مقدمة العسّاس | تداوم “إسرائيل” على سياسة الغموض عندما يتعلق الأمر ببرنامجها النووي، وهناك اعتقاد سائد بأنها تمتلك أسلحة نووية كسادس دولة في العالم تقوم بتطوير هذا النوع من الأسلحة، رغم وصفها بـ “غير مُعرَّفه” في معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية (NPT).
هذا المقال، المترجم من هآرتس الذي كتبه آدم راز، يتناول البرنامج النووي “الإسرائيلي” وكيف حاول وزير الأمن الجديد حينها، موشيه ديان، السيطرة عليه وضمّه لمؤسّسة الجيش.
ترجمة العساس | خلال العقود الماضية، نُشر كتاب حول تاريخ البرنامج النووي “الإسرائيلي” في الولايات المتحدة الأميركية ولم يحظَ بأي نقد، ولو أنّ جهاز الأمن في “إسرائيل” لم يعرف بوجوده، يمكن افتراض أنَ النسخة الوحيدة منه بحيازة كاتب هذه السطور، وهنا نأمل معرفة معلومات إضافية بخصوص قضية ساحرة ومخيفة.
يتمحوّر الكتاب حول السيرة الشخصية للكاتب، من خلال التركيز على التاريخ النووي “الإسرائيلي” ودوره فيه، ويتناول أحد فصول الكتاب من وجهة نظر نوويّة حرب الأيام الستة وحرب أكتوبر، ويصفُ فصلٌ آخر مفاعلًا نوويًا غير معروف، وكل هذا نُشر في كتابٍ خارج “إسرائيل”، فيمكننا التعامل معه كمصدرٍ أجنبي يتساوى فيه رجال الأمن والرقابة مع كلّ واحد من القراء.
عشية حرب 1967، كان مؤلف الكتاب طالبًا بعد تسريحه من الجيش، وكان قد اشتغل في مجمع الأبحاث في مفاعل ديمونا النووي، وتم تعيينه في “المركز 2” الذي يعتبر من أكثر الأماكن حساسية وسرية في المفاعل، حيث يتم العمل على تفريق البلوتونيوم، وبحسب مصادر أجنبية، تمتلك “إسرائيل” مخزونًا منه يكفي لتركيب قنبلة نووية.
حرب أهلية: اقتحام القلعة
الفصل الأكثر جاذبيّة في الكتاب يسمى “انقلاب حقيقي” ويظهر الصراع بين دافيد بن غوريون وموشيه ديان في حزب المعارضة “عُمال إسرائيل” أو “رافي”، الذي تأسّس عام 1965، أثناء حكومة ليفي أشكول.
ويقول الكاتب إنه في الأيام التي سبقت اندلاع حرب الأيام الستة أخذ أمرًا من مديره بإجراء فحوصات لمستوى الأشعة في المفاعل النووي المجهول الذي بنته “إسرائيل” في مكان ما في جنوب تل أبيب يبعد عنها 35 كيلومترا، وهذه فعليًا نفس المسافة بين تل أبيب وجديرا جنوبًا.
وللتأكيد على صدق ما يُروى، يمكن لمس ذلك بشهادة الكتاب وما تلاها من أحداثٍ في المبنى الذي استخدمه رجال الأمن في قلعة “تغارت”، وهي جزء من شبكة قلاع بنيت لرجال الشرطة البريطانيين بمبادرة من الضابط تشارل تغارت، حيث لا يُشير الكاتب إلى اسم المكان، ولكن وصفه يتوافق مع وصف شرطة كاتارا القريب من جديرا، التي استعملته قوات الأمن لسنوات.
نهاية أيار 1967 مرّت على الكاتب وعلى وحراس المفاعل في المبنى الكبير لشرطة كاتارا، وهم لا يعرفون ماذا مخبأ في واحدة من غرفه، والكاتب يشهد على أن المفاعل كان في جديرا، والمُشَغِل النووي الذي يحوي المادة النووية حُفظ في مكان آخر.
أما بداية حزيران كانت مختلفة، إذ أنّه بعد فترة قصيرة من تعيين موشيه ديان وزيرًا للأمن حضر للمفاعل “يتسحاك ياعكوب” كرئيس قسم تطوير وسائل حرب في القسم العملياتي، وطلب الدخول وتولي مسؤولية المفاعل، وقُوبل هذا الطلب بالرفض من الكاتب والحراس، وما كان من يتسحاك إلا المغادرة ثم العودة برفقة شاحنات معبأة بجنود مسلحين وكرّر نفس الطلب بأن يكون مسؤولًا عن المفاعل، وتمسك الكاتب برفضه، ما أدى إلى توتر الأجواء التي زادت بالسوء مع تهديد يتسحاك بالعودة مرة ثالثة مع دبابات تقتحم المفاعل.
أمر الكاتب رجاله أن يفتحوا النار تجاه يتسحاك وجنوده إذا حاولوا الاقتحام، مستفيدًا من مبنى القلعة المؤسس كحصن أعدّ ليمنع سيطرة الأعداء من الخارج، ثم أسرع إلى الاتصال بالمسؤول عنه، الذي كان على دراية بما يحصل، ثم أتت التعليمات صباحًا بمنتهى الوضوح: يتسحاك المسؤول عن المفاعل النووي.
الكاتب على ما يبدو سمى الجزء المتعلق بهذه القضية بـ “الانقلاب الحقيقي”، إذ يُريد أن يشير إلى حراس المفاعل النووي في الأيام الثلاثة التي سبقت تعيين ديان والذين كانوا “مواطنين” عملوا تحت إمرة وزير الشرطة الياهو ساسون، وبذلك كانوا ضمن مسؤولية وسلطة رئيس الحكومة اشكول، ولم يكونوا تابعين لوزير الأمن الجديد موشيه ديان.
وحول تبديل الحراس بجنود، يشرح الكاتب عن عملية فيها صادر موشيه ديان ويتسحاك السلطة المدنية الممثلة برئيس الحكومة أشكول ونقلوها إلى المنظومة العسكرية، لهدف واضح بأن يكونوا “أسياد المكان”، ويقول إنه بعد الحرب التقى مع مديره الذي كان محبطًا وغير راضٍ عن تحوّل مسؤولية المفاعل إلى الجيش.
وتمتلئ قصّة الكاتب بالتفاصيل المتعلقة بشأن البعد النووي للحرب، ومنها اقتراح شمعون بيرس إجراء تجربة نووية بدل الخروج إلى الحرب، وحتى جملة يتسحاك التي حظيت بتغطية إعلامية واسعة من القرن السابق المتعلّقة بشهادات أدلى بها شفويًا وكتابيًا حول دوره في الأحداث التي سبقت التجربة النووية التي لم تحدث، وكذلك التي ترتبط بسياقات دولية تخصّ المشروع النووي “الإسرائيلي”.
الهدف: رئيس الحكومة
ويرتبط الانقلاب واقتراح بيرس فيما بينهما، حيث أن تعيين ديان وزيرا للأمن، كان جزءًا من تجربة ثلاثية المراحل لتنفيذ انقلاب في حكومة أشكول عبر حزب رافي بقيادة بن غوريون، وموشيه ديان وشمعون بيرس، وبمساعدة عناصر من الحكومة وخارجها، وفي البداية حاولوا تبديل أشكول ببن غوريون ولم تنجح العملية بسبب اعتراض أحزاب الائتلاف، ثم قاموا بتجربة ثانية لتعيين بن غريون وزيرًا “للدفاع” وهنا تدخل الائتلاف أيضًا وأفشل المحاولة، أما المرة الثالثة بتعيين ديان نجحت.
وكان من الصعب تحقيق القدرات التقليدية المجرّبة للجيش “الإسرائيلي”، لأن أشكول وشركائه أرادوا حربًا ليس لغرض توسيع أراضي “إسرائيل” وإقامة نظام احتلال فيها، ولكن لغرض استخدامها كورقة مساومة لاتفاقيات السلام المستقبلية، بينما كانت سلطة الجيش “الإسرائيلي” تتقاطع مع سياستهم في التوصل إلى تسوية إقليمية وسلام.
وفي الوقت ذاته، لم يتوقف بيرس وديان عن نشر الأكاذيب المتعلقة بالمأساة التي ستواجه “إسرائيل” إذا استمر أشكول بوظيفته، وكل هذا كان تحت مبدأ “الدولة على حافة حياة أو موت”، وكما كان استمرارًا لحملة ضدّ اشكول، بدأت عام 1963.
وفي أعقاب ذلك، بدأ بن غوريون وشركاؤه حملة إهانات أخرى لم يسبق لها مثيل بخصوص “فشل أمني” تسبب به أشكول دون الإشارة إلى ماهيته، وبعد تأسيس حزب رافي عمل بن غوريون في طرق مراوغة لإلحاق الضرر من خلاله، بينما في أوائل حزيران، عيّن ديان وزيرًا للأمن، ولكن الحرب أديرت بالأساس حسب مخططات الحرب التي قادها إسحاق رابين وآخرون.
وبعد الحرب، كتب أشكول أنه في مدة أسبوعين قبل تعيين ديان كانت هناك “أجواء انقلاب” ضدّه، بينما وصف يسرائيل ليئور وهو سكرتير أشكول العسكري، ذلك بـ “انقلاب دون سفك دماء”، أمّا جولدا ميئير قالت في تلك الأيام في لهجة واضحة إن حزب رافي “هو حزب فاشي، وحزب ماباي لا يمكن أن تمنحه السلطة دون معارك”.
بالتأكيد أحد الأسباب للصراع في القمة السياسية “الإسرائيلية” في ذلك الوقت بين حلفاء بن غوريون وحلفاء أشكول، كان ما يتصل بالقضية النووية، وهذه كانت الأجواء السائدة في النظام السياسي وقتها.
وجهة نظر أشكول حسب مصادر نشر مختلفة، كانت أن “إسرائيل” يجب أن تكسب معلومات كي يكون بمقدورها أن تصبح دولة ذات قدرات نووية، ضمن مسعى أن يكون “لإسرائيل” خيارًا نوويًا تحقّقه، وفي حال صعود دول أخرى على الطريق النووي، وعلى ما يبدو أن أشكول اعترض أيضًا أن تكون “إسرائيل” هي من تُدخِل المنطقة لحرب تسلّح نووي وتعطي شرعية لدول أخرى لتفتح المشاريع النووية.
وكان حل قضية القنبلة النووية في فترة الستينيات باستمرار “إسرائيل” في تطوير مفاعل نووي ولكن دون أن تأخذ وسائل تجعلها دولة نووية، ويمكن أن نفرض حسب المتعارف عليه في العالم حينها، أن في هذه القضية كان هناك إجماع على أن “إسرائيل” لا تقوم بتجربة نووية، أو على الأقل تجربة نووية بحسب تعريف العالم لتجربة نووية في تلك الأيام.
من يمسك بالمفاتيح:
قبل تعيين ديان وزيرًا للأمن بأيام معدودة، اكتمل المفاعل النووي الأول في “إسرائيل”، ثم نُقل المفاعل النووي إلى جنوب تل أبيب بجانب جديرا، المكان الذي يصفه الكاتب بمركز شرطة كاتارا، وقتها شمعون بيرس كان متورطًا بالمشروع النووي رغم كونه جزءًا من المعارضة، واقترح أن تجري “إسرائيل” بالمفاعل تجربة واضحة، لتزيل الغموض النووي ولتكون دولة نووية كباقي الدول الخمس النووية في حينها.
وهذا كله كان قُبيل الحرب 1967، إذ قال بيرس بكل صراحة، إن “إسرائيل” أخرّت إمكانية ضرب مصر، ضربة التي كان متوقعًا أن يذهب ضحيتها آلاف الضحايا، وأنه يجب التمترس على طول الحدود لزمن غير معروف، لكن الحقيقة التي لم تكشف للجمهور هي أن “لإسرائيل” أفضلية الحسم وبإمكانها إسقاط الدفاعات الجوية العربية خلال ساعات معدودة، وعلى ما يبدو كان المعنى السائد لموقف بن غوريون وزملائه هو الحفاظ على الوضع الراهن الذي يبقى فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود تحت مظلة نووية إسرائيلية.
يذكر أنه بعد الحرب بأيام، شعر الأمريكيون بالقلق من بزوغ نجم ديان في الأوساط الإسرائيلية، وربطوا ذلك مع ظهور قوة المجموعة النووية السياسية، وما يؤكد هذا أنه كُتِب في مذكرة داخلية للسفارة الأمريكية لدى تل أبيب: “ستكون هناك فرضية منطقية أن “إسرائيل” سوف تندفع على إثر تعيين ديان، وتقترب من الطريق النووي وتطوير الوسائل اللازمة للتسلّح”.
لكن الذي لا يمكن الإجابة عنه هو أنه كيف ترتبط هذه القصة المذهلة للكاتب مع المواقف الداعمة لحزب رافي؟ وكيف ترتبط بمحاولة تنفيذ انقلاب ناجح نسبيًا ضدّ أشكول وسياسته بما وصفه يتسحاك كمحاولة لإجراء تجربة نووية؟لماذا لا يمكن الإجابة عنها؟ لأنه يجب أن نميّز بين تقرير الكاتب كمشارك بالأحداث وبين تفسير الأحداث نفسها، أمّا الإجابة التي يقدمها الكاتب كانت كالتالي: “المفاعل النووي الذي كان تحت مسؤوليتي لم يعد تحت سلطة الحكومة الخاضعة لسلطة رئيس الحكومة، بل المؤسسة العسكرية أخذت السلطة على السلاح، والانقلاب السياسي على أشكول كان محاولة للسيطرة على النووي من الحكومة”.
وتبدو شهادة الكاتب بالموضوع وإمكانية الحرب الأهلية صغيرة أمام الصراع على المفاعل النووي في مركز “إسرائيل” الذي يثير تساؤلات حول قضية السيطرة على المشروع النووي، في سياق سؤال هل كانت الدراما المتوترة التي وصفها ليئور السكرتير العسكري “بانقلاب دون سفك دماء” تشمل أيضا محاولة للسيطرة على منشأة نووية؟
لا يمكن تجاهل الكلمات القاطعة لـ ييغال ألون، المناوئ المرير لديان وبيريز، في عام 1979، قبل وفاته بوقت قصير إذ قال: “لا أرى أي سبب، وأعتقد أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تقدير سياسي استراتيجي طفولي لدرجة فصل هؤلاء الناس من قيادة الهرم السياسي والاستراتيجي لاتخاذ القرار”.
المصدر: هآرتس
تاريخ النشر:08.07.2017
رابط المادّة:https://bit.ly/2J7h3MG
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…