مقدمة العساس | إسرائيل ورمزية الأشجار | تستمر الجهود والمساعي الإسرائيلية لنزع أي هوية ذات خلفية تاريخية عن فلسطين، وتبدو السيطرة على رمزية زراعة الزيتون والأشجار بمثابة الحل المناسب لذلك، ويتضح هذا بالحملات التي تُنظمها عدة مؤسسات صهيونية لزراعة الزيتون في الأماكن الخالية، والتي كان آخرها الدعوة الدينية والقومية إلى التبرع بثمن زراعة شجرة زيتون في “إسرائيل”، تحمل اسم وصورة المتبرّع أو أحد أصدقائه وذويه.
هذا المقال يُسلط الضوء على الجذور التاريخية لعملية التشجير التي نفذتها الصهيونية في فلسطين المحتلة، ويشرح أهمية استمرارها حتى الوقت الحاضر.
ترجمة العساس | عادة زراعة الأشجار في “إسرائيل” المرتبطة بـ “يوم الشجرة”، بدأت بمبادرة الباحث والمؤرخ زيئيف ياعكوف، بعدما وصل إلى فلسطين عام 1887، وأصبح مديرًا لمدرسة في مستوطنة زخرون ياعكوف (المقامة على مسطحات أراضي قرية زمرين).
وفهم مؤسسو المستوطنات ضرورة زرع الشجر، فخرج ياعكوف وتلاميذه وزرعوا شجرًا في المستوطنة عام 1890، وعمل هو على خلق بُعد تروبي لذلك، أدى إلى تبنى اتحاد المعلمين والصندوق القومي لهذه المبادرة عام 1908، ليخرج الطلّاب الإسرائيليين كل عام ليغرسوا الأشجار.
قبل ذلك وفي عام 1904، اقترح البروفيسور أوتو فربورج إنشاء صندوق صهيوني لزراعة أشجار الزيتون في الأراضي التي استولت عليها كاكال، وفي العام ذاته مات هرتسل، ما دفع الصندوق الصهيوني لزراعة الزيتون إلى تكريس غابة تحمل اسمه لزراعة أشجار الزيتون، ثم تحول هذا إلى يوم احتفالي من خلال زراعة الأشجار، وهكذا بدأ
مشروع زراعة الزيتون في “إسرائيل”. (1)
اليهودية كديانة ربطت الشجرة بالإنسان من خلال تمحور الشبه بينهما حول الصفات المشتركة لدورة الحياة، لهذا
يزرع اليهود مثلًا شجرة سرو أو صنوبر للمولودة الأنثى، وأرز للمولود الذكر، وهناك من يربط بين زراعة الشجر
والإنجاب، فكلاهما يعني بصورة ما الخصوبة والثمر المُكرّس لخدمة معيشة الإنسان.
إضافة إلى ذلك، هناك علاقة أخرى تربط الشعب اليهودي بالشجرة، وهي رمزية “الشعب المرتبط بأرضٍ تحتوي
على شجرة زرعها الله، وهذا أحد التفسيرات الواردة لآية من سفر الخروج، ترمز إلى فرض زراعة الشجر”، كما
ترتبط زراعة الشجرة والازدهار مع فكرة مجيء الخلاص في اليهودية.
اقرأ أيضًا.. الزراعة الإسرائيلية: خطر الانهيار يقترب
إلا أن هناك تناقضًا بين فكرة الخلاص وفكرة الصهيونية الحديثة عن زراعة الشجر، وبغض النظر عن الرمز الديني
المتعلق بـ “إيقاظ حب الإله لشعبه وبداية الخلاص”، جاءت فكرة زرع الأرض للاستفادة منها، ثم تبنتها الحركة
الصهيونية وحوّلتها من زراعة شجر مثمر لسدّ احتياجات الإنسان، إلى زراعة غابات برمزية دينية مُعيّنة.
بسبب ذلك، أصبحت الغابات الإسرائيلية شبيهة بالغابات الأوروبية، ويبدو أن هذا حقق رؤية هرتسل الذي وقف سابقًا
على جبل الزيتون المليء بالقبور في القدس دون وجود شجر عليه، حينها نظر وحلم بغابات من الشجر تحيط بالمكان
للشعب اليهودي.
يذكر أن عناصر وأتباع البارون روتشيلد، هم أول من زرع الأشجار الحرجية بهدف الزينة في المستوطنات وأشجار
الكينا بهدف تجفيف المستنقعات، ويمكن اعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي تتقاطع فيها فكرة زراعة الأشجار مع
العلمانية.
أما من بين غير اليهود، فقد اهتم فرسان الهيكل بزراعة الأشجار الحرجية على جبل الكرمل، ويمكن اعتبار هاتين
الظاهرتين كمظاهر تمدين أوروبية للبلاد، مع خلال تصوّر بيئة بعيدة عن الأفكار الدينية.
(الأشجار الحرجية هي الصنوبر، والبلوط، والبطم، والغار، وغيرها، وتتركز زراعتها في مناطق السفوح الجبلية)
(المترجم: فرسان الهيكل هم جماعة ألمانية سعت إلى استعمار فلسطين من أجل تقريب فكرة الخلاص، وشيدت عدة أحياء في فلسطين تعرف بالأحياء الألمانية خلال الفترة العثمانية).
في بداية الاستيطان اليهودي في فلسطين، كانت المفاضلة بين زراعة الأشجار الحرجية والأشجار المثمرة جدلية بشكل كبير، باعتبار أن زراعة أشجار الزيتون مريحة أكثر كونها توجد في مناطق قريبة من المستوطنات وتوفر احتياجًا يوميًا، بينما الأشجار الحرجية هدفها السيطرة على الأرض وحلّ مشكلة قانونية حول الملكية، في ظل أن كاكال لم تكن تمتلك الكثير من الأراضي حينها.
في الوقت الحالي، استُبدلت الأسباب البيئية والجمالية لتشجير “إسرائيل” بدوافعٍ سياسية، وكل مكان يصعب زراعته كان لا بدّ من تشجيره تمهيدًا لاحتلاله كي لا يتمّ السطو عليه، ومن يملك الأراضي هم كاكال، وشركات خاصة أخرى قاموا بشراء أراضٍ صالحة للزراعة والتشجير.
عندما كان الشعب الصهيوني في الشتات، دعا هرتسل إلى جمع الأموال من اليهود من أجل عملية التشجير التي استهوته مطولًا، وارتبطت فكرة الخلاص بتجنيد الأموال من أجل التشجير، ولم يكن هناك أي فرق بين شراء الأرض والتشجير الذي زاد من ممتلكات كاكال للأراضي، ما ساهم بتحقيق الحلم الصهيوني بامتلاك الأرض. (2)
المصادر:
(1) كاكال : http://bit.ly/2MAaWG8
(2) معهد شختر : http://bit.ly/2WXMySY
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…