مقدّمة العسّاس |

منذ إعلان وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بينت، منتصف آذار 2020، أن جيش الاحتلال “جاهز لإدارة أزمة كورونا”، والنقاش حول دور وأنماط تدخّله يتسارع ويستعر، ويبدو أن استمرار ارتفاع معدلات إصابة “الإسرائيليّين” وتزايد تقيدات الطوارئ، يُحتّم على المسؤولين بحث تدخّل الجيش في الأزمة.

وتنقسم الآراء إزاء هذا المحور بين من يرى تدخّل الجيش لفرض أنظمة الطوارئ أمرًا حتميًا لا بديل عنه على المدى الطويل، وبين من يؤكد ضرورة الترويّ في الأمر، خاصة أن تجربة فك الارتباط عن غزّة ماثلة وحاضرة وتفرض نفسها في كلّ نقاش مماثل.

وشكّل تدخّل الجيش في فرض قرار فك الارتباط عن غزّة عام 2005، شرخًا كبيرًا في صلب العلاقة بين الجيش وبعض القطاعات الإسرائيليّة المتطرّفة و”المسيانيّة” تحديدًا.

من هنا تظهر أسئلة عديدة، وتعيد طرح ذاتها من جديد كلما طُرح سؤال تدخّل الجيش في إدارة العمل المدني أو فرض أنظمة الطوارئ، لا سيما على المدى الطويل.

للوقوف عند أبرز التحليلات الإسرائيلية في هذا الجانب، عمل فريق العسّاس على ترجمة مادة “تقدير موقف” طرحها المعهد الاسرائيلي لدراسات الأمن القومي، حول ملف

 “تداخل الجيش في أزمة كورونا”.

ترجمة العسّاس |

هناك مسارات عدّة، يمكن للجيش الإسرائيلي التدخّل من خلالها، للتعامل مع انتشار فيروس كورونا والتلاؤم مع ما يفرضه كل مسار، مع الأخذ بالاعتبار تدرج سلم أولويات الجيش، الذي يوجّه بدوره كل قرار سياسيّ لكيفيّة العمل في الحيّز المدني والمسارات بحسب اعتبارات عديدة.

قبل كلّ شيء، من المهم التأكّد أن الجيش قادر على الحفاظ على قدراته الأمنية وعلى بنيتها، والحفاظ على استمرارية عمل أجهزته الضرورية، إضافة لأهمية أخرى حول نسبة احتواء انتشار الفيروس في الجيش، كي يستطيع أداء واجباته الأمنية العُليا تحت كل وضع.

كما أن الجيش ملزم بتنفيذ مسؤولياته الأمنية المباشرة والخاصّة في الضفة الغربية وغزة، إلى جانب إدارة منظومة لمنع انتشار الفيروس في هذه الأماكن.

في الوقت ذاته، على الجيش المشاركة الفعّالة في الجهود الإسرائيلية للحدّ من حجم المخاطر الناجمة عن أزمة كورونا.

إضافة إلى ذلك، قد يُطالب الجيش بالموازنة بين هذه الجهود الثلاثة، ويمكن التقدير أن الجيش سيكون قادرًا على الصمود في هذه الظروف المتعددة، إذا جنّد قوّات الاحتياط، مع التخطيط الدقيق وبذل الجهود بحكمة، والاستعداد للانخراط في الجهود المدنية بسبب التطوّرات التالية:

على المدى القصير:

في الوقت الذي تدير الأنظمة المدنية الحدث بنفسها، قد تتغيّر الأمور بسرعة، وعلى الجيش الاستعداد للمساعدة في الجوانب اللوجستية والطبّيّة.

كما أن الجبهة الداخلية مرشحة لقيادة الجهود العسكرية لخبرتها في العمل المدني، إذ أنها تعمل حاليا على مساعدة طواقم الإسعاف في نجمة داود الحمراء، وإدارة فنادق الحجر الصحّيّ، وتقديم المعلومات للجهات الحكومية المختلفة، ومن المتوقّع أن ينخرط الجيش حسب الحاجة لمساعدة وزارة الصحّة والمستشفيات و”نجمة داود” وهيئات أخرى.

وسيطالب النظام الاستخباراتي في الجيش بالتعاون مع الشاباك بالتعامل مع “أعداء إسرائيل” الذين قد يحاولون استغلال الأوضاع الصحية المتردية، للقيام بخطوات تصعيدية عدائية أيًا كانت.

على المدى الطويل:

حال انتشار الفيروس على مدى أوسع، من المرجح أن يُطالب الجيش بتوسيع نشاطاته المدنية، الأمر الذي يستدعي تجنيدًا واسعًا لقوّات الاحتياط.

في إطار ذلك، سيساعد الجيش من خلال موارده في مجالات تشمل القيادة والسيطرة وإدارة الموارد اللوجستية والنقل والمواصلات والمرافق والفرق الطبية ومساعدة الشرطة عند الضرورة في الحفاظ على النظام العام وضمان تنفيذ الإغلاق الشامل المحتمل.

وعلى الجيش أن يكون حساسًا في طرق التنظيم التي لم يجربها منذ فكّ الارتباط في غزة عام 2005، وحذرًا لمنع الاحتكاك السلبي مع المدنيين.  

سيناريو الكارثة الجماعية:

عند الإعلان عن كارثة جماعية وحالة طوارئ خاصّة في الجبهة الداخليّة، يمكن للجيش أن يأخذ على عاتقه المسؤولية الإدارية والتنفيذية، جزئيًا على الأقلّ، عن مكونات واسعة النطاق في الحيّز المدنيّ المتأثر بشكل مباشر وغير مباشر من إسقاطات الفيروس، وهذا الأمر يعني عمليًا إدارة الاقتصاد المدنيّ بواسطة الجيش وفقًا لتوجيهات الحكومة.

جميع هذه السيناريوهات تلزم الجيش الإسرائيلي في إدارة الطوارئ على القبول بقيود معيّنة، وأهمها: تقديم المساعدة بأقصى المستطاع مقابل حدّ أدنى من المسؤولية المباشرة. وهذا يعني تجنّب اتخاذ قرارات في الوسائل والمجالات ونطاق المشاركة، وأن يترك القرار للرتبة السياسة. 

كما على الجيش أن يتوخى الحذر في التعامل مع المدنيين والنظر لحاجات المجتمعات المختلفة. وألا يتجاوز الحدود الأخلاقية والمسّ بالمدنيين.

وتتضمن هذه القيود تجنب الجيش لأعمال السيطرة الشرطية وتشغيل أجهزة المراقبة الخاصّة، والانصياع للحكم الديمقراطي والالتزام الخاضع للطبقة السياسية المدنية، كما يجب أن تكون عملية تدخّل الجيش متزامنة مع مفهوم وممارسة الطوارئ من قبل الحكومة، جنبًا إلى جنب مع إجراءات الدولة والمؤسسات المحلية.

بشكل عام، يستلزم تدخّل الجيش في ظرف العمل بنظام طوارئ عقب انتشار فيروس كورونا، التعامل بحذر وحساسية كبيرة، لا سيما في حال استشرى الوباء وازداد الضغط الاجتماعي وأدى لأعمال شغب عارمة، إذ أن سلوك الجيش تجاه المدنيين في وقت الكارثة يُعد بمثابة التحدي من الدرجة الأولى.

إضافة إلى ذلك، الجيش الإسرائيلي غير مهيأ ومدّرب لمثل هذه المهام، وسيُطلب من الجنود تغيير أنماط عملهم المألوفة مع الجمهور الإسرائيلي، وهذا التكيف صعب للغاية وينطوي على تغيير العقلية والإدراك، والانضباط الشديد وضبط النفس والمرونة في الأداء، وكل هذا يتطلب تخطيطًا دقيقًا وإعدادًا كثيفًا على مستوى الجيش الإسرائيلي.

المصدر:

* “معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي”: https://bit.ly/2Xd7kxt