الأمريكية في سوريا بعد أن قضت على تنظيم “الدولة” هناك، وأن الولايات المتحدة ليست شرطي المنطقة.

يذكر أن الجهود العسكرية للتحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حقق العديد من النجاحات أمام التنظيم، ولكن ما زالت هناك القوى العسكرية التابعة للتنظيم في سوريا والعراق (وفقاً لتقييمات التقارير الحديثة في هذا المجال يمكث هناك حوالي 3000 مقاتل).

ورغم تصريحات واشنطن بأن إدارة البيت الأبيض ليس معنية بتكرار أخطاء إدارة أوباما عند سحب القوات الأمريكية من العراق، إلا أن إدارة ترمب ليس لديها خطة استراتيجية واضحة لمرحلة ما بعد القضاء على توسع تنظيم “الدولة”، لضمان عدم تكرار التهديد، وعدم وجود ظروف تسهّل بناء البنية التحتية اللازمة لإعادة ظهور العناصر السلفية الجهادية في سوريا وغيرها.

ويصبّ التحرك الأمريكي في صالح إيران، فأحد أهدافه الاستراتيجية هو تقليل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وسوريا بشكل خاص، ويرجع ذلك أساسًا إلى حقيقة أن الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا على طول الحدود مع العراق حدّ من حرية الحركة الإيرانية على طريق نقل القوات والأسلحة في الطريق البري من إيران عبر العراق إلى سوريا ولبنان.

ورغم الخطاب المناهض لإيران من قبل الإدارة الأمريكية وتحركاتها لفرض نظام العقوبات، فإنها لم تغير سلوكها الإقليمي حتى الآن، وخاصة رغبتها في مواصلة تأصيل وجودها في سوريا وفي مساعدة “حزب الله” على تعزيز قوته العسكرية.

وفي هذا السياق، تقول التقارير إن الولايات المتحدة حين لا تربط سياستها ضد “حزب الله” بسياستها تجاه الحكومة اللبنانية تشجع إيران، ومن وجهة نظر طهران تعكس التطورات في المنطقة شيئاً إيجابيًا لها، وخاصّة ما يمكن تفسيره على أنه عدم تصميم أمريكي، وضعف المملكة العربية السعودية بعد أزمة مقتل الصحفي خاشقجي، والجهد الروسي الرامي لتقليص حرية “إسرائيل” العسكرية في سوريا ونقص الحماس في “إسرائيل” للتصعيد في قطاع غزة، ومع “حزب الله” في لبنان.

الخلاصة

سيسرّع انسحاب القوات الأمريكية عملية إعادة سيطرة نظام الأسد على المناطق في شرق وشمال سوريا وهي تحت سيطرة الأكراد الذين يتمتعون بالمساعدات والدعم الأمريكيين، كما ستعزز هذه الخطوة صورة انتصار الأسد في الحرب بدعم من التحالف الروسي الإيراني.

ويبدو أن الهدف الأول لهؤلاء الشركاء هو الإسراع وتوجيه الجهود للسيطرة على المناطق الواقعة على طول الحدود العراقية السورية، بما في ذلك الممرات من الشرق إلى الغرب، وكذلك المنطقة الكردية في شمال شرقي سوريا، بما في ذلك حقول النفط.

ويُرجح أن قوات سوريا الديمقراطية الكردية ستختار التعاون مع النظام، لكنها ستوقف أيضًا القتال ضد “الدولة”، وعلى ضوء شعورهم بأنهم تعرضوا للخيانة من قبل الأمريكيين، وذلك أساسًا لأنهم يخشون من تنفيذ تركيا لتهديداتها حول تمديد الحملة ضدهم لتصل شمال شرقي سوريا.

ويُعطي قرار سحب القوات روسيا توكيلًا كاملًا تقريبًا على “الحقيبة السورية”، بينما تخسر الولايات المتحدة ورقة مساومة رئيسية للتأثير على خصائص التسوية السياسية في سوريا، إذا لم يتم التوصل تسوية من قبل مختلف الأطراف.

وكان من المفترض أن تتضمن التسوية، على الأقل وفقاً لبعض الأطراف، إشارة إلى مسألة الوجود الإيراني في سوريا.

في الواقع، سعت روسيا إلى خروج القوات الأمريكية، ولكنها طلبت تدخلًا أمريكيًا في عمليات التسوية السياسية في سوريا، لتحظى بدعم عالمي ومشاركة في إعادة إعمار سوريا.

كما ستحاول روسيا ترجمة تخلي ترامب عن الساحة لتقوية قدرتها على التأثير والمناورة في سوريا بشكل كبير، وسوف تستخدم هذا لإثبات أن سياستها تعكس العزم والمسؤولية والمثابرة والاستقرار، وأن أهمية التحرك الأمريكي هي ترسيخ مكانة موسكو كعامل مركزي في الشرق الأوسط.

وبالنسبة لـ “إسرائيل” فالمغزى الرئيسي هو احتمال أن يشجع الانسحاب إيران على تعزيز سيطرتها الإقليمية في المناطق التي كانت حتى الآن تحت سيطرة القوات الأمريكية، كما أن العلاقات المضطربة بين واشنطن وموسكو جعلت من المستحيل الاعتماد على الإدارة كوسيط ضد ضغوط روسيا، بما في ذلك القيود التي تفرضها على حرية حركة الطيران الإسرائيلية في سوريا.

وبشكل عملي، بقيت “إسرائيل” وحيدة في المعركة ضد الوجود الإيراني في سوريا، وعلى الأغلب ستحصل على دعم سياسي من الولايات المتحدة في إدارة المعارك.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي
تاريخ النشر:21.12.2018
رابط المادة: https://bit.ly/2rSJyGe