مقدمة العساس | يسرد بن غوريون في مقاله بالتفصيل وجود 3 فئات ركبت المجتمع الفلسطيني قبل النكبة، وبالرغم من امتناعه ربط هذه الفئات ببعضها ونسبها للمجتمع الفلسطيني، إلا أنه أثبت من خلال المقال التركيبة الديمغرافية لأرض فلسطين ووجود التنوع الديني واللغوي والعرقي في المجتمع الفلسطيني الواحد.
ترجمة العساس | ينقسم سكان البلاد إلى ثلاثة أقسام تختلف فيما بينها في أنماط معيشتها وطرق كسبها للمال ولهجاتها ولباسها. القسم الاول هم البدو سكان الصحراء، وهم يقيمون في خيم ويعتمدون على رعاية المواشي والجِمال كمصدر اساسي للدخل. والقسم الثاني هم سكان المدن، ويعملون في التجارة وفي الحِرَف المختلفة، بينما القليل منهم يعمل في الزراعة. أما القسم الثالث والاخير فهم الفلاحون، وهم الذين يسكنون في القرى ويعتمدون بشكل أساسي على العمل في الأرض والزراعة، وهذا القسم هو الأكبر من حيث العدد ومن حيث الأهمية الاقتصادية.
التركيبة الديمغرافية لأرض فلسطين
يقطن في “أرض إسرائيل” من جبل الشيخ في الجليل شمالاً حتى خليج العقبة جنوباً، ومن البحر الكبير غرباً وحتى صحراء سوريا شرقاً مليون نسمة، منهم 100 ألف نسمة من البدو، و350 ألف نسمة من سكان المدن، وما تبقى أي ما يعادل نصف مليون نسمة من الفلاحين.
البدو
القسم الاول وهم البدو، يُسمون أيضا ب “العرب” نسبةً الى اصولهم العربية، إذ جاؤوا من بلاد العرب في القرن السابع للميلاد وفرضوا في البلاد دينهم ولغتهم. وينقسم البدو إلى قبائل كثيرة دائمة النزاع والخلاف فيما بينها على الرغم من أنّ أصلهم واحد، وهم يحافظون منذ أيام سيدنا موسى طراز لباسهم وأنماط معيشتهم وممتلكاتهم ومسارات تنقلهم. فيعيشون على رعاية الجمال والاغنام ويُغيرون أحيانا على القبائل القريبة وينهبون ممتلكاتهم، وكل قبيلة منهم مستقلة بذاتها يترأسها “شيوخ” و”أمراء”.
أبناء المدن
يختلف القسم الثاني من ناحية الجذور واللغة والدين اختلافاً كبيراً عن القسم الأول، والحديث هنا عن أبناء المدن. إذ يتكون هذا القسم من مزيج كبير ومتنوع من أشخاص ذوي أصول ولغات وأفكار مختلفة، فمثلا كان سكان مدينة القدس في القرن العشرين يتحدثون بأكثر من خمسين لغة مختلفة، وفي حيفا ويافا والناصرة والمدن الأخرى كانت هناك عشرات اللغات. إلا أنّ اللغة المسيطرة كانت اللغة العربية، على الرغم مِن أنّ عدد الذين يرجعون الى أصول عربية نقية، الذين جاؤوا من الجزيرة العربية في زمن الخلفاء الأوائل، هو عدد صغير جداً.
ومع مرور السنوات أصبح يسكن هنا سكان من الديانات الثلاث ذات الاصول اليهودية والإسلام والمسيحية-ومن كل المذاهب النابعة منها. من اليهود يوجد طوائف متعددة، ومن المسلمين يوجد سنة وشيعة وبهائيين. ومن المسيحيين يوجد كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت ومذاهب مسيحية شرقية أخرى.
الفلّاحون سكّان القرى
أبناء القسم الثالث، الفلاحون سكان القرى، هم أيضا متنوعون ومختلفون في أديانهم وأصولهم ولغاتهم. ففي كل منطقة يسكن من ثلاث إلى أربع مجموعات دينية قومية كلّ منها في قريتها الخاصة المستقلة، وأحيانا يعيشون في قرية واحدة. مثلاً في منطقة “حاصبيه” بالقرب من جبل الشيخ في الجليل يوجد 18 قرية، ثلاث منها درزية، اثنتان مسيحيتان وواحدة مسلمة والبقية مختلطة. أحيانا يعيش الدروز والمسيحيون معا، وأحيانا المسيحيون والمسلمون معاً.
وفي قرية البقيعة بجانب صفد مثلا يعيش مسلمون ومسيحيون ودروز ويهود معا، ونرى مثل هذا الاختلاط في قرية شفاعمرو كذلك. كما نرى الاختلاط في الأديان والخلفيات أيضاً في أغلب مناطق الجليل الأعلى والجليل الأسفل، وفي قرى ومناطق نابلس وفي شمال البلاد. أما في المساحة الصغيرة الموجودة بين حيفا وقيسارية نجد أنّ الفلاحين ينحدرون من ثماني أصول مختلفة، فهم-سوريين ويهود وشركس وعرب وبوسنيين وأتراك وألمان، وزنوج.
اقرأ أيضًا.. ما أهمية الجولان لـ “إسرائيل”؟
إلا أنّ سكان القرى هم من المسمين العرب بغالبية مطلقة، إذ يشكلون أكثر من ثلثي سكان القرى في البلاد، ومن بين التسعمئة قرية الموجودة يوجد فقط مئتين وعشرين قرية سكانها ليسوا من هذه الفئة. وهي مقسمة كالتالي-50 لليهود, 20 للمسيحيين, 11 للدروز, 6 للألمان, 3 للشركس, 1 للبوسنيين، و5 قرى مختلطة. وبقية ال 680 قرية هي للعرب والمسلمين.
العرب و التركيبة الديمغرافية لأرض فلسطين
بعد مجيء العرب إلى “أرض إسرائيل” بدأت اللغة العربية والدين الإسلامي بالانتشار بشكل كبير بين السكان. ففي مقالة “الأسماء القديمة في فلسطين وسوريا” أثبت د.جيؤور كامبمئير بالاستناد الى تحليل لغوي-تاريخي، أنه وعلى امتداد فترة زمنية معينة سادت بين سكان “أرض إسرائيل” لغتين أساسيتين هما: العربية والآرامية. ثم مع مرور الوقت تراجعت الثانية وبقيت العربية، مع الاشارة إلى انه حتى اليوم لم تُمحَ آثار الآرامية من لهجة الفلاحين.
ولقد انتشر الدين الاسلامي بين سكان المنطقة في نفس الوقت مع انتشار اللغة العربية. فقد انتشرت الرسالة الجديدة بسهولة كبيرة بين السكان اليهود الذين كانوا قد حولوا ديانتهم سابقاً الى النصرانية، وذلك لأن معتقدات الدين الإسلامي كانت أقرب الى اليهود من معتقدات الدين النصراني. وتحديداً مبادئ الأخوة والديموقراطية التي يدعو لها الدين الإسلامي ساعدت بقوة في انتشاره. وفي حين بقي السكان الأصليون مهانون لدى الحكام البيزنطيين، كان يكفي أن يشهد أحدهم بأنه “لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله” ليتم قبوله كعضو يتمتع بكامل الحقوق في المجتمع المسلم.
المصدر : http://benyehuda.org/ben_gurion/anaxnu02.html