مقدمة العساس | الاحتلال ومصادرة الأراضي | بعد النكبة، استمر الاحتلال الإسرائيلي بالتهام ما تبقى من الأراضي المملوكة لفلسطينيي الداخل، وذلك تحت مسمّيات قانونية متعددة منها التخطيط والبناء أو “خطط التطوير”. تخلق هذه السياسات تحديات يومية ومستمرة أمام فلسطينيي الداخل (عرب 48)، فهم في حالة صراع دائم للحفاظ على الأرض والمسكن، وهو ما دفعهم عام 1976 لتنظيم الاحتجاج الرافض الأول لسياسة المصادرة، والذي عرف لاحقاً بـاسم “يوم الأرض”.
ترجمة العساس | يتطرّق المقال إلى الإشكاليّات التي ينطوي عليها مجال التخطيط والبناء بالوسط العربيّ (المجتمع الفلسطيني بأراضي 1948)، كما يعرض عدداً الظواهر السائدة مثل عدم المساواة في تخصيص ومنح الأراضي ومصادرة أراضي وعدم الاعتراف بالقرى العربية وانعدام تمثيل المجتمع الفلسطيني في مؤسسات التخطيط الإسرائيلية وعدم ملاءمة الخرائط الهيكليّة للبلدات والمدن العربية لاحتياجات سكانها.
إن سياسة التخطيط الحكوميّة، غير الملائمة لاحتياجات السكان العرب، تخلق عوائق تصعّب على كل مواطن خامس في “إسرائيل” من ممارسة حقّه الأساسيّ بالمسكن. هذه السياسة، لا تشمل خططاً بعيدة المدى لتنمية المجتمع العربي اقتصادياً واجتماعياً، وهي ترمز إلى طريقة التفكير الإسرائيلية المُمنهجة، والتي تقول إن ليس هناك “مكان” للعرب في البلاد.
يدلّ تحليل الخريطة المحليّة في دولة “إسرائيل” إلى القصد التخطيطيّ المطبق على البلدات العربية من قبل السلطات الإسرائيلية، والتي ينتج عنها عدم مساواة وظلم واسع في تقسيم الأراضي.
في هذا السياق يذكر أن مساحات النفوذ التابعة للسلطات المحليّة العربيّة تشكل نسبة 3.4% من مساحات الدولة فقط، مع أنّ نسبة السكان العرب تصل إلى 18% من المجموع الكليّ للسكان في “إسرائيل”. وبالرغم من أن عدد العرب تضاعف 7 مرّات منذ قيام الدولة إلا أن مساحات البناء السكانيّة بقيت دون أي تغيير. وهنا يشار إلى أن الكثافة السكانيّة في البلدات العربيّة تعتبر من الأكبر في العالم. وعلى سبيل المقارنة، فإن كلّ فرد عربي في الداخل يخصص حوالي 645 متراً مربّعاً، فيما يخصص 3855 متراً مربّعاً للمواطن اليهودي الإسرائيلي.
لم تنشأ أي مدينة عربية منذ عام 1948
منذ قيام الدولة لم يتم إقامة أو بناء أي بلدة عربيّة جديدة بالرغم من تضاعف عدد السكّان العرب، فيما أنشأت أكثر من 700 بلدة يهوديّة. وما بين عاميّ 2001 و2011، فإن 8.5% فقط من الأراضي التي سوّقتها سلطة أراضي “إسرائيل” للسكّن خُصّصت للسكان العرب. كما أن النسبة المتوسطة للمساحات الصناعيّة المخصصة لليهود في “إسرائيل” هو 4.7 أضعاف مقارنة بالمساحات الصناعية المخصصة للعرب.
الاحتلال ومصادرة الأراضي التخطيط كأداة سيطرة
اليوم (عام 2013، وقت نشر المقال) حوالي 96.6% من أراضي الدولة تتبع الملكيّة اليهوديّة، مقارنة بأقل من 4% عشية قيام الدولة (1948). حوالي 700 ألف دونم هي ملكيّة عربيّة (فلسطينية) خاصّة، والتي تشكل حوالي 3.4% تقريبًا من المساحة الكليّة للدولة، وهي تشكّل 12% من مساحة الأراضي الكليّة التي امتلكها العرب (فلسطينيي الداخل والفلسطينيين اللاجئين) عشية قيام الدولة (النكبة).
ومنذ عام 1948 وحتّى احتجاجات “يوم الأرض” عام 1976، صادرت “إسرائيل” أراضٍ كثيرة بواسطة “قانون الأراضي (امتلاك للصالح العام) 1943″ تحت ذريعة احتياجات السكان. فقد نقلت ملكيّة جزء من الأراضي إلى جهات مثل “ككال” (الصندوق القومي اليهودي) و “سلطة أراضي إسرائيل”. هذه الجهات تعمل لخدمة الاستيطان اليهودي والاستيلاء على الأراضي، وعليه فإن مئات البلدات اليهوديّة أقيمت على هذه الأراضي المُصادرة، ومن بينهما المدن الجديد مثل “نتسيريت عيليت” (المعروفة بالناصرة العليا) و”كرميئيل” في منطقة الجليل. إذ تعتبر هذه المصادرات دليل واحد على سلب الأراضي من العرب لصالح “تهويد” الدولة.
عقب أحداث يوم الأرض تغيّرت سياسة الاحتلال ومصادرة الأراضي فمنذ ذلك الوقت تُطبّق السياسة بواسطة أدوات تخطيطيّة مثل التقليص والحد من مساحات نفوذ البلدات العربيّة في الداخل، وما يجعلها أصغر بكثير من مساحات الأراضي التي يمتلكها سكان نفس البلدة. على سبيل المثال توجد مخططات تقيّد استعمال الأراضي الخاصة بالعرب عن طريق إعلانها كغابات ومساحات خضراء أو مساحات أمنيّة ومخطّطات قوميّة لبناء بنى تحتيّة قطريّة في أراضي البلدات العربيّة مما يجعل هذه البلدات تجد نفسها محاطة بمناطق أمنيّة، ومساحات مملوكة للسلطات المحليّة اليهوديّة، بحدائق وطنيّة وبمحميّات طبيعيّة وطرق سريعة، والتي بدورها تحدّ من إمكانيّة توسّع البلدات العربيّة بالتماشي مع ازدياد السكّان. لذلك لا يوجد بالكثير من البلدات العربيّة مخططات أرضيّة لإقامة مناطق صناعيّة وتجاريّة وشقق سكنيّة.
القرى غير المعترف بها وانعدام التمثيل
يعيش اليوم من 70-90 ألف بدوي دون أي تنظيم لمساكنهم، معظمهم يعيشون داخل 35 قرية غير معترف بها في منطقة النقب (جنوبيّ فلسطين المحتلة). ورغم الاعتراف التدريجي والاستعلائي من قبل الدولة ببعض القرى غير المعترف بها (في الجليل مثلًا)، لا يزال في عام 2013 يعيش في “إسرائيل” مواطنون في بلدات تفتقر للبنى التحتيّة الأساسيّة.
من جانب آخر يتوجب التطرق لتمثيل المواطنين العرب في لجان التخطيط. إذ يحتوي المجلس القطري الإسرائيلي للتخطيط والبناء على ممثليْن عربيّين اثنين فقط من أصل 32 عضو. وفي اللجنة اللوائيّة لمنطقة الشمال هناك ممثلين اثنين أيضاً من أصل 17 عضو (هذا على الرغم من أنّ المواطنين العرب يشكّلون أكثر من 50% من عدد السكّان الكلي في هذه المنطقة)، وفي اللجنة اللوائيّة لمنطقة المركز هنالك ممثّل واحد، وفي اللجان اللوائيّة لتل أبيب القدس ليس هناك أي عضو ممثل عن العرب. إلى جانب ذلك، 6% فقط (5 من أصل 77) من السلطات المحليّة العربيّة تتمتع بوجود لجان تخطيط محليّة مُستقلّة مقابل 53% (79 من أصل 148) من السلطات المحليّة اليهوديّة. وهذا يعني أن القرارات التخطيطيّة المتعلّقة بالبلدات والأحياء العربيّة تُتّخذ غالبًا دون السماح للسكّان معارضة سيرورة التخطيط أو الاشتراك بصياغتها، ونتيجة لذلك، تمسّ هذه القرارات بالنسيج المعيشيّ للمجتمع العربي.
الاحتلال ومصادرة الأراضي والبلدات العربية
وفي الكثير من البلدات العربيّة ليس هناك خريطة هيكليّة للبلدة أو أن هذه الخرائط لا تلائم احتياجات ومتطلّبات الناس. أحيانًا، حتى وإن وجدت خرائط هيكليّة، ليس هنالك إمكانية لتطبيقها نتيجة عوائق بيروقراطيّة. فمثلًا في عاميّ 2000 و2005 أعلنت وزارة الداخليّة الإسرائيلية عن طرح وتسريع خرائط هيكليّة في الوسط العربيّ، إلّا أنه منذ عام 2000 صودق على 36 خريطة هيكليّة تخدم سكان 41 بلدة فقط من أصل 119. بالإضافة إلى ذلك، 14 من أصل الـ 36 خريطة لم تطبّق وبقيت حبراً على ورق بالرغم من المصادقة عليها، وذلك بسبب عوائق بيروقراطيّة تصعّب الحصول على تراخيص للبناء.
وفي نفس السياق يذكر أن 22 بلدة لا يمكنها تقديم أو طرح خريطة هيكليّة لتوسيع مناطق البناء أو تغيير استعمال الأراضي (من أراضي زراعية إلى أراضي بناء مثلاً)، وذلك بحجة أنها لا تحقق المتطلبات الأساسيّة لذلك، بسبب عدم وجود بنى تحتيّة لمياه المجاري مثلًا. ولكن يمكن اعتبار ذلك فخاً مقصوداً، فمن جهة، لا تسعى وزارة الداخليّة لربط هذه البلدات ببنية تحتيّة مناسبة، ومن جهة أخرى فإن وجود هذه البنى التحتيّة هو شرط أساسي لتوسيع البناء في هذه البلدات.
يمكننا إضافة نقطة أخرى تجسّد التمييز التخطيطيّ في “إسرائيل” ضد الفلسطينيين، فهناك نقص في تخصيص الأراضي للحدائق والمتنزّهات العامّة، لخدمة لسكان أو لخدمات الطوارئ، إضافة لإهمال البنى التحتيّة فيها. كل هذه الأمثلة المذكورة تبيّن السياسات الحكوميّة ضد المواطنين العرب وعدم المساواة بتقسيم الموارد، إلى جانب سياسات التخطيط الخاصة بالبلدات العربيّة (والتي تستخدم للسيطرة عليها).
المصدر: المعهد الإسرائيلي للديمقراطية