مقدمة المترجم | يتطرّق هذا المقال إلى الملف السريّ المُوجّه لسفير إسرائيل في واشنطن إسحاق رابين، والذي أُوصيَ خلاله بعدم استعمال مصطلح “احتلال”، وذلك من أجل منع الصليب الأحمر من الوصول إلى الفلسطينيين. هذا وقد أوضحت البرقية التي حوت الملف كيفية تهرب “إسرائيل” من تطبيق اتفاقيّة جنيف داخل الأراضي المُحتلة من خلال العديد من الانتهاكات الواضحة.
ترجمة العسّاس | كشفت ملفّات سرّية لوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة، والتي تعود لفترة ما بين عام 1967 و 1968، كيف حاولت حكومة “إسرائيل” التهرّب من تطبيق اتفاقية جنيف على الأراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة. إذ اعترف موظفون بارزون في الدولة، كما أوردت الملفات، بانتهاك الاتفاقيّة وممارسة العنف تجاه الفلسطينيين، كما أن تجنّب “إسرائيل” تعريف نفسها كدولة احتلال جاء تهرّباً من الانتقادات الدوليّة.
ويحوي الملف الأوّل برقيّة مُصنفة أُرسلت في شهر مارس/ آذار 1986 من قبل الدبلوماسي ميخائيل كومي، سفير “إسرائيل” في الأمم المتحدة سابقًا، بحضور كلٍّ من مستشار وزير الخارجيّة الإسرائيلي أبا إيبان، والمستشار القانوني لوزارة الخارجيّة تديئور ميرون،. ووجّهت البرقيّة المصنفة ضمن الوثائق “الأكثر سريّة” للسفير الإسرائيلي في واشنطن، إسحاق رابين، حيث تمّ إرشاده إلى كيفية منع الأمريكيين من إلزام “إسرائيل” بتطبيق الاتفاقية في الأراضي المحتلّة.
“إن خط العمل المتواصل بالنسبة لنا كان وسيظل التهرّب من الحوار مع جهات غريبة بشأن وضع الأراضي الواقعة تحت حيازة “إسرائيل” ضمن اتفاقيّة جنيف “، وأُضيف “إن أي اعتراف واضح من جهتنا بتطبيق اتفاقية جنيف سيكون كفيلاً في خلق إشكالات مركبة داخل الاتفاقيّة منها: تفجير البيوت والإبعاد والطرد والاستيطان وغيرهم.
بالإضافة إلى ذلك، نحن ملزمون بإبقاء كل الخيارات مفتوحة فيما يخصّ قضيّة الحدود، ومن غير المسموح أن نعترف بأن وجودنا في الأراضي التي تحت الحيازة الإسرائيلية هو وجود احتلالي فقط”. ثمّ أوردت البرقية: “باختصار، سياساتنا تجاه الأراضي الواقعة تحت السيادة الإسرائيليّة هي محاولة منع ظهور تناقضات واضحة مع اتفاقية جنيف، دون الخوض في سؤال تطبيق الاتفاقيّة”.
وأقرّ كلٌّ من كومي وميرون أنّ مكانة القدس هي المسألة الأكثر إشكاليّة، وذلك بسبب ممارسات الحكومة التي تنتهك وتتعارض مع الاتفاقيّة؛ “المشكلة الكبرى هي القدس الشرقيّة بالطبع، ففي حال اتبعت الحكومة اتفاقيّة جنيف وأنظمة لاهاي لقوانين الحرب، ما كانت لتقوم بتغييرات بعيدة الأمد في المجالين الإداري والقانوني، مثل مصادرة الأراضي”. وأوردت البرقيّة: “في الوقت الذي نحاول فيه منع الخطوات التي قد تتلقى دعمًا دوليًا، لا توجد أي إمكانية لجعل كل أفعالنا في القدس متلائمة مع الاستثناءات النابعة من اتفاقية جنيف وأنظمة لاهاي”.
أرشد الدبلوماسيّون رابين قائلين: “علينا أن نقول للأمريكيين إن هناك مكانة خاصة لهذه الأراضي ولمكانتنا (دورنا) فيها”، ثمّ تابعوا: “قبل حرب الأيام الستة لم يكن قطاع غزّة إقليمًا مصرياً، وكانت الضفة الغربيّة أيضًا مساحة مُحتلّة، ثمّ ضمّتها الأردن لها دون أية موافقة أو اعتراف دولي. وعليه، في وضع جغرافي ضبابيّ وغير واضح الملامح، يكون سؤال الاتفاقيّة مُعقّدًا وغير واضح، إلى حين إبرام اتفاق سلام يحوي ترسيمًا لحدود آمنة ومعترف بها”.
افترض كلٌّ من كومي وميرون أن لا حاجة للتنازع علنًا مع الأمريكيين، لذا اقترحا على رابين “عدم الدخول في حوار أو جدال على الأمور المذكورة، والاكتفاء بتسجيل الردّ”. وفي الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران عام 1967، وبعد أقل من أسبوعين على الحرب، أوصى كومي نائب المدير العام في وزارة الخارجيّة، يوسف تكواع، بعدم استعمال مصطلح “احتلال”، كي لا يتم الالتزام بالسماح للصليب الأحمر بالوصول الحُر إلى الفلسطينيين في الضفة الغربيّة.
وجاء في هذا السياق: “على ضوء حقيقة أن الصليب الأحمر الدوليّ يحاول المطالبة بحقوق المدنيين بحسب نص اتفاقية جنيف، فإنّ هناك حاجة للحذر من استعمال مصطلحات معيّنة موجودة في الاتفاقيّة”؛ واقترح كومي استبدال مصطلح “أراضٍ مُحتلّة” بِـ “أراضٍ تحت السيادة الإسرائيليّة” أو بِـ “أراضي الحكم العسكري”. وبحسب ما قاله كومي، فإنّ “على بعثتنا لدى الأمم المتحدة وممثلينا معرفة حقيقة أننا نتهرب من الحوار مع ممثلي الصليب الأحمر الدوليّ على وضع الأراضي”.
يذكر أن كشف هذه الملفات جاء بعد مطالبة معهد الأبحاث “عكيفوت” اليساري. “وتكمن خصوصيّة هذه البرقية في الصدق النادر التي يشرح به كُتابها بالتفصيل أسباب الحكومة في عدم الاعتراف بتطبيق الاتفاقية”.
المصدر : هآرتس : http://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.3073089