مقدمة العساس | قرى الفنانين في إسرائيل | تعمل “إسرائيل” منذ تأسيسها على بناء وصناعة حضارة مستعجلة،
بهدف شرعنة السرقة التاريخية للأرض الفلسطينية، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي دفعت الفنانين الصهاينة إلى
استغلال جمال طبيعة المدن والقرى العربية، لإنشاء أحياء فنانين. وعند الحديث عن هذا الملف لا يمكن إغفال قرية
عين حوض التي حُوّلت إلى أول قرية فنانين إسرائيلية، بجهود مارسيل يانكو الذي يعد الأب الروحي لهذه الفكرة.
هذه المادة المترجمة تشرح الدوافع الاستعمارية الفنية من وراء احتلال القرى الفلسطينية التاريخية، وبناء مدن فنية إسرائيلية عليها.
ترجمة العساس | تأسست قرية الفنانين الأولى في “إسرائيل” عام 1953، بمبادرة الفنان والمهندس الإسرائيلي
الشهير مارسيل يانكو، الذي كان يعمل في قسم التخطيط بمكتب رئيس الوزراء، وهذا بعدما جمع مؤيدين وفنانين
وأقنعهم بأهمية الفكرة، مع توافق المكان المختار ضمن رؤيته الرومانسية عن “أرض إسرائيل”.
وأصرّ يانكو على عدم هدم الأحياء العربية، لأنه كأبناء جيله لم يراها إلا في سياق المناظر الطبيعية والقرية العربية
التي تشكّل المشهد الإسرائيلي التوراتي، لذلك سعى إلى استعادة المشهد عن طريق الفنّ، بالحفاظ على مكوناته الذي
طمح إلى استعادتها بعد 2000 سنة من “المنفى” عن هذه البلاد.
يهدف هذا المقال لفحص الآليات التي مكّنت من إنشاء قرية الفنانين وتطوّرها في العقد الأول من وجودها، على
افتراض أن هذا الاستيطان هو نوع مختلف عن الاستيطان الذي وجد على أرض فلسطين.
اقرأ أيضًا.. إسرائيل ورمزية الأشجار: استيطان أخضر
تعتبر قصّة إنشاء أول مدينة فنانين غريبة وفريدة من نوعها، كونها لم يتم دعمها من أي حركة استيطانية، ولم تخضع
حتى سنوات الثمانينات لمجلس إقليمي، وبهذا اختلفت طريقة التطوير والتنمية التي تتبعها المستوطنات الأخرى، التي
هي نتيجة عمل مختلف المؤسسات والحركات الاستيطانية.
في تلك الفترة عندما كانت سلطة التطوير والمؤسسات تعمل على إنشاء منطقة استيطان جديدة، تم القيام بعمل مكثف
في قسم التخطيط بوزارة الداخلية (منذ عام 1948) لتحديد وتخطيط الحدائق، واستند اقتراح مناطق المنتزهات
الوطنية إلى مسح شامل ومواد أساسية تم جمعها من العديد من المصادر، مثل أماكن تواجد المحميات الطبيعية استنادًا
إلى الخرائط الانتدابية، وخرائط أنواع الأراضي، وخرائط المحميات الخاصة بالحيوانات.
وأجرى هذا الاستطلاع المهندس المعماري بروتسكوس، والمهندس المعماري مارسيل يانكو، بمشاركة الدكتور أدلر،
والمهندس المعماري م. إيزنبرغ، نيابة عن قسم التخطيط وبالتعاون مع الأقسام الإقليمية، وفي نفس الخطة تم طرح
لاقتراح لإنشاء حديقة وطنية في الكرمل على مساحة 105 ألف دونم، كان معظمها تحت ملكية “إسرائيل”، أمّا الباقي
فكانت بمثابة أراض مهجورة وقرى درزية وأراضي يهودية وأديرة مسيحية.
الفكرة الأساسية كانت إنشاء منطقة محمية واسعة النطاق مع حدائق محدودة في منطقة الحريبة، والمحرقة، وجنوب
وادي الفلاح وهي الآن “ناحال أورن”، كما كان الهدف هو الحفاظ على الطبيعة والمناظر الطبيعية في جميع الأحياء
ضمن المدن الفلسطينية المهجّرة.
سعى يانكو لتحقيق رؤيته لأحياء الفنانين، إلا أن العوامل السياسية والاقتصادية والديمغرافية في أوائل خمسينيات
القرن الماضي كانت أقوى منه، وتم تنفيذ مبادرات أخرى لإنشاء أحياء الفنانين من قبل هيئات أخرى، مثل بلدية حيفا أو قسم الفنون، برئاسة موشيه موكادي، الذي تحدث عن أماكن يمكن “فيها الاسترخاء وعمل الفنانين في أجواء ملهمة”.
في بداية سنوات الخمسينيات، رأى صديق مقرّب من يانكو أنقاض القرية العربية عين حوض من الحافلة، ثم شاهدها
يانكو الذي فتن بالموقع والأنقاض والكرمل وقلعة عتليت المقابلة له، وكل هذه المناظر أحيّت الطموح عنده في جمع الفنانين وبناء قرية لهم.
كان هذا المجتمع على نمط (صديق يجلب صديق)، إذ أصدرت جمعية دعوة للفنانين بأن يأتوا ويستحوذوا على
عقارات في عين حوض المهجّرة ضمن قرية الفنانين، وفتحت القرية في نهايات الأسبوع للزوار حتى يروها ويتجولوا فيها، وهذا ما أشعل الخلافات بين الفنانين على من يملك المنزل الأكبر، ومن يملك المنزل مع الحديقة الكبيرة، ثم أصحبت المجموعة الأولى من الفنانين نواة جمعية “عين هود” التعاونية.
حتى عام 1953، كانت كل المستوطنات قد أقيمت على الأراضي الزراعية بعيدًا عن أنقاض القرية التي هُجّر سكانها
منها ودمرت على يد القوات الصهيونية، ثم انتقلت أملاك الغائبين إلى دائرة أراضي “إسرائيل”، وتوجهت مجموعة
من “الآباء العاملين” من سلطة التطوير في حيفا كمرشحين للاستيطان في أراضي “عين هود”، وبالفعل في مايو/أيار
من نفس العام أعلن الوصي على الأراضي توطين أعضاء الجمعية على أرض عين حوض وعقد الإيجار معهم.
من الذين استأجروا هذه المنازل كان ألكسندر راش، مدير المتحف في حيفا، الذي لم يكن فنانا، والجنرال براون من
مجموعة الآباء العاملين، أما بقية الأراضي فكانت بملكية دائرة أراضي “إسرائيل” أو تجري عملية نقلها إلى الدائرة.
وهذه المجموعة لم تسكن هناك بشكل دائم بل استأجرت البيوت من سلطة التطوير من أجل الاستثمار بالعقارات،
وأدى ذلك إلى تهديدات ونزاع قانوني لم ينتهي إلا في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، عندما نقلت جميع
الأراضي إلى سلطة دائرة أراضي إسرائيل (كاكال).
في هذا السياق، تم التشبيك بين مؤسسي القرية عن طريق موظفي كاكال الميدانيين الذين فتنوا بمارسيل جانكو،
وايتشي مامبوش، مثل المفتش الميداني في حيفا والشمال دافيد روزنفليد، وكان التوجه إلى جمعية الفنانين والنحاتين
لأن كاكال كان عليها العمل أمام جسم رسمي، لذلك توجه مارسيل يانكو من أجل إطلاق المراسلات الأولى، وحينها
كانت الرابطة هي الهيئة الرسمية التي تمثل الفنانين، كما عملت على نقل الأموال والمعاملات الرسمية حتى تسجيل
جمعية “عين هود” التعاونية.
يمكن القول إن العقد الأول للقرية كان بمثابة فترة التأسيس وجمع التبرعات والدعم من مختلف الوزارات الحكومية،
مثل وزارة العمل، ووزارة التعليم، وكاكال، وبلدية حيفا، ونداء إلى بني صهيون، والمعرض المركزي، وغيرها من المؤسسات.
أمّا في 27 يونيو 1963، تم بدء الاحتفالات بافتتاح عين هود كـ “دولة مستقلة وذات سيادة”، ودُعي سفراء مختلف الدول لتقديم ميثاق إلى رئيسها إيتشي مامبوش، وحتى أصدروا عملة خاصة ليوم الاستقلال.
وكانت هذه الاحتفالات وقتًا جيدًا للحصول على دعم جديد لتطوير القرية، بمساعدة من وزارة التعليم والثقافة، وهذا في ظل إقامة معرض كبير للفنانين اليهود من المهجر والعروض الموسيقية والشعرية وأمسيات الرقص في مدرج القرية، وتم تخصيص العائدات لإنشاء مدرسة ثانوية لفن الرسم والنحت، والتي “ستحدد مكانة القرية كمركز للفن الإسرائيلي يساعد في تشكيل نمط الفن التشكيلي الشعبي”.
كانت عين حوض الفلسطينية قرية نموذجية تعتبر نواة منطقة سفح جبل، إلا أنها بدأت في التغير خلال فترة الانتداب البريطاني وانتشار أسلوب البناء المعاصر، ما أدى إلى اختفاء شكل البيت التقليدي الذي يحتوي على الحوش في داخله، وكان في القرية مسجد ومدرستان، واحدة عثمانية، والأخرى انتدابية، وعدد محدود من المقامات الدينية، ضمن طابعها الديني الصوفي.
في عام 17 تموز/يوليو عام 1948، هجرت القرية العربية عين حوض مع قرى الكرمل: المزار، وطيرة، وحيفا، وصرفند، وكفر لام، والطنطورة، وفرض على المنطقة بعد الاحتلال والانتهاء من القتال نظام طوارئ وحكم عسكري بهدف منع الفلسطينيين المتسللين من العودة إلى قراهم، وتأمين المستوطنات في المنطقة، وتدمير البيوت العربية الباقية، ومع مرور الوقت نشأ منظر طبيعي استعماري جديد على الساحل.
المصدر: موقع عين هود
العنوان الأصلي للمادة: كيف تبنى قرى الفنانين؟
تاريخ نشر المادة: د.ت
رابط المادة: https://bit.ly/2PMFbrl
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…