مقدمة العساس | بتنا نشهد بالآونة الأخيرة هرولة عربية غير مسبوقة للتطبيع مع “إسرائيل”، وأضحت الصحف العربية وقاعات المؤتمرات منابر مفتوحة، لمن كان بالأمس عدواً، وأصبح اليوم صديقاً وحليفاً. وبذلك تضرب حركة التطبيع العربية بسنوات نضال الشعب الفلسطيني والشعوب العربية عرض الحائط، وتمارس ميكافيلية بغيضة بحجّة الوصول لحلّ لقضية فلسطين، ومبررة الموقف بمحاربة العدوّ الايراني المشترك. وعلى ما يبدو لن ينجو أحد.
يقدّم هذا التقرير ملخّص لمآلات التطبيع والمكاسب العربية المتخيّلة. التقرير نشر نهاية عام 2016 ضمن مجلة التحديث الاستراتيجي التي ينشرها مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي بشكل دوري.
ترجمة العساس | تتفاوت المصالح وتتحد المساعي نحو التطبيع بين “إسرائيل” ودول عربية مثل المملكة العربية السعودية، الإمارات، مصر والأردن، من خلال حلّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لتفتح باب التطبيع الواسع مع “إسرائيل”. وذلك من أجل التخلّص من العبء والالتزام التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، عبر مبادرة السلام المقترحة في القمة العربية 2002. وإضافة لذلك تسعى الدول العربية للعب دور حاسم في المفاوضات من أجل الحفاظ على سلطتها ومناعتها أمام الحركات الإسلامية التي تتنامى شعبيتها بسبب تأييدها ودعمها للقضية الفلسطينية، ولكي تحظى هذه الدول بدعم دولي.
تعتقد الأردن أن هذه الخطوة نحو التطبيع والسلام مع “إسرائيل” تساهم بأمن واستقرار المنطقة وبالوقوف ضدّ “الإرهاب”. فمع تسارع الأحداث واندلاع انتفاضة مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ستجد هذه الانتفاضات دعماً اصيلاً من حركات الإسلام السياسي، التي تسعى أيضاً للإطاحة بالأسرة المالكة.
من جهتها ترى مصر السيسي أنه في حال اندلاع مواجهات بين “إسرائيل” وغزة، سوف يتألب الرأي المصري العام ضدّ السيسي، ومن ناحية أخرى فإن أمن واستقرار منطقة الشرق، المتمثل بالسلام مع “إسرائيل”، سيزيد من نسبة السياحة في مصر وبالتالي سوف بتعافى الاقتصاد المصري.
أما في الجانب السعودي، فقد أوضح الجنرال السعودي، أنور عشقي، رئيس مركز الأبحاث الدبلوماسي بجدة، في زيارات متكررة لـ “إسرائيل”، إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يخلق أرضية خصبة لصعود إيران وحلفائها بالمنطقة كونهم داعمين للقضية الفلسطينية.
من الجدير بالذكر أن كل من مصر والسعودية تسعى للعب دور الوسيط بالمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليكون لها دور محوري وفاعل في الساحة السياسية العربية، وكذلك لتحسين صورتها ومكانتها عند الدول الغربية. فالسيسي، وريث السادات، يسعى لتحسين سمعة حكمه عالمياً، بل ويرى أن السعي بمبادرة السلام تلك سيحقق النمو الاقتصادي، عبر المساعدات الأمريكية ومنظمات عالمية أخرى.
يتبين من التصريحات العربية أنها ترى بمبادرة السلام العربية 2002، فرصة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والوصول لتسويات إقليمية جديدة، تمكن الدول العربية و “إسرائيل” من توحيد القوى والجهود الأمنية والاقتصادية. والجديد بهذا الخطاب هو السعيّ للتطبيع مع “إسرائيل”، حيث كانت التطبيع في مبادرة السلام العربية يهدف لتشجيع “إسرائيل” للدخول في عملية السلام. بينما الآن تبدو أن هناك نية عربية جادّة في رسم شرق أوسط جديد، فيه تعاون وعلاقات مشتركة بين “إسرائيل” والدول العربية. وعليه بات حلّ القضية الفلسطينية، أداة الحكومات العربية، لتثبت لشعوبها أن عدوّ الأمس هو حليف الغد. وعلى المستوى الاقتصادي ستمهد الطريق نحو إقامة منظمات ومؤسسات مشتركة للعمل في مجال الطاقة والمياه والزراعة والسياحة والتجارة.
مستقبل العلاقات بين إسرائيل والدولة العربية:
زعزعت الثورات العربية أركان العلاقة التطبيعية الإسرائيلية-العربية وتقدّم المفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن العلاقة مع “إسرائيل” قائمة على مصالح عسكرية واقتصادية متبادلة، ومصير هذه العلاقات هي أن تخرج للنور، والدول العربية تستعمل المفاوضات كورقة ضغط على “إسرائيل”، ولكن الفجوة العسكرية بين الدول العربية “وإسرائيل”، تلزم الدول العربية ببحث سبل جديدة للضغط وإقامة علاقات مع “إسرائيل”. يرى أكاديميون مصريون مثل طارق فهمي ضرورة تجديد السلام مع “إسرائيل”، من أجل نهضة مصرية وبنية اقتصادية وأمنية بدعم أمريكي.
أطلق الباحث دافيد فولوك، مصطلح التطبيع الجديد، يتحوّل فيه العدوّ الإسرائيلي لشريك فعليّ، رغم تزايد التنديد والمقاومة الشعبية للتطبيع، والشروط العربية تصعب على “إسرائيل” المضي باتجاه التطبيع مثل الاعتراف بفلسطين على حدود ال1967، ولكن بالمقابل هناك مكسب إسرائيلي واضح من التطبيع مع الدول العربيه، وهو بناء “شرق أوسط جديد” تكون فيه “إسرائيل” شريك ولاعب سياسي أساسي. تحدّث سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون في القاهرة، عن إقامة دولة فلسطينية بحدود 67 ، وبالتالي تحقيق سلام شامل مع “إسرائيل” واقامة سوق حرّ بينها وبين كل الدول العربية لتحصل نهضة كبيرة، على غرار نموذج الوحدة الاقتصادية بين الألمان وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، الذي انبثق عنه فيما بعد الاتحاد الأوروبي.
المصدر: مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي
http://www.inss.org.il/he/publication/הערכה-אסטרטגית-לישראל-2017-2016/