مقدّمة العسّاس | الكارثة اللبنانية | قبل أفول الدخان الذي ملأ العاصمة اللبنانية بيروت بعد الانفجار الكارثي في المرفأ، الذي خلف أكثر من 150 ضحية وآلاف الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض حتى اللحظة، سارعت “إسرائيل” رسميًا إلى استغلال الكارثة لتصوير نفسها بصورة الجار الإنساني الذي يهتم بحياة الناس وصحتهم وسلامتهم، مخبئة الوجه الحقيقي الذي أظهرته للبنان طوال عقود، وتتحين الفرصة لضربه في كل مفصل وتستغل لذلك كل مناسبة، حتى لو كانت كارثة.
هذه المادة تتحدث عن الاستغلال الإسرائيلي لكارثة انفجار بيروت، سواء بتروج دعايتها، أو من خلال مكاسب أمنية واستراتيجية.
إعداد العسّاس |
بعد الانفجار بوقت قصير، أعلنت “إسرائيل” رسميًا، على لسان وزيري الأمن والخارجية، استعدادها لتقديم مساعدات ومواد طبية وإغاثية للبنان، واستقبال مصابين ممن يحملون جنسية أجنبية في مستشفياتها في المنطقة الشمالية القريبة من الحدود الجنوبية اللبنانية، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (كان) عن مسؤولين رفيعين أن “إسرائيل” ستمنح أجهزة طبية بوساطة الأمم المتحدة، بعد أن توجهها بطلب لمساعدة لبنان.
وقالت الهيئة كذلك إن “إسرائيل” توجهت لمسؤولين فرنسيين وقبرصيين من أجل نقل معدات وأجهزة طبية خاصة للبنان من خلالهم.
وذكرت أن “إسرائيل” تنوي إبقاء كتابات باللغة العبرية على هذه الأجهزة والمواد بهدف أن يعرف اللبنانيون مصدر المساعدات، في حين نقلت عن مسؤول في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام (يونيفيل) أن العرض الإسرائيلي وصل إلى الحكومة اللبنانية، لكنها لم تعطِ أي رد حتى الآن. (1)
قال المراسل العسكري لقناة 12 الإسرائيلية إن هناك احتمالان لما سيؤول إليه لبنان بعد الكارثة، أحدهما يشكل فرصة لـ “إسرائيل” والأخر سيشكل تحديًا خطرًا لها، ومن الصعب ترجيح أحدهما على الآخر.
في حين تمكن الفرصة بمنع الكارثة التي جبت ثمنًا باهظًا من اللبنانيين ومنعت حزب الله من تحقيق تهديداته باستهداف “إسرائيل” بضربة انتقامية كي لا يُخاطر بالدخول في مواجهة عسكرية في هذه الظروف، بينما يعتبر التحدي هو الخطر بزعزعة الانفجار في الدولة اللبنانية المتزعزعة أساسًا، وأن ينفجر عدم الاستقرار في بلاد الأرز في وجه “إسرائيل” وعلى حدودها، سواء من خلال حزب الله الذي يسعى إلى دفع الاتهامات عنه أو بسبب الأعداد الكبيرة من المواطنين اللبنانيين الذي قد يصلون إلى الحدود الإسرائيلية ويطلبون المساعدة. (4)
ذكر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة هآرتس، عاموس هريئيل، أنه في الساعات الأولى بعد انفجار مرفأ بيروت،
عملت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على تصور صورة استخباراتية أولية عن الوضع هناك، إذ أن الكارثة التي أصابت
لبنان فاجأت جارتها الجنوبية بنفس القدر.
ومن المرجح أن تؤثر إسقاطات الانفجار، ليس على علاقات القوة الداخلية في لبنان فقط، بل على التوتر بين
“إسرائيل” وحزب الله.
خلال السنوات الأخيرة، أدارت “إسرائيل” حملة دولية ضد تواجد حزب الله في المراكز المدنية، في بيروت وجنوب
لبنان وعلى الحدود السورية لتحقيق هدفين أساسيين: إخلاء حزب الله مراكزه العسكرية المحاطة بالمدنيين، ومن أجل
تحضير الرأي العام العالمي لاحتمال إصابة الكثير من المدنيين، بشكل غير مقصود، في حال اندلاع حرب لبنان
الثالثة.
اقرأ أيضًا.. جنود “جيش لبنان الجنوبي في إسرائيل”
والسؤال الذي يثير قلق “إسرائيل” حاليًا هو: “ماذا سيفعل حزب الله بعد أن توعد بالانتقام لقتلاه في قصف مطار
دمشق في الـ 27 من تموز الماضي؟ بات الأمر محيرًا بعد انفجار بيروت، وبات من الصعب التصديق أن حزب الله
سيخاطر بمواجهة عسكرية جديدة مع “إسرائيل” في الوقت الذي يحصي فيه لبنان أكثر من 150 قتيل 6000 جريح
وعدد غير معروف من المفقودين تحت الأنقاض”.
كما يعلم أمين عام حزب الله جيدًا أنه من الصعب تبرير انزلاق نحو مواجهة عسكرية انتقامية في مثل هذه الظروف،
ويدرك الجيش الإسرائيلي هذا الأمر أيضًا، وفي “حال سمعنا عن خفض الاستعدادات والتعزيزات على الحدود
الشمالية، سيكون هذا هو السبب”. (6)
في خطوة غير مسبوقة، أثارت عاصفة نقاشات وانتقادات حادة في “إسرائيل”، أضاءت بلدية تل أبيب واجهتها بعلم
لبنان، كبادرة تضامن مع ضحايا انفجار مرفأ بيروت، وما زاد حدة الانتقادات كان تصريح رئيس بلدية تل أبيب، رون
خولدائي، الذي قال فيه إن “الإنسانية قبل أي خلاف، قلوبنا مع الشعب اللبناني”.
وكان أول من انتقد هذه الخطوة يائير نتنياهو، نجل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي سارع لكشف وجه
“إسرائيل” الحقيقي قائلًا “هذا شأن جلل، لبنان هي دولة عدو بصورة رسمية، بحسب القانون، رفع علم العدو مخالفة
جنائية”.
ومن بعده جاء الصحافي شمعون ريكلين، المقرب من نتنياهو الأب وحكومته، قائلًا إن “خولدائي ينوي رفع علم لبنان
على بلدية تل أبيب لأن الإنسانية قبل أي خلاف، المسيحية تقضي بأن أحبوا أعداءكم، اليهودية لا، وفي حال ظننتم أنه
مجرد تضامن غير ضار فأنتم مخطئون، لأنه في الوقت الذي تسبق في الإنسانية أي خلاف سنخاطر بجنودنا من أجل
عدم المس بالعدو، وهذه رؤية غير أخلاقية”. (2)
بينما صرح وزير الأمن والخارجية السابق وعضو الكنيست الحالي، أفيغدور ليبرمان، أنه “في الفترة الأخيرة انفصام
شخصية لدى بعض منتخبي الجمهور والنشطاء السياسيين، عندما يقرر رئيس بلدية تل أبيب إضاءة مبنى البلدية بالعلم
اللبناني فهذا فعل خيانة، من الواضح أن السياسيين والمحسوبين عليهم نسوا جنود جيش جنوب لبنان (يقصد جيش لحد) الذين حاربوا مع جنود الجيش الإسرائيلي، الشعب اللبناني ليس عدوًا، بل حزب الله الذي سيطر على البلاد هو العدو”. (3)
بدوره، كتب الصحافي جدعون ليفي في صحيفة هآرتس ساخرًا: “صحيح أن سلاح الجو الإسرائيلي يخرق السيادة اللبنانية ويحلق في سمائه متى شاء، وصحيح أن “إسرائيل” دمرت لبنان مرتين، لكن من يحصي ذلك؟ رئيس الدولة نشر رسالة تضامن ومشاركة لألم الشعب اللبناني، رئيس الحكومة ووزيري الأمن والخارجية أصدروا تعليماتهم بعرض مساعدات إنسانية وطبية، وفي حال لم تكفي هذه الأمور الجيدة، جاء رئيس بلدية تل أبيب لينيرها بعلم لبنان.
سكتت الكلمات، كل أحقاد الماضي وضعت جانبًا، باتت “إسرائيل” صديقة لجارتها فجأة، ربما بدأ طو بآب (عيد الحب في الديانة اليهودية) لكن هذه هي “إسرائيل” وهذا دأبها: تعالج المصابين السوريين وتشارك الشعب اللبناني حزنه وحداده، لكن هناك زاوية في الذاكرة تشوش هذه الصورة وتهدد بإفساد هذه الحفة الإنسانية.
أليس وزير الأمن هو نفسه الذي هدد لبنان قبل أسبوع بتدمير بنيته التحتية؟ ألم يهدد رئيس الحكومة لبنان هو أيضًا؟ كيف سيبدو تدمير البنية التحتية في لبنان؟ تمامًا كما رأيناه بعد انفجار بيروت.
نصف “إسرائيل” وكل موظفي أركان الجيش يجيدون ترديد عقيدة تهديد الضاحية المجيدة، كل سياسي يهددها، هذه لهجتنا ضد لبنان وغزة، هذه عقيدتنا، استعمال القوة المفرطة ضد البنى التحتية المدنية وإلحاق أكبر قدر من الدمار وسفك أكبر كمية من الدماء دون رادع، التسوية بالأرض حتى يتعلم العدو درًا مرة واحدة وللأبد.
جرب الجيش الإسرائيلي هذه الأمور في السابق، في لبنان وفي غزة، وكان الأمر ناجحًا بكل المقاييس، كمان كان في بيروت. لم يمض أسبوع على تهديد لبنان إذا ما حاول حزب الله الانتقام، حتى تحولت “إسرائيل” إلى دولة حساسة تشارك لبنان ألمه”. (5)
المصادر:
(1) “كان”: https://bit.ly/33OiyvT
(2) “ice” : https://bit.ly/2PzxKoe
(3) https://bit.ly/2Ci5DHa
(4) “ماكو”: https://bit.ly/33HTDKf
(5) “هآرتس”: https://bit.ly/31ziMnM
(6) “هآرتس”: https://bit.ly/3kmPS2R
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…