مقدمة العسّاس | الممر الآمن
يشير مصطلح “الممر الآمن” ممر بري يصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدأ تداول المصطلح بعد وروده في اتفاقية أوسلو التفاهمات التابعة لها، فما هو تاريخ هذا المصطلح؟ ولماذا لم يتم تطبيقه بشكل حقيقي؟
هذه المادة المترجمة عن مصادر إسرائيلية متنوعة تعريّف بمصلح “الممر الآمن” الذي نشأ بعد اتفاقية أوسلو وتعرض أهم أسباب فشله ومحاولات إعادة تطبيقه.
إعداد العسّاس | ما هو الممر الآمن؟
يوافق الخامس من أكتوبر، الذكرى الثانية والعشرين لتوقيع الحكومتين الإسرائيليّة والفلسطينيّة على بروتوكول الممر الآمن “همعفار هبطوّح”، الذي وقّعه كلّ من جميل الطريفي عن السلطة الفلسطينية، وشلومي بين عامي، عن الحكومة الإسرائيلية في مدينة القدس عام 1999. (1)
يتطرق البروتوكول إلى كل ما يتعلّق باستعمال الممرّ الآمن والترتيبات المتعلقة به للتنسيق بين الطرفين، فيقصد بالممر الآمن ممرّ يصل طوله لـ 47 كلم يوصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ويتيح للفلسطينيين من سكّان كلتا المنطقتين التنقّل بينهما ومنهما إلى “إسرائيل”.
ظهر اقتراحه ضمن اتفاقية أوسلو والاتفاقيات التابعة لها، ليكون “حلّ” وسط بين “إسرائيل” والسلطة الفلسطينيّة، لإتاحة التنقل للفلسطينيين، والمحافظة على أمن “إسرائيل” في ذات الوقت. (1)(2)
حتى الانتفاضة الأولى، تمكّن الفلسطينيّين من سكان الضفة الغربيّة وغزة من التنقل بينهما عبر المناطق الإسرائيليّة، وبعدها، في سنة 1988 سمحت لهم “إسرائيل” بدخول مناطقها بعد التقدّم بطلب إصدار تصريح دخول بإصدار من الجيش الإسرائيليّ. (2)
كما اشترطت “إسرائيل” في البروتوكول تأمين الممر الآمن للأشخاص والمركبات خلال ساعات النهار فقط (من شروق الشمس حتى غروبها)، وحدّدت الوقت الأقصى للسفر، ساعة ونصف قبل الغروب للركاب من مستخدمي السيارات الخاصة وسيارات الأجرة، وساعتين قبل الغروب لشاحنات البضائع والباصات.
بالإضافة إلى كون الممر الآمن يسمح فقط باستعمالهم للطريق، ولا يصرّح للفلسطينيين التواجد أو البقاء في مناطق إسرائيلية سوى المناطق المخصّصة للمرور. (1)
يكون الممرّ بواسطة الحواجز التالية: حاجز إيرز للأشخاص والمركبات فقط، وحاجز “كارني” للبضائع فقط، وحاجز “ترقوميا” للأشخاص والبضائع، وحاجز “مفو حورون”. ولا تعمل هذه الجهات في يوم الغفران، ويوم الاستقلال الإسرائيليّ. (1)
بإمكان “إسرائيل” أن توقف حركة المرور لأسباب أمنية، وتغلق الحواجز بشكل مؤقت وللوقت الذي تحدّده، وعلى السلطة الفلسطينيّة تعويض “إسرائيل” مقابل كل ضرر يتسبّب فيه مستخدمي الطريق لـ “إسرائيل” أو “مواطنيها” أو ممتلكاتها، وفقا للشروط التي تحدّد في اللجنة الماليّة المشتركة بين الطرفين.
ويشترط على مستخدمي الطريق، التزوّد ببطاقة مرور سارية المفعول (تصدر بواسطة وزارة الارتباط المدنيّ الإسرائيليّة) وبطاقة تعريف عن الهوية عند الوصول لأرصفة الحواجز، ويسري الأمر على الجميع ما عدا أفراد الشرطة الفلسطينية والأطفال دون سن الرابعة عشر.
أما الرجال والنساء البالغين سن الخمسين وأكثر، تصدر بطاقاتهم من جهة فلسطينيّة. (1)
وبعد توقيع البروتوكول، وقبل البدء باستعمال الممرّ بشكل رسميّ، اختلف طرفيّ الاتفاقية حول سيادة “إسرائيل” على الممرّ، في حين أنّ “إسرائيل” تصرّ على حقها في التفتيش الأمنيّ لمستخدمي الممرّ وتوقيف المشتبهين منهم.
بينما ترى السلطة الفلسطينية أنّ على الممرّ أن يكون خارج مجال السيادة الإسرائيلية، وأنّ فرض سيادتها سوف يجعل من الممرّ فخّا للمطلوبين والمشتبهين، الأمر الذي رفضه رئيس الحكومة في ذلك الوقت إيهود باراك، معلّقا: “السيادة الإسرائيليّة على الممرّ الآمن غير قابلة للنقاش، ولا نحتاج إلى اتفاقيات أو موافقات دوليّة لتطبيقها”.
كما ووضّح أنّ “إسرائيل” لن تتنازل عن أمرين: السيادة والأمن، والأمرين غير قابلان للتفاوض. (3)
اقرأ أيضًا.. عودة المفاوضات: مطالب سرية وغزة غائبة!
دفع هذا النقاش العديد من المنظمات والجمعيات الإسرائيلية بالتظاهر احتجاجًا على الممر وفتحه، وخوفًا من دخول منفذي عمليات وأسلحة لقلب “إسرائيل” عن طريق تنقلهم بين المناطق الفلسطينية والسماح لهم بالمرور دون إحالة إجراءات التفتيش الأمنيّ اللازمة، والتابعة للسيادة الإسرائيلية الكاملة.
مع ذلك، تم تشغيل الممرّ بشكل جزئيّ من حاجز “إيرز” وعلى امتداد شارع رقم 4، حتى مفرق عسقلان، ومن هناك على طول شارع رقم 35 حتى ترقوميا، وجميعه في منطقة نفوذ وسيطرة إسرائيليّة. (3)
أتاحت “إسرائيل” تنقل الفلسطينيين عبر الممرّ لمدة سنة بعد فتحه في 26 أكتوبر 1999، وأغلقت الممرّ عند اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000.
ويعود ذلك للقلق من وصول المواجهات للبلدات اليهوديّة، خاصة التي يمرّ منها الممرّ، وبالرغم من حراسة شرطة الحدود للممرّ طوال فترة عمله، ومن أنّه لم تحدث أي تهديدات أمنية بسببه حتى في الأيام التي تطورت فيها أحداث الانتفاضة في الضفة الغربيّة. (4)
وعاد الحديث عن الممرّ في مناسبات عديدة فيما بعد، واقتراحات جديدة تتعلّق به؛ كحفر الأنفاق وشق شارع علوي فوق أعمدة، ويشمل سكة حديد وأنبوب مياه وخط اتصال، وبعدها تم اقتراح تمريره كاملًا داخل نفق.
كما اقترح شارون تحويل الممر لسكة حديد تصل بين حاجز “إيرز” شمال قطاع غزة وبين طولكرم في المركز. (5)
إضافة إلى ذلك، موّل البنك الدوليّ بحث من الحكومة الأمريكية، سنة 2005، لفكرة إنشاء جسر يصل بين غزة والضفة الغربية، ويتصل الجزءان تحت سيطرة السلطة الفلسطينية.
وفي 2012 عرض المهندس اليهوديّ الفرنسيّ، مارك ميمرم، خطة إقامة جسر متعدد المسالك بطول 37 كلم، ويصل بشكل فعلي بين منطقتي السلطة الفلسطينيةـ ويشمل سكة حديد وشارع ذو اتجاهين وأنبوب لنقل المياه العذبة وأنبوب لنقل المياه المالحة من البحر الأبيض المتوسط للبحر الميّت. (6)
ضمن صفقة القرن عام 2019، عاد الحديث عن المرر وعن إنشاء شارع وسكة قطار، وفي اقتراح الرئيس الأمريكيّ السابق، دونالد ترامب، لإيصال الضفة الغربية بقطاع غزة للتنقل ونقل البضائع بين المنطقتين، بميزانية تقدّر أكثر من مليار دولار. (7)
ولكن منذ إغلاق “إسرائيل” للممرّ أوّل مرة بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، تقيد “إسرائيل” تنقّل الفلسطينيّين من سكّان غزة والضفة الغربيّة، حتى داخل مناطقهم المعرّفة كمناطق فلسطينية برئاسة السلطة الفلسطينية، التي يحقّ لهم، بحسب اتفاقية أوسلو، التواجد فيها كلّها. كما أنّها تفرض إغلاقات تامّة ولا تسمح لهم بالخروج من تلك المناطق. (8)
جعلت “إسرائيل” لعنوان السكن المسجّل للفلسطينيين دورًا هامًا في تحديد حرّيتهم في التنقل، وبعد تزويد السلطة الفلسطينية لها بمعلومات السجل المدني وتحديثه، وفق اتفاقية أوسلو، التي لم تتطرّق في أحد بنودها لأمر تغيير مكان الإقامة (العنوان) بين غزة والضفة الغربية، إلا أنّ “إسرائيل” قررت تجميد تحديث العناوين بحسب السجلات التي بيديها، كجزء من خطتها في الفصل التامّ بين المنطقتين، ومنع إمكانية تغييره، تعديله أو حتى استئنافه.
الأمر الذي خلق فجوة بين نسخة السجلّ التي تحملها “إسرائيل” والنسخة الأصلية للسلطة الفلسطينية، لتبدأ الأولى بإيقاف الفلسطينيين سكّان الضفة الغربية والمسجلين كسكّان غزة، والعكس لكونهم “ماكثين غير شرعيين”، وفقط باعتبار المسجّل في يدها دون علاقة لمكان السكن الفعليّ.
وتحرم “إسرائيل” حتى هذا اليوم الفلسطينيين من التنقل، وتحدّد حركتهم، وبرغم من بعض الاستثناءات التي وضعتها لتسمح بالتنقل بين غزة والضفة الغربية، فهي تضع أمنها على رأس سلّم أولويّاتها. (8)
المصادر:
(1) “الكنيست”: https://bit.ly/3oDEB2w
(2) “جلوبس”: https://bit.ly/3iD6T9I
(3) “جلوبس”: https://bit.ly/3iCYeUx
(4) “واينت”: https://bit.ly/3DgrLLF
(5) “هآرتس”: https://bit.ly/3msFmJg
(6) “هآرتس”: https://bit.ly/3AeJ0Lp
(7) “هآرتس”: https://bit.ly/3Fj2m69
(8) “هموكيد”: https://bit.ly/3lih1GK
View this post on Instagram