مقدّمة العسّاس | يخوض ما يقارب 1700 أسير فلسطيني، معركة جماعية للإضراب عن الطعام منذ 17 نيسان 2017، لتحقيق مطالب أساسية لم يحيدوا عنها. بالمقابل، تتجنّد سلطات الاحتلال لإحباط هذه المعارك والنكث بكلّ التعهدات التي حقّقتها معركة الأمعاء الخاوية. يتمحوّر هذا المقال حول أهمّ مطالب الأسرى وأهم ما أنجزته معركة الأمعاء الخاوية خصوصا في إضرابها عام 2012.
ترجمة العسّاس| يزخر تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية في السجون الإسرائيليّة بمعارك الإضراب عن الطعام التي تسعى لتشكيل ضغط للاعتراف بحقوق الأسرى السياسية، وأخرى احتجاجًا على الاعتقالات الإداريّة والتعذيب والأسر في ظروفٍ غير إنسانيّة. غالباً ما حقّقت هذه الإضرابات مطالب الأسرى، لكن السلطات الإسرائيلية تهدف دائماً لتثبيط هذه المحاولات، نتيجة لهذه المحاولات، مات خمسة من الأسرى المضربين عن الطعام بين عاميّ 1970 و1992، وهم: الأسير عبد القادر أبو الفحم والأسيرين راسم حلاوة وعلي جعفري والأسير محمود فريتخ والأسير حسين نمر عبيدات.
المعركة ضد الاعتقالات الإداريّة
خلال يناير/كانون ثاني 2012، اعتقلت السلطات الإسرائيلية 310 فلسطينياً وحوّلتهم للاعتقال الإداري، وعليه خاض الأسرى إضراباً عن الطعام أدّى للإفراج عن البعض وصولًا لـ 156 معتقل إداري في نهاية العام. على الرغم من هذا الإنجاز، ما زالت “إسرائيل” تعتبر الاعتقال الإداري أداة مشروعة.
يقوم الاعتقال الإداري بالأساس على أمرٍ إداريّ لاعتقالٍ مدّته ستة أشهر دون محاكمة يليها تمديد للاعتقال، دون لائحة اتهام أو محاكمة أو إفصاح عن التهم أو كشف مسار التحقيقات، كما يتمّ فرض سرّيّة على الدلائل، وبذلك يُسلب الأسرى الإداريون حقّهم في الدفاع والاستئناف. كما أن الاعتقال الإداري ينتهك القانون الذي يمنع نقل المعتقلين من الأراضي المحتلّة عام 1967، وعليه يُنتهك حقّهم في الزيارات العائليّة ومقابلة محام دفاع. لذا تتنافى هذه الاعتقالات مع نصّ القانون الدوليّ.
من الجدير بالذكر، أنّ القانون الدولي لا يمنع استخدام الاعتقال الإداري، إنما يتيح ذلك في حالاتٍ يُشكّل بها المتهم خطرًا فوريًا لا يمكن تفاديه إلا بالاعتقال. بيد أنّ ما تقوم به “إسرائيل” لا يعدّ حالة طارئة لتفادي خطر ما، وإنّما أداة مجحفة للتحايل على الإجراءات القانونية. وكذلك ليس هنالك أية مصادقة على سياسة الاعتقالات الإداريّة بشكلها الحالي. كونها تُستغل كأداة ترهيب.
في واقع الأمر، الاعتقالات الإدارية الإسرائيلية لا تنتهك القانون الدولي فقط، بل تحدّ من حرّيّة التعبير عن الرأي، حريّة التنظيم وحتى حرّيّة التعريف الذاتيّ للشخص، وكذلك تتّسم بالقمع السياسيّ. وخير دليل على ذلك، هويّة الملاحقين في السنوات الأخيرة، فهم محاضرون جامعيون وطلّاب ونشطاء سياسيون وصحافيون وأصحاب الآراء الحرّة وناشطي المنظمات المناهضة للاحتلال.
التحرير نحو المنفى
عن طريق الإضراب عن الطعام يحتجّ الأسرى الإداريون على تحريرهم المشروط بالنفي. ففي عام 2012 تمّ نفي الأسيرة المضربة عن الطعام، هناء شلبي، إلى غزّة، ومن قبلها الأسير سامر البرق، الذي نُفيّ من الضفّة الغربيّة. هذا التحرير المشروط بالنفي ما زال مستخدماً حتى اليوم، وهو يشكّل انتهاكًا واضحًا لبند 49 من اتفاقيّة جنيف الرابعة والذي ينصّ على أنّ النفيّ غير القانونيّ، يُعدّ جريمة حرب.
في 15 مايو من عام 2012، توّصل كلٌ من بلال ذياب وثائر خلايلة وحسن صفدي وجعفر عز الدين وعمر أبو شلال لاتفاقيّة جاءت استجابة لإضرابهم عن الطعام، تشترط عدم تمديد اعتقالهم بعد أن يوفوا فترة الأسر الأولى. بالإضافة لذلك، تعهدت “إسرائيل” بعدم تجاوز بنود القانون الدولي فيما يخصّ الاعتقال الإداري ولأن هذا التعهد الأخير لم يوّثق كتابيًا، استمرّ الأسرى الخمسة في إضرابهم. نقضت “إسرائيل” الاتفاقية مع حسن صفدي وجعفر عز الدين ولم تُحرّرهم إلّا بعد أن جدّدوا إضرابهم عن الطعام، كما أعادت اعتقال ثائر خلايلة.
المعركة في سبيل ظروف تحسين الشروط إنسانيّة
استغلت “إسرائيل” ظروف اعتقال الفلسطينيين السيئة في سجونها لتشكّل ضغطاً على السلطة الفلسطينيّة لتتعاون في إطلاق سراح الجندي “جلعاد شاليط” الذي أُسِرَ في غزّة على يد حماس. ففي عام 2011، قبل صفقة “شاليط” (وفاء الأحرار)، خاض ما يقارب 300 أسير فلسطينيّ إضراباً عن الطعام في محاولة للضغط على “إسرائيل” لتحسين ظروف المعتقل. إلّا أنّ الظروف ازدادت سوءاً رغم تعهّد “إسرائيل” بتحسينها بعد اتفاقيّة التبادل.
وفي 17 أبريل/نيسان 2012، يوم الأسير الفلسطيني تحديدًا، خاض أكثر من ألف أسير إضراباً عن الطعام، احتجاجاً على ظروف الاعتقال المجحفة وغير الإنسانيّة. وضعت هذه المعركة أمامها هدفين أساسييّن؛ أولاً، وقف العزل الانفرادي للأسرى، حتى وإن كان الأسير من القادة الفلسطينيين. وثانياً، تجديد حقّ زيارة عائلات الأسرى من قطاع غزّة، وهو ما منعته “إسرائيل” عام 2007، والسماح بزيارة عائلات مئات الأسرى من الضفة الغربية. بالإضافة لمطالب تمثلّت بحقّ تلقّي الرعاية الطبية والتعليم، والكفّ عن تعذيبهم.
إضافة لذلك، في 14 مايو/أيار 2012 أيضاً، في اليوم الثامن والعشرين من إضراب الأسرى عن الطعام، توصّلت قيادة الأسرى لاتفاقيّة مع مصلحة السجون الإسرائيلية، بوساطة مصرية. الاتفاقيّة تمحوّرت حول المطلبين الأساسيين للأسرى وكان الشرط الإسرائيلي هو تعهّد الأسرى بعدم المشاركة بعمليات ضدّ “إسرائيل”. وبحسب الاتفاقيّة التي صرّحت بها قوّات الأمن الداخلي الإسرائيليّ “الشاباك”، فإنّ أي عمليّة تدار من داخل السجن أو أي تجدّد للإضراب كفيل بنقض تعهّد “إسرائيل” بتنفيذ مطالب الأسرى. توصلوا كذلك لاتفاق غير رسميّ ينصّ على توقف الإجراءات التعسفيّة للاعتقال الإداري، والنظر من جديد في قضايا الأسرى الإداريين.
نقضت “إسرائيل” من الاتفاقيات المذكورة أعلاه المطالب التالية:
إنهاء سياسة العزل
نتيجة للاتفاقيّة المذكورة أعلاه، نقل 18 أسير من السجن الانفرادي إلى السجن العادي. لكن الكثير من الأسرى بقوا في العزل، منهم الأسير ضرار أبو سيسي والذي سُجِنَ مُنعزلًا منذ أن تم اختطافه في أوكرانيا عام 2011. كما عُزل بعض الأسرى الذين يعانون من اضطرابات نفسية في سجن انفرادي بحجة خطرهم، عوضاً عن تزويدهم بالعلاج المناسب.
السماح بالزيارات
تعهدت “إسرائيل” بالسماح بزيارة عائلات الأسرى من غزّة والضفة الغربية، التي منعت من ذلك منذ عام 2007، بعد شهرٍ من انتهاء الإضراب. الّا أن “إسرائيل” قلّصت عدد الزيارات المسموح بها من غزّة، ثم منعت الزيارات في نوفمبر/تشرين أول 2012، وتم تجديدها في 10 ديسمبر/كانون أول من ذات العام.
لكن فيما بعد أقدمت “إسرائيل”، على الحدّ من تأشيرات الدخول لأهل الأسرى وزوجاتهم على الرغم من أنّ التعهّد ينصّ على سماح الزيارة للأقارب من الدرجة الأولى. كما أنّ العائلات التي حصلت على إمكانية الزيارة تعرضت لتنكيلات شديدة على يد السُلطات الإسرائيلية. فبحسب السجلّات حتى عام 2012، لم يحصل أكثر من نصف أسرى قطاع غزّة على فرصة لقاء عائلاتهم، أما من سنحت له فرصة الزيارة فكانت لمرّة واحدة لم تتكرر بعد ذلك.
وأما بالنسبة لعائلات الأسرى من الضفة الغربية، فقد مُنِع 300 أسير من حق زيارة الأهل قبل الاتفاقيّة، ولم يُؤذن بعدها إلا لعددٍ قليل منهم.
تحسين ظروف المعتقلات
لم يتم الإبلاغ عن أي تحسين في ظروف السجن بعد اتفاقيّة الإضراب عن الطعام. فمثلًا، اقتحام الزنازين الليلية وتعذيب الأسرى والتفتيش والعبث بالممتلكات وكذلك سياسة العقاب الجماعي، ما زالت كلّها مستمرة. ولا يزال السجّان يعاقب جناحاً كاملاً جرّاء فعلٍ فرديّ.
العلاج الطبي
جودة العلاج الطبي المقدم للأسرى رديئة، وغالبية الأطباء ممن يقدمون العلاج في السجون هم أطباء دون تخصّص، وتمّ الإبلاغ عن معاملة بعضهم للأسرى بطرقٍ وحشية وغير إنسانيّة. كما أن الأدوار التي ينتظرها الأسرى لتلقي العلاج أطول مما يُسمَح به في المرافق الصحية. وعليه بات شرخ الثقة واضحاً بين الأسرى الفلسطينيين والطاقم الطبي في السجن، وبعد الإضرابات تعمّق الشرخ أكثر فقد تبيّن للأسرى أن الأطباء يقفون مع مصلحة السجون ضدّهم.
أما عن المدّ الشعبي والتضامن العالميّ، فقد لاقت معركة الأمعاء الخاوية تأييداً شعبياً فلسطينياً وعالمياً، بدءاً بإضراب خضر عدنان عن الطعام وحتّى الإضراب الذي قام به ما يقارب 1600 أسير، لتحقيق مطالبهم المشروعة. شكّل هذا التضامن والهبّات الجماهيريّة الفلسطينية ضغطاً إضافيّاً على “إسرائيل” للتوصل لاتفاقيّة مع الأسرى الفلسطينيين. ولكن تبقى قضية الأسرى بحاجة لدعم شعبيّ أوسع وخصوصا بعد التوصّل لاتفاقيات، في مصلحة السجون الاسرائيلية لا تلتزم بهذه الاتفاقيات.
المصدر: منظمة أطباء لحقوق الانسان http://bit.ly/2p4NWip