تعتبر عملية سوزانا (سميت على اسم واحدة من أفراد المجموعة) واحدة من أكبر الفضائح في تاريخ المخابرات الإسرائيلية، إذ تمكنت السلطات المصرية من كشف الخلية المكونة من 13 عميلًا، واعتقال معظم أعضائها ومحاكمتهم، من خلال تتبعهم وكشف أحد أفرادها. تمكن فردان منهم فقط من الهروب، أحدهما كان إيلي كوهين. وسميت بفضيحة لافون نسبة لوزير الأمن الإسرائيلي في حينه بنحاس لافون.
في هذه المادة نرصد المآلات السياسية لـ عملية سوزانا والهزّة التي أحدثتها في السياسة الاسرائيلية، فضلا عن تتبّع تصريحات وأحاديث آخر أفرادها المتبقّين في الحياة وهما مارسيل نينيو (توفّت قبل عام تقريبا)، وروبيرت داسا (لا يزال على قيد الحياة) حول “خيبة أملهم” من السلوك الرسمي الاسرائيلي معهم.
كما بعد كل عملية فاشلة، حاول كل من رؤساء الأجهزة المختلفة، السياسية والعسكرية والاستخباراتية، إلقاء اللوم على الآخر واتهامه بإعطاء أمر تنفيذ عملية سوزانا.
وكما ذكر أعلاه، لم يعلم رئيس الحكومة، موشيه شاريت، عن العملية إلا في وقت لاحق، كذلك لم يعلم رئيس الموساد، إيسار هريئيل، الذي من المفروض أن تتم إحاطته بكل تحركات الوحدة 131، أي شيء عن عملية سوزانا .
لهذا انحصرت الاتهامات بين وزير الأمن، بنحاس لافون، وبين رئيس جهاز “أمان”، بنيامين جيبلي، كذلك بمدى تورط قائد أركان الجيش، موشيه دايان، في الفضيحة.
أنكر لافون إصداره الأمر في حين أصر جيبلي وبن تسور على قول ذلك، ووصلت الأمور حد اتهامهم بتزوير مستندات لإثبات إصدار لافون أمر تنفيذ العملية. (1)
بعد 62 عامًا من الفضيحة، كشفت مستندات سرية من أرشيف الجيش، كان أحدها رسالة رسمية مؤرخة في حزيران 1958، يسأل فيها قائد أركان الجيش، حييم لسكوف، وزير الأمن حول إمكانية ترقية العميد جيبلي (رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية- أمان)، إلى رتبة لواء، وفي الرسالة ذكر اللقاء الذي جمعه مع جيبلي في حين لا زالت آثار الفضيحة تخيم عليه.
وكتب قائد الأركان أن “للعميد جيلي سمعة سيء في الجيش، وفي حال لم يتم تطهير اسمه بالحقائق والعمل الجاد، سيبقى الأمر عائقًا أمام ترقيته لرتبة لواء.
التحقيق في الفضيحة مستمر ولا يمكنني التوصية على ترقيته لرتبة أعلى حتى يتم إثبات نظافة يده من كل التهم المنسوبة له”.
أمّا في عام 1960، طلب جيبلي من قائد الأركان تعيين لجنة تحقيق خارجية في الفضيحة لتطهير اسمه وتلميع سمعته، وأصر على أنه تلقى أمر تفعيل الشبكة والقيام بالعملية من لافون.
وكتب في رسالته “لا أرى طريقة أخرى يمكن من خلالها تطهير اسمي كضابط في الجيش وكإنسان”.
ثم في كانون الثاني عام 1961، كرر جيبلي طلبه معللًا أن عدم معرفة من أصدر الأمر يبقى على سمعته السيئة في الجيش.
ويمكن تطهير اسمه في حال معرفة جواب سؤال من أصدر الأمر، وقرر الاستقالة من الجيش حتى البت في القضية، وأنه سيواصل معركة تطهير اسمه كمدني وليس كضابط في الجيش. (2)
في 23 تموز 1954، وعلى درجات سينما “ريو” في الإسكندرية تحول “العمل المخزي” من عملية سرية تشمل تجنيد 8 شبان يهود من القاهرة والإسكندرية من أجل التجسس، إلى فضيحة وتعقيدات واعتقالات ومحاكمة كانت لها سلسلة من العواقب والإسقاطات منها: استقالة وزير الأمن لافون والإطاحة برئيس جهاز “أمان”، جيبلي، ولاحقًا عودة دافيد بن غوريون من الصحراء وتقاعد شاريت، وإسقاطات سياسية أخرى سببتها ما بات يسمّى “فضيحة لافون”.
اقرأ أيضًا.. الجوسسة الإسرائيلية: روايات تحت المجهر
ورغم عدم اعترافه علنًا بذلك، أشارت شهادات عدد من المصادر إلى أن جيبلي قال حرفيًا إن “دايان من أصدر الأمر”، ومن بينهم كانت شهادتين مهمتين من شخصين عملا على كتابة سيرته الذاتية، الصحافي أرييه كريشك والمحقق بوعاز أفلباوم، إذ تم تعليق الكتابين خلال مرحلة متقدمة من كتابتهما على يد جيبلي وزوجته.
ويشهد الكاتبان أن جيبلي قال لهم: إن “دايان علم بـ عملية سوزانا ولم يُحِط وزير الأمن بها، وأنه قال “لن أسامح موشيه (دايان) على توريطي، كان هو من أعطى الأمر والتزمت أنا الصمت طوال هذه السنوات، لكنه غرز سكينًا في ظهري”.
وحتى اليوم، لم يعرف من الذي أصدر الأمر حقيقة.
خلال مقابلة عام 2016، قال روبرت داسا، آخر أعضاء الشبكة الذين بقوا على قيد الحياة: “لا أحمل أي ضغائن اتجاه الدولة، بل أحملها لأولئك الذين تنصلوا من المسؤولية وخذلونا وتخلوا عنا في السجن” وأحدهم موشيه دايان.
وقال داسا إنه في اللقاء الأول الذي جمع المحررين من القاهرة عام 1968 مع وزير الأمن موشيه دايان “قائد أركان الجيش في زمن الفضيحة” فور وصولهم إسرائيل بعد 14 عامًا في السجن، قال لهم الأخير “تنازلت عنكم تقريبًا لأني أردت التخلص من الأسرى العرب، اقترب الشتاء وإبقائهم في الأسر مكلف”.
وأضاف أنهم لم يردوا على هذه الأقوال لأنهم لم يتجاوزوا صدمة إطلاق سراحهم، وجاء هذا اللقاء بعد أن قال لهم بن غوريون خلال لقائهم معه في سديه بوكير بالنقب: إن “أحدهم بلغ عنكم، باعوكم”، ولم يسأل أعضاء الشبكة المزيد من الأسئلة ولم يضف بن غوريون أي تفاصيل.
اقرأ أيضًا.. رأفت الهجان : فرقعة لفقاعة الشاباك
وفي لقاء أعضاء “العمل المخزي” مع جيبلي قال لهم إن “لافون أصدر الأمر”، كما يصف داسا اللقاء الذي جرى مطلع سنوات السبعين بعد أن بادرت زوجته لعقد هذا اللقاء في يوم الاستقلال مع مائير عاميت “رئيس الموساد سابقًا” وحتى ذلك الوقت لم يشارك جيبلي في أي من اللقاءات الأمنية التي عقدت مع أفراد الشبكة ومن المرجح أنه تم استبعاده.
وحضر قسم من أعضاء الشبكة اللقاء الذي تم في شقة داسا، وقال الأخير إن “خيبة الأمل كانت طاغية على اللقاء لأن جيبلي أراد سماع رواياتهم عن تجربة السجن وظروف الاعتقال وتهرب من كل أسئلتهم”، مضيفًا “أنا لست العنوان الصحيح، أنا ضحية أيضًا”.
مارسيل نينيو، توفّيت قبل عام تقريبا، كانت الفتاة الوحيدة في الشبكة، ولم تتحدث كثيرًا عن الفضيحة وآثارها، لكنها أكدت وكررت خلال المقابلات القليلة التي أجرتها جملة مهمة “تخلوا عنا”.
ومنذ عام 1954، أقيمت 7 لجان فحص وتحقيق، ونشرت عشرات التحليلات والأبحاث والتحقيقات والكتب حول الفضيحة، لكن الحقيقة لم تظهر حتى اليوم.
ومن الجزئيات الإشكالية في الرواية الرسمية للفضيحة كانت جزئية أفري إلعاد، الضابط المسؤول عن العملية، الذي سمي بـ “الرجل الثالث”، إذ يروي الجنرال إيزي راهاف، الذي شغل أرفع المناصب في الوحدة 131 وشغل منصب قائد السرية 13 ونائب قائد سلاح البحرية، والمشرح حينها لتولي مسؤولية شبكة التجسس في مصر قبل إلعاد، أن “أفري إلعاد لم يخون، أنا أعلم ذلك، لم يخون”.
وبالمقابل قال داسا إن “السلطات المصرية اعتقلت كل من يعرف أفري إلعاد، عرفوا عنا كل شيء”.
بعد 61 عامًا من، لا يزال داسا يذكر تلك الأيام، ويحمل غضبًا على المؤسسة الأمنية، ويقول الذي كان في حينه في قد جاوز عمره الـ 18 ربيعًا: إن “المسؤولين في “إسرائيل” انشغلوا بمعرفة من الذي أعطى الأمر، لكن السؤال الأهم هو أي أمر قد أعطي؟ دربونا على التجسس وجمع المعلومات وليس على تنفيذ عمليات تفجيرية”.
وأظهر داسا وزملاؤه غضبًا شديدًا على المؤسسة بسبب التنصل من المسؤولية وخاصة على الثمن الكبير الذي دفعوه ومعاناة عائلاتهم، خاصة أنهم عندما وصلوا “إسرائيل” لم يلقوا أي اهتمام أو رعاية، رغم وجود أبنائهم وإخوانهم في السجن. (3)
المصادر:
(1) “مركز تراث المخابرات”: https://bit.ly/39N6wnf
(2) “يسرائيل هيوم”: https://bit.ly/3hW6WdL
(3) “معاريف”: https://bit.ly/2XcKcyr
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…