مقدمة العساس | يفترض بالأطباء في المعتقلات والسجون أن يكونوا ملاذ المساجين الأخير، إذ يتحمل الجهاز الطبي مسؤولية تقديم ما يلزم المعتقلين من الرعاية الطبية وتوثيق ما قد يتعرضون له من انتهاكات وتجاوزات على أيدي مسؤولي الأجهزة الأمنية أو معتقلين آخرين. لكن حينما يتعلق الأمر بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، فإننا نتحدث عن جهازٍ طبيّ تابع ومساند للاحتلال، كما يشتبه تورطه بأعمال التنكيل بالأسرى وطمس أي دلائل يمكن أن تدين السجان الإسرائيلي يومًا ما.
ترجمة العساس | شُبهات بتورط أطباء في انتهاكات اخلاقيّة بحقّ الأسرى و حجب تقاريرٍ توثق استعمال العنف تجاه المضربين عن الطّعام
أفاد الأسرى المضربون عن الطّعام، خلال زيارةٍ قام بها أطباء مستقلّون يتبعون منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” إلى المعتقلات، بتعرضهم للإساءة والعنف الممنهج من قبل السجّانين الإسرائيليين، إضافة لانتهاكات أخرى عديدة تُمارسها بحقهم مصلحة السجون الإسرائيلية. كما وأن هناك شكوكًا حول تعمّد أطباء مصلحة السجون عدم كتابة أي تقارير توثق الإصابات والأضرار الناجمة عن العنف والإساءة الّتي يتعرّض لها الأسرى المضربون عن الطّعام، فضلًا عن العديد من الانتهاكات الأخلاقيّة التي يمارسها الأطباء تجاه الأسرى. فيما يلي نقدّم مثالين على هذه الانتهاكات:
أفادت إحدى طبيبات منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” بعد زيارتها للأسير “حسن صفدي” في مركز أطباء مصلحة السجون بتاريخ 2012/5/7، الموافق لليوم الرابع والسّتّين لإضرابه عن الطعام، قائلة: “نُقل السّيّد صفدي إلى المستوصف التابع لمصلحة السّجون في تاريخ 2012/4/6 عقب تعرّضه لجفافٍ حادّ. تحدّث عن نقاش دار بينه وبين السجّانين بعد دخوله للمستوصف ليقوم السجانون على إثره بمهاجمته والاعتداء الجسدي عليه والتنكيل به. وبعد هذا الهجوم بفترة قصيرة تمت معاينته قبل الطبيب المناوب في المستوصف “د. بيبرس”. هناك شك بأنّه ورغم الفحوصات الطبيّة، لم يكن هناك أي نوع من التوثيق للاعتداء على السيد صفدي ولم يكتب أطباء مصلحة السجون تقريرًا طبيًّا حوله”.
طبيبة أخرى تكتب حول زيارتها لبعض الأسرى المضربين في تاريخ 2012/4/30 قائلة أنّه قبل زياتها لهم بأيّام أفاد مُعالَجوها، الأسيران “بلال ذياب” و “ثائر حلاحلة”، بتعرّضهما للعنف اللفظي والجسديّ من قبل عناصر مصلحة السجون الإسرائيلية أثناء تفتيشهم لغرفهم. في أعقاب هذا التفتيش رفض الأسيران تلقّي العلاج الطبّيّ أو إجراء فحوصاتٍ طبيّة. يُرجح أن مصلحة السجون تعمدت عدم توثيق هذا الاعتداء أو كتابة أطبائها لتقريرٍ طبّيّ حول الإصابات الناجمة عنه.
على مدى سنواتٍ عديدة فشل الأطباء في توثيق العنف الذي تعرض له الأسرى عبر تعمدهم عدم ذكره في التقارير الطبية أو عبر عدم كتابة تقاريرَ خاصةٍ بالأسرى من الأساس. كان أطباء مصلحة السجون الإسرائيلية شهودًا على الكثير من الانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى، بل وفي أغلب الأحيان متواطئين في إخفاء معالمها. هذا التستّر المشين يتنافى مع العرف والميثاق الأخلاقيّ الطّبيّ.
بعد عمل طويل الأمد لمنظّمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” مع وزارة الصحّة الإسرائيلية، أُنشئت لجنةٌ لمتابعة تقارير الأطقم الطّبيّة حول الإساءة التي يتعرض لها السجناء والأسرى الذين يتم التحقيق معهم. كما تُعنى اللجنة بحفظ الأدلّة المتوفرة في الحالات المشكوك بتضمنها انتهاكاتٍ بحق المحتجزين.
شكوك حول وجود انتهاكات وتنكيل:
أفاد الأسير المضرب عن الطعام “ثائر حلاحلة”، خلال زيارة طبيبة مستقلة تابعة لمنظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” له في المُعتقل، بأنّه قبل يومين من زيارتها له ارتفعت درجة حرارته إلى 39 درجة مئوية ما استوجب نقله إلى المشفى. حيث ذكر حلاحلة أن الطبيب المناوب في عيادة السجن أنزله من على كرسيّه المتحرّك إلى أرض العيادة قائلًا له بأنّه سوف يبقى على الأرض حتّى ينثني عن عزمه رفض تلقّي العلاج الطّبّيّ. في النّهاية نُقِل حلاحلة إلى المشفى بالقوة وفُرض عليه العلاج رغم رفضه لذلك.
نُفّذت هذه الممارسة بالرّغم من حظرها الصّريح في وثيقة مالطا. كما ويجدر القول أنّ لجنة الأخلاقيّات التابعة لمصلحة السجون اتّخذت قرارًا يوعز لطواقم المصلحة اللجوء إلى التغذية القسرية للأسرى المضربين دون الحاجة إلى محاولة إقناعهم بتلقّي العلاج أو تناول الطعام بالطرق السلمية.
كذلك وعلى سبيل المثال لا تسمح مصلحة السجون الإسرائيلية بالزيارة الدورية من قبل طبيبٍ مستقلّ -من غير أطباء مصلحة السجون- للمعتقلين بما يمكن الطبيب من بناء علاقة ثقة مع السجين المضرب عن الطعام لتقديم النصائح له علّه يقبل تلقّى العلاج -ولو جزئيًا-. كما لا تقبل إحالة المُضرب إلى المشفى ليكون في أجواء طبيعية -بعيدًا عن قمع وتنكيل عناصر المصلحة الذين يحاصرونه- ما من شأنه أن يؤثر إيجابًا على نفسية المريض ويحفزه على التعاون و قبول تلقّي العلاج الضروري لحالته. بالإضافة إلى الزيارات العائليّة التي ترفض مصلحة السجون قطعيًا السماح بها أو الموافقة عليها إن تم طلبها، والتي من شأنها إن أُقرت أن تساهم في إقناع المريض بتلقي العلاج بدعم من عائلته.
إقرار اللجنة الأخلاقيّة لإدارة مصلحة السجون تقديم العلاج القسريّ بشكل ممنهج:
عقدت اللجنة الأخلاقيّة لمصلحة السجون اجتماعًا طارئًا بالتوازي مع دخول الإضراب الجماعي يومه العشرين، ذلك الاجتماع مخالف للقانون، فبحسب أنظمة مصلحة السجون لا يُعقد الاجتماع إلا بطلبٍ من طبيب السجن و لمساعدته بشكل فرديّ. اللجنة اجتمعت -دون اعتبارٍ للقوانين المنظمة لعملها- وبعد تفقدها أقسامًا عدة في السجن دون الحديث مع أي من المضربين، قرّرت تقديم العلاج الطبيّ للأسرى قسرًا إن تطلب الأمر. قرارٌ جارف كهذا، في مرحلة مبكرة من الإضراب، يُعدّ انتهاكًا للقواعد الطبيّة الأخلاقيّة وتجاوزًا للقوانين الّتي لا تُبيح العلاج القسريّ إلا في ظروفٍ خاصة و قهريّة تتعرّض فيها حياة المضرب للخطر وبعد فحصٍ وتقييمٍ دقيق لحالته.
في نهاية المطاف، عدلت اللجنة عن قرارها إثر تدخّل ممثلة وزارة العدل. لكن الشكوك تبقى قائمة حول حقيقة أسلوب تعامل لجنة الأخلاق في مصلحة السجون مع الإضرابات الأخرى التي لا تحظى بالمتابعة المستقلة والتغطية الإعلامية، وحول قراراتها التي من الواضح أنها في جُلها تتعارض ومصلحة المريض، أي المُضرِب عن الطّعام، بل وقد ترقى إلى حد الإضرار المتعمد به.
المصدر: أطباء من أجل حقوق الانسان http://bit.ly/2p4NWip