مركزية الجيش في التخطيط للدولة | وضع رئيس الحكومة الأولى دافيد ين غوريون، مسؤولية حكومية واسعة النطاق على السلم العسكري حتى بعد قيام الدولة، وهي مسؤوليات تجاوزت مجالات الاختصاص العسكرية المقبولة في الدول الديمقراطية.
على عكس الدول الأخرى بشكلٍ عام، والديمقراطية الغربية منها بشكل خاص، شكَّل قسم الاستخبارات في مجال تقييم الاستخبارات القومية، وقسم التخطيط في مجال التخطيط السياسي – الاستراتيجي، المصدرين الوحيدين تقريبًا للتقييمات في المجال الأمني، مع تطرقهما لمجالاتٍ إضافيةٍ غير المجالات الأمنية البحتة.
إن هدف المقالة هو فحص الأسباب المتعلقة بطريقة تحديد السياسات في “إسرائيل”، وذلك في مجالي الاستخبارات القومية والتخطيط السياسي – الاستراتيجي، وفيهما يحصل السلم العسكري على وزنٍ إضافيٍ مقارنة بسلم التقييم والتخطيط غير العسكري. من المهم تسليط الضوء على التفسير الثقافي للثقافة الاستراتيجية، الذي لم يُناقش حتى الآن بشكلٍ عميقٍ في الأدبيات المتعلقة بــ”إسرائيل”.
قمنا بفحص عدّة حالات في هذا الصدد: حرب الاستقلال، وحرب الأيام الستة، والانتفاضة الأولى، وحرب لبنان الثانية. وكانت المؤشرات لفحص مدى السيطرة: مدى التهديد الوجودي، والديناميكية التنظيمية – البيروقراطية، وتأثير الثقافة الاستراتيجية الإسرائيلية (وتشمل مدى عسكرة المجتمع رموزًا وأشكالًا وتطبيقًا).
مركزية الجيش في التخطيط للدولة والتهديد الوجودي
فيما يخص مستوى التهديد الوجودي، يمكنني تقسيم ذلك إلى فترتين واضحتين: الأولى حرب الاستقلال والثانية حرب الأيام الستة، وفيهما كان وجود “إسرائيل” محلّ تهديد. أما في الحالتين المتبقيتين: وهما الانتفاضة الأولى وحرب لبنان الثانية، لم يكن هناك تهديدٌ لوجود “إسرائيل”. خلال كل الحالات السابقة المذكورة، عدا حرب الاستقلال، كان الجيش جسمًا بيروقراطيًا- تنظيميًا ذا قوة عظيمة.
مرّت الثقافة الاستراتيجية الإسرائيلية بعدّة تغييراتٍ منذ بداية التوطين وحتى حرب لبنان الثانية. مع بداية فترة التوطين وحتى انتهاء حرب الاستقلال، كان الاتجاه نحو الانتقال من الثقافة الاستراتيجية التصالحية إلى الثقافة الاستراتيجية الفعّالة. هذا الاتجاه كان واضحًا من خلال المركبات الثلاثة التي تكوّنه (العَسكرة، والرموز والأشكال، والتطبيق). خلال الانتفاضة الثانية وحرب لبنان الثانية، تحوّلت الثقافة الاستراتيجية الإسرائيلية إلى ثقافة تصالحية وأقلّ فعالية. لا نقصد هنا إخراج “إسرائيل” من قائمة الدول الفعّالة وتحويلها إلى دولة تصالحيةٍ مُسالمةٍ، إنما هي مسألةٌ نسبية مقارنة بسنواتها الأولى؛ فالملحوظ أن هنالك تحولًا معينًا في الاتجاه الفعّال.
في الحالات الثلاث الأولى، كل واحدٍ من التفسيرات يمكنه أن يكفي، وهناك توافقية تامّة بين الثقافة الاستراتيجية والعامل المادي، وهذا يؤثر بشكلٍ واضحٍ على مدى سيطرة السلم العسكري مقارنة بالسلم المدني. في المقابل، فإنه خلال حرب لبنان الثانية، لم يكن ثمّة تهديد وجودي للدولة، ولذلك فالديناميكية البيروقراطية – التنظيمية كانت مهمة، في حين أن الثقافة الاستراتيجية لم تكن فعّالة كما في الماضي، لكنّها لم تكن تصالحية. ورغم ذلك، كان للسلم العسكري سيطرةٌ وطغيانٌ على السلم غير العسكري (سيطرة مركزية الجيش في التخطيط للدولة)، لا سيما على ضوء الحقيقة القائلة بأنّ هنالك مؤسسات مدنية أُقيمت لهذا الهدف (مركز بحث السياسات التابع لوزارة الخارجية، والشاباك، والموساد، ومجلس الأمن القومي، وغيرها). التفسير لسيطرة السلم العسكري يكمن في هذه الحالة بالدمج بين المتغيرين.
المصدر : http://www.inss.org.il/uploadImages/systemFiles/Society%20workshop%20June%202013.pdf