مقدمة العسّاس | الشيخ جراح
يُواجه حي الشيخ جراح في القدس المحتلة معركة تهويده بعدما أضحى على شفا حفرة من الزوال والاستيطان بفعل السياسة الإسرائيلية الرامية لتفريغه من سكانه الفلسطينيين وطمس معالمه العربية الإسلامية لصالح مستوطنين يدعون ملكيتهم لأرضه الممتدة ضمن مساحة 808 دونمًا.
هذه المادة توضح أهمية ومزايا حي الشيخ جرّاح الكبيرة في القدس، وتكشف أسباب الرغبة الإسرائيلية الملحة في تهويده والسيطرة عليه.
إعداد العسّاس |
“هذا جزء من تحرّك مُنظّم ومنهجي من قبل المستوطنين بمساعدة جهات حكوميّة رسميّة، مُصمّم حَرفيًا لطرد مجتمع كامل من سكان شرقي القدس، وإقامة مستوطنات مكانهم. ومنذ هدم وطرد سكان حيّ المغاربة في البلدة القديمة بعد الاحتلال عام 1967، تتعرّض عشرات العائلات لخطر الإخلاء بواسطة إجراءات قانونيّة مُرهِقة، كما يستغل فيها المستوطنون والجهات الحكوميّة قانونًا تمييزيًا يسمح لليهود العودة لممتلكات من قبل عام 1948، ويحظر ذلك على الفلسطينيين. بهذه الطريقة، يسعى المستوطنون إلى إنشاء منطقة عازلة داخل الحي الفلسطيني ويصعبون إمكانيّة إيجاد حلول أو تسويات مُستقبليّة”. (1)
هكذا وبصريح العبارة، لخّصت مؤسسة “شلوم عخشاف” (السلام الآن) الفاعلة في “إسرائيل” ما يحصل في حيّ الشيخ جرّاح بعد قرار المحكمة الإسرائيليّة في تاريخ 8 أكتوبر تشرين أول 2020، إخلاء أربع عائلات من الحيّ وإحلال مجموعة من المستوطنين مكانهم وفق القرار المُرفق أدناه، وهو جزء من مجموعة قرارات تصدر تباعًا وتأمر بإخلاء تدريجي لسكان الحيّ. (2)
يقع حي الشيخ جراح شمال مدينة القدس على طريق نابلس، ويرتفع 706 أمتار عن سطح البحر، وتعد نواة الحيّ هي مسجد أُقيم على شرف طبيب القائد صلاح الدين الأيوبيّ، الطبيب حسام الدين حسين بن عيسى الجرّاحي، ومن هنا جاء اسم الحيّ.
المسجد والصرح تمّ بناؤهم عام 1894، أمّا المبنى الأساسي فهو قائم قبل ذلك، إلى جانب المسجد أقامت عائلات كثير بيوتها ومنها عائلة الحسيني والنشاشيبي، ويظهر ذلك على خرائط تعود لأربعينيات القرن الماضي (تُقرّ بوجودها بلديّة الاحتلال، وهذا التعريف للحي مُقتبس من الموقع الرسمي للبلديّة).
وعدد سكان الحيّ حاليًا يربو عن 15 ألفَ مقدسيّ يقطنون ما يُقارب 2134 منزلًا أكثر من نصفها لا تزيد مساحته عن الـ 80 مترًا. (3)
تجنيد رموز التراث والقداسة
في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تستخدم الحركة الصهيونيّة الأماكن المُقدّسة رمزًا هوياتيًا للتجنيد والتحريض الداخلي والخارجي ولإيجاد دافع لأبناء ذات الديانة يدفعهم للمحاربة من أجله، وأيضًا لتمكين الاستيطان.
وأحد هذه النماذج هو الصراع الذي بدأ في حيّ الشيخ جرّاح بين الأعوام 1999-2008 حول إحدى المُغُر في المنطقة، إذ يُطلِق عليها المستوطنون مغارة “الرمبان”.
في عام 1999، ومع بداية الاستيطان اليهودي، قاد عضو الكنيست “بني ألون” نشاطًا هدفه السيطرة على المساحة التي تُحيط المنطقة.
وتعود هذه الأملاك لعائلة فلسطينيّة تُديرها منذ زمن طويل كجزء من تقليد عائلي، وتُدعى وقف “أبو جبنة”، حيث بدأت المجموعات الاستيطانية بالقيام بصلواتها في المكان بعد احتلال القدس عام 1967، مما حديَ بالعائلة الفلسطينيّة بناء سور حولها بدءًا من العام 2000.
توجّهت المجموعات الاستيطانيّة للمحكمة بطلب للاعتراف بالمنطقة منطقةً دينيّةً لليهود، وأعلن وزير الديانات في حينه، يتسحاك كوهي،” أنّ المغارة هي منطقة دينيّة لليهود حسب القانون الإسرائيلي، وتوجّهت على أثر هذا الإعلان العائلة الفلسطينيّة للمحكمة الإسرائيليّة، وقرر وزير القضاء الإسرائيلي، يوسي بيلين، تعيين لجنة لتقصي الموضوع، وقامت اللجنة بدورها بإعلان المغارة منطقة دينية لليهود “بدرجة مُنخفضة”.
بعد هذا القرار قام مستشار القانون العبري في الوزارة بإصدار مُذكرة تُلغي القرار وتُقرّ بمُلكية العائلة الفلسطينيّة للوقف لأنّ لا سند تاريخي حقيقي يُثبت أحقيّة القرار. (4)
هذه القضيّة هي مثال على الرابط القوي بين الممارسات السياسيّة الساعية لإخلاء المكان لـ “جغرافيا القداسة” وفق الاصطلاح الإسرائيلي، أي الدافع لخلق معنى ديني للمنطقة المُراد السيطرة عليها. كما أن تقديس المغارة كان فقط في سبيل تسهيل عملية الاستيلاء عليها من أجل الاستيطان وهكذا يُطوَّع المُقدّس في سبيل السياسيّ.
إقرأ أيضًا.. الشيخ جرّاح: تاريخ من محاولات الاستيطان
البُعد الجيو-سياسي للحيّ
يُشير تقرير أعدّه المركز الإسرائيلي “القُدس لبحث إسرائيل”، أنّ لحيّ الشيخ جرّاح أهميّة جيو-سياسيّة بالغة، محلّيًّا ودُوليًا، إذ يقع الحيّ بجانب وادي النّار ومنها يمرّ الطريق للبلدة القديمة شمالًا وأيضًا لجبل المشارف، كما يصل الحيّ بين الأحياء العربيّة في مركز المدينة وجنوبها مع الأحياء العربيّة شمالها.
إضافة إلى ذلك، يوجد في الحي وبجواره عدد من القنصليّات والمُمثّليّات منها: البريطانيّة والتركيّة والبلغاريّة والإسبانية والفرنسيّة والإيطاليّة والسويسريّة، كما مكاتب تابعة للأمم المُتّحدة مثل مكاتب الشؤون الإنسانيّة (OCHA) ومكاتب منظمة الصحة العالميّة (WHO) وممثليّة الاتحاد الأوروبي ومكاتب الصليب الأحمر وسواها من المباني المُهمّة.
ونجد في الحي مؤسسات تربويّة فلسطينيّة مثل كُليّة البنات “هند الحُسيني” التابعة لجامعة القدس، والمركز التربوي على اسم إسعاف النشاشيبي، ودار الطفل العربي، وعدد من المدارس كما المسرح الفلسطيني “الحكواتي”، هذا عدا عن الفندق المشهور “أميركان كولوني” الذي يقبع في قلب الحيّ ويُجاور مسجد الشيخ جراح .
بعد عام 1967، أُقيم إلى جانب الحيّ مؤسسات إسرائيليّة مثل المقر المركزي لشرطة الاحتلال، وبعض المكاتب الحكوميّة، وعلى الأرض التي كان يملكها المُفتي بُنيت مدرسة ثانوية للبنات تُدعى “المأمونيّة” إلّا أنّها لم تُفتتح أبدًا، ونُقلت مُلكية المبنى لوزارة الداخليّة الإسرائيليّة. (5)
إخلاء السكان الفلسطينيين من الحيّ
عام 1998، دخلت مجموعة من المستوطنين المتدينين وعلى رأسهم عضو الكنيست في حينه، بيني ألون، لأحد المباني في الشيخ جرّاح، رمموا المبنى ورفعوا عليه علم “إسرائيل” وأعلام حركة “موليديت” اليمينيّة، وبدأوا بإقامة شعائرهم الدينيّة فيه.
مع مرور الزمن دخلوا لمباني أخرى عن طريق التسلّط والقوّة وفق التصريحات الفلسطينيّة، وكانت هذه الخطوة الأولى لبداية الاستيطان اليهودي في الحيّ، هذا ونشطت الجمعيّات في هذا السبيل بطرائق شتّى، وفق الصحفي والباحث، ناداف شرجاي، فقد قام سياسيّون رسميّون بدعم هذا المسار من وراء الكواليس. ولاحقًا قامت وزارة الإسكان بتمويل شركة حراسة لحراسة الاستيطان اليهودي في المنطقة بتكلفة سنويّة تُقدّر بـ 400 ألف شيكل.
لاحقًا عام 1999، وعلى أثر مسارات قضائيّة ضدّ عائلة “الكُرد”، بدعوى أنّها قامت بعمليات ترميم غير قانونيّة، قررت المحكمة إخلاء العائلة من القسم الذي تمّ ترميمه، وإغلاقه نهائيًا، ثم دخل للمبنى مستوطنون يهود.
في شهر نوفمبر تشرين الأوّل 2008، وبعد أن انتهت المسارات القضائيّة لصالح المستوطنين، أُخليت كلّ من عائلة فوزيّة وعائلة الكُرد بالقوّة من بيوتهم.
هذا وقد كان محمد الكرد مريضًا ومُقعدًا، وقد توفي على أثر القرار جراء أزمة قلبيّة حادّة ألمّت بهِ، كما تمرّ العديد من العائلات بذات الإجراءات بشكل دوري ودائم. (6)
المصادر:
(1) “السلام الآن”: https://bit.ly/2RxcRhu
(2) “السلام الآن”: https://bit.ly/3h5UeMs
(3) “بلدية الاحتلال”: https://bit.ly/2R2357l
(4) (5) (6) “معهد القدس”: https://bit.ly/33mHFEA
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…