مقدمة العساس | عند مصادقة حكومة الاحتلال على قانون التغذية القسرية دار النقاش حول إمكانية تطويع المؤسسة الطبية وإقناعها بالمشاركة بالعملية ضد الأسرى المضربين. حينها أعرب جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي، عن ثقته بأنه سيجد أطباء يوافقون على تطبيق القانون، وهو ما ظهرت صحته لاحقاً من خلال التقارير الحقوقية، التي ترجم العساس جزءاً منها.
ترجمة العساس | صادقت الحكومة الإسرائيلية في يونيو/حزيران 2015 على اقتراح قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، قانون يرى الأسير المضرب فم يجب إغلاقه بواسطة “الزوندا”، أي أنبوب التغذية. يدور الحديث عن حكومة محبة للقوانين، لا سيما القوانين التي تسنها بنفسها، في الوقت نفسه الذي تتجاهل فيه القوانين الأخرى (مثل قانون حماية المريض أو المعاهدات الدولية مثل معاهدة مالطا ومعاهدة طوكيو). يستخدم مشرّعو هذه القوانين مبررات وتفسيرات عدة: من جهة، يريد المشرّع “إنقاذ حياة” الأسير المضرب عن الطعام، ومن جهة أخرى يرى فيه “مخرباً فلسطينياً” يريد تدمير “إسرائيل”.
يتعارض اقتراح القانون هذا مع موقف المجتمع الطبي في البلاد وسائر أنحاء العالم. وتنبع معارضة التغذية القسرية من منطلقين، الأول أخلاقي والثاني تطبيقي عملي. حيث يعتبر الإجراء القسري للتغذية وحشي وعنيف ومهين بحيث يعرض الأسير للجروح والخنق وخطر العدوى، مما يمكن أن يودي بحياته.
لا تعتبر التغذية القسرية إنقاذاً للأرواح إنما إزهاقاً لها ومخاطرة بها. لذلك تعد هذه الخطوة إجراء تعذيبياً ممنوعاً حسب القوانين والمعاهدات الدولية المختلفة التي تعتبره من أقسى أشكال القمع وأشده تعذيباً. إذا كان الأمر كذلك، لماذا تصر المؤسسة الحاكمة في “إسرائيل” على تغذية الأسرى المضربين عن الطعام بشكل قسري؟ لأنها تعتبر أن هذه الخطوة بحد ذاتها تشكل عذاباً لما تحويه من إهانة وتحطيم نفسي ومن شأنها كسر عزيمة الأسير المضرب عن الطعام وعزيمة أهله ومجتمعه المحيط.
يجب عدم تصديق كذبة المخابرات (الشاباك) الشائعة بأن هدف التعذيب هو الحصول على المعلومات ومثلها بالضبط التغذية القسرية. التي تهدف فقط لتعذيب الأسير جسدياً ونفسياً وتحطيم معنوياته لا غير. يعد قانون التغذية القسرية قانوناً سياسياً يسعى لقمع الإضراب السياسي، حيث تأمر الحكومة الأطباء تنفيذ قانون التغذية القسرية الذي شرعته. بمعنى آخر، تطلب من الأطباء ارتكاب جريمة (شرعية) بحق الأسرى المضربين عن الطعام مدعية كذباً أن الأطباء ملتزمون بإنقاذ الأرواح وبالتالي عليهم تنفيذ القانون.
نجح الأطباء المتطوعين في جمعية “أطباء لحقوق الإنسان”، الذين تولوا رعاية الأسرى المضربين عن الطعام بين 2011-2012 بإعطاء المدعمات الحيوية والمعادن الأساسية للمضربين حتى لا يتفاقم وضعهم الصحي. مع أن الأمر يشكل خطراً على صحتهم وحياتهم إلا أنه يمكّنهم من البقاء على قيد الحياة لأكثر من مائة يوم. في حين أنه في السنوات السابقة، وخاصة في الثمانينات (قبل تدخل جمعية أطباء لحقوق الإنسان) أدت التغذية القسرية لموت مباشر لخمسة من الأسرى المضربين عن الطعام.
إلى جانب التطبيق العملي لهذا القانون يوجد مبدأ كرامة الإنسان والإرادة الحرة (الحرية الوحيدة المتوفرة للأسير) وولاء الطبيب للمريض. يجب عدم فرض العلاج على الأسير الذي اتخذ قراره بالإضراب عن الطعام كوسيلة احتجاجية وذلك خلافاً لرغبته وكرامته. حيث لا يجوز للمنظومة الطبية أن تكون لعبة سياسية بأيدي الحكومة.
المصدر: http://bit.ly/1Rf8g7d