يشكل “الحريديم” ما نسبته 8% من مجمل سكان دولة “إسرائيل”، أي ما يعادل نحو 447000 نسمة حتى عام 2009. وتصل نسبتهم في مدينة القدس إلى30%، أي نحو 150000 من أصل 494880 يهوديٍ يسكنون القدس. يتعامل المجتمع الإسرائيلي مع المجتمع الحريدي على أنهم مجموعةٌ واحدةٌ متشابهة؛ إلا أنهم في الواقع عبارة عن مجتمعٍ غير متجانس، يجسّد بداخله اختلافات عدة.

التيارات الفكرية في المجتمع الحريدي

المجتمع “الحريدي” مقسمٌ إلى ثلاثة تيارات فكرية رئيسية:

الليتائيم

ويشكلون30% من المجتمع الحريدي أو في “إسرائيل”. مُمَـثّلون في الكنيست عبر حزب “ديجيل هتوراه”، والمتـفرّع أصلًا عن حزب “يهدوت هتوراة”.

هذا التيار يهتم بالتعليم والاجتهاد، بل ويعتبره أمرًا أساسيًا، إذ يتحدد مستوى ومرتبة الأفراد وفقًا لذلك. تدعى مؤسستهم الرئيسية “اليشيفا”، والتي تــُخرِّج علماء الدين. “اليشيفا الليتائية” ذات مستوً رفيع، وتشمل: “يشيبات فونيبيز”، “يشيبات مير”، “يشيبات إيتاري”، “يشيبات حيفرون”.

“الليتائيم” منفتحون نسبيًا على الحياة الحضرية والعصرية، وذلك ينعكس من خلال الزي الذي يرتدونه، والمتمثل ببدلاتٍ عصريةٍ غامقة اللون وقبعاتٍ سوداء. كما أنّ قسمًا كبيرًا منهم مندمجٌ في سوق العمل بمجالي الصناعة والصناعة التكنولوجية المتقدمة، المعروفة بالـ”الهايتك”.

 الحسيديم

ويشكلّون النسبة الأكبر من المجتمع الحريدي، والبالغة 40%. على عكس التيار “الليتائي”، ينصب التركيز لدى هذا التيار ليس على العلم والاجتهاد؛ بل على التزام تعاليم الله، وعلى مركزية وأهمية القائد الروحي، المعروف بالـ”أدمور”، بالإضافة إلى التركيز على العمل الدنيوي، ورفض أسس التقشف ويجري عندهم النظر إلى العالم المادي بوصفه تجسيدًا للأصل الإلهي.

منذ نشأة التيار الحسيدي، تحوّل لحركةٍ شعبية، والتي قامت بإعادة الله إلى اليهودي البسيط، دون الاكتراث لمستواه التعليمي. ومن هنا، تحوّل هذا التيار للتيار الأقوى.

التيار الحسيدي مركبٌ من طوائف متنوعة، على رأس كل منها يقف الـ”أدمور”، وهو القائدٌ بلا منازع ويعتبر قديساً بالإضافة لذلك، وهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة. وغالبًا ما تنتقل القيادة الحسيدية بالتوريث من جيل لآخر.

الطوائف الحسيدية بقيادة الـ”أدمور”  تشتمل على ما يسمى بـ”الفناء الحسيدي”، أي أنها مجتمعاتٌ مغلقة، تُؤمِّن لأبنائها مستلزمات الحياة، مثل: المؤسسات التعليمية، والكنيس، والمتاجر، ومؤسسات التأهيل الحسيدية. بينما الطوائف التي لم يُعين لها “أدمور”، لا تتضمن في تعاليمها على “الفناء الحسيدي”.

غالبية التائبين اليهود ينضمون لهذا التيار، ويعود ذلك لكون التيارات الأخرى تيارات مغلقة. والزي المُعتمد لأبناء هذا التيار يميّزهم عن غيرهم، وهو المتمثل بمعطف أسود طويل، تتدلى عليه خصلات شعرٍ منسدلة من خلف آذانهم.

السفراديم

وهو التيار الحريدي الشرقي، ويشكل ما نسبته 30% من المجتمع الحريدي في “إسرائيل”. غالبية المنتمين لهذا التيار هم يهودٌ من أصول عربية وشمال أفريقية، الذين تبنوا طريقة حياة ومبادئ التيار “الليتائي”.

يعود تأسيس هذا التيار إلى سنوات الخمسينيات، حين تعلم اليهود الشرقيين في “اليشيبا الليتائية” والمدارس “الأشكنازية” الداخلية. ومع أنهم تعلموا وتأثروا من معلميهم “الأشكناز”،  إلا أن المجتمع “الأشكنازي” رفض دمجهم اجتماعياً، مما جعلهم يقيمون أطرًا شرقيةً حريديةً منافسة. حتى وصل بهم الحال لإقامة حركات سياسية تربوية كحزب “شاس”.

التقسيم المذكور أعلاه هو تخطيط يهدف إلى رسم الخطوط العريضة العامة للمجتمع “الحريدي“، ويذكّر أيضًا، بأنّ هنالك خطوطًًا وتياراتٍ فرعية عديدة أخرى، ما بين التيارات الثلاثة الكبيرة، منهم: “حردلينكيم”، وهم اليهود الصهيونيون المتدينون الذين يتبنون سمات حسيدية، وتيار “نيو أورثودكسيم”، والذي يتميز بأسلوب حياة عصري، وآخرون.

الطائفة الحريدية

وتكوِّن نسبة صغيرة من مجمل الحريديم، أي ما يعادل 5% فقط. هذه الطائفة تتشكل من عدة “حسيديوت” من أهمها: “ساتمر”، و”تولدوت أهرون”، و”تولدوت أبراهام يتسحاك”، وجماعة “ناطوري كارتا”، وعددٌ من المجموعات المنعزلة الأخرى.

تأسست “الطائفة الحريدية” ما بين أعوام 1919-1921، في أعقاب انقسام وتوزيع الأشكناز في القدس. حينها، أسس المعتدلون حاخامية برئاسة الحاخام كوك، وأسس المتطرفون “الطائفة الحريدية” برئاسة الحاخام  يوسيف حاييم زونفلد. وفي الوقت الذي اعتقد فيه الحاخام كوك وأتباعه بأنّ الصهيونية وقيام دولة “إسرائيل” تبشران ببداية الخلاص، رفضت الطائفة الحريدية وبشدّة فكرة إقامة دولة اليهود قبل مجيء المسيح، والمتمثلة بدولة “إسرائيل”. وبحسب اعتقادهم، فإنّ تلك الخطوة تشكل تمردًا على ملك السماء.

اقرأ أيضًا.. الحريديم: عامل التغير الديموغرافي في “إسرائيل”

حتى عام 1945, شكّلت مجموعة “أجودات يسرائيل” جزءًا من الطائفة الحريدية، إلى أن انفصلت عنها في هذا العام، عقب قبولها فكرة إقامة دولة “إسرائيل” والمشاركة السياسية في مؤسسات الدولة؛ بهدف التأثير على طابعها الديني-اليهودي. ولنفس الأسباب انشقت أيضاً حاخامية “بعليز” عام 1980، وانضمت إلى تيار “أجودات يسرائيل”.

أبناء الطائفة الحريدية

أبناء الطائفة الحريدية لا يشتركون في انتخابات الكنيست. وفي أغلب الأحيان، لا يشاركون في الانتخابات المحليّة أيضًا. وتعاملهم مع مخصصات التأمين الوطني مسألةٌ متفاوتة. فقسم منهم يرفض تلك المخصصات ضمن رفضه القاطع ومعارضته للدولة، وقسمٌ آخر يقبلها رغمًا عنه نتيجة  للوضع المادي الصعب.

أبناء الطائفة الحريدية يسكنون في الغالب أحياء “ميئا شعاريم” و”جئولا” في مدينة القدس،  وحي “بني براك” في مدينة تل أبيب. وفي السنوات الأخيرة، باتوا يسكنون أيضاً في مدينة “بيت شيمش”.

سلوك أفراد الطائفة, بنمط حياتهم الحريدي المتشدد ومعارضتهم لقيام الدولة -كما ذُكر سابقاً-، جعل تأثيرها كبيرًا جدًا على الرغم من عدد أفرادها القليل نسبيًا. إذ تؤثر الطائفة على المجتمع الحريدي بأسره، وعلى المجتمع الإسرائيلي الذي لا تعترف به أيضًا.

أبناء الطائفة غير مجبرين على تعلّم التوراة، وكثيرون منهم يخرجون للعمل بمجالات مختلفة لا تتطلب تعليمًا أكاديميًا؛ لكنّها حرفٌ متعلقة بالدين، مثل: “مشرف على الطعام اليهودي”، والمعروف بالـ”كاشير” وهو الأكل المطابق للشريعة اليهودية، والذبح “الكاشير” وما إلى ذلك.

الجدير بالذكر أنّ المظاهرات والاحتجاجات التي خرجت مطالبة بالحفاظ على قدسية يوم السبت، ومنع تدنيس المقابر في القدس، نُـسبت للطائفة الحريدية. حيث أنّ الطائفة كانت من أشد المعارضين لتدنيس حرمة السبت، فدفعهم ذلك ليقودوا الاحتجاجات.

رابط المصدر:
http://www.police.gov.il/Doc/TfasimDoc/AEDAHREDIT.pdf