مقدمة العساس | لم يتوقف فكر السياسية الصهيونية عن الرؤى والمشاريع الهادفة إلى تغييب الشعب الفلسطيني وتهميشه، ويظهر هذا بتبني الترانسفير كمبدأ ثابت أساسي وإستراتيجي غير القابل للمس كمصدر لخصوصية وتفرد الصهيونية، وسبب في بقاء الدولة اليهودية.
ترجمة العساس |
مع احتدام الثورة الفلسطينيّة في ربيع 1938، قَدِمت “لجنة التّقسيم” إلى البلاد برئاسة “جون فدهر”، إذ سعت هذه اللجنة لتقديم المساعدة لحكومة بريطانيا في تنفيذ مخطّط التّقسيم الذي اقتُرِحَ من قِبَل اللجنة الحكوميّة برئاسة اللورد روبرت بيل في صيف 1937. [1] لجنة بيل تمنّت قبول كلٍ من العرب واليهود بنصيبهم المقترح حسب مخطط التقسيم؛ لكنّ العرب جدّدوا ثورتهم بل ضاعفوها. أمّا اليهود، فقد حظوا بحماية لمستعمراتهم في أرض فلسطين.
وبينما خشيت الحركة الصهيونيّة من الحدّ من هجرة اليهود إلى فلسطين أو منعها كلياً من قبل الحكومة البريطانيّة، فقد صرّح “بن غوريون” مُطمئنًا: “لا يهمّنا ما يُقال إنما ما يُنفّذ على أرض الواقع”.
تبقى “أسرار الدّولة” حبيسة الأرشيف وتُكشف فقط بعد عشرات السّنوات. ولتوضيح التباين الكبير بين ما يُقال وما يُخطّط له على أرض الواقع، نُذكّر بالتحوّل النوعي في السياسة البريطانية بين عامي 1937 و1939، وهو ما يتضح جليّاً من خلال مراجعة “الكتاب الأبيض”. [2]
قضيّة أخرى عادت وشغلت الحركة الصهيونيّة منذ 1937 هي الترانسفير -وهي اقتراح لجنة بيل لنقل العرب طوعًا أو كرهًا من أرض الدولة اليهوديّة المقترحة. في هذا المقال سنعرض المواقف الّتي طُرحت في عام 1937، إضافة إلى تلك الّتي اتّخذت بعد أكثر من عشر سنوات في ظروف جديدة بعد “حرب الاستقلال”، الّتي أسفرت عن ترك مئات الآلاف من العرب بيوتهم هلعًا أو يأسًا أو تهجيرًا.
اقترحت لجنة بيل تقسيم أرض “إسرائيل” الغربيّة لثلاث وحدات:
ويقتضي التّقسيم نقل السكّان العرب، طوعًا أو كرهًا، من مناطق الدّولة اليهوديّة إلى المنطقة العربية الملحقة بالأردن إضافة للدول العربيّة المجاورة.
وفي خضم النقاش المحتدم بين الأطراف، بين مؤيّد ومعارض، طُرحت آراء عدّة؛ فكان بين الحضور من أيَّد المقترح دون تعديلات، وآخرون أبدوا بعض التّحفّظات؛ وبادّعاء موريس (مؤرّخ) فقد غيّر بن غوريون أقواله في محاضر الكونغرس، وقد أزيلت أقواله المؤيّدة للترانسفير فيما بعد. ومع ذلك، كان التأييد هو سيّد الموقف، تأييد بن غوريون وغيره للترانسفير المُقترح.
أنهى الكونغرس نقاشه بقرار يختلف عن مخطّط بيل المقترح في بادئ الأمر، إلا أن الصيغة الأولية للمخطط فتحت باب التفاوض أمام الكونغرس الصهيوني لانتزاع مخطّط واضح لإقامة دولة يهوديّة على قسم من أرض فلسطين التاريخية. وقد نصّ القرار الذي اتُخَذ في نهاية النقاش على معادلة تقسيم تخدم مصالح اليهود بشكل أكبر من سابقه [مقترح بيل]، وتبعًا لذلك فقد تم تقبل فكرة الترانسفير كجزءٍ من مخطط إقامة الدولة.
واجتمعت لجنة الترانسفير في حزيران 1938 للمرة الأخيرة، لكن لم يتم إعداد أي مذكّرة لهذا اللقاء، وفي نهاية المطاف لم يكتب لهذه الاجتماعات الاستمرار. وهكذا، اضمحلت فكرة الترانسفير . ففي الوقت الّذي كافح فيه القائمون على الفكرة لإلحاقها بخطّة التّقسيم وتسويقها كأداة تُحسن من المخطط، رأت لجنة وودهيد [3] بعد الفحص والتّمحيص أنّ الفكرة ليست عملية. وبالإضافة إلى ذلك، صرّحت بريطانيا بأنّها لن تفرض عمليّة الترحيل السّكانيّ للعرب.
اقرأ أيضًا.. كيف خطط الاحتلال لتهجير الفلسطينيين للباراغواي؟
مضت ستّ سنوات على أول مرة اقتُرح فيها مخطّط الترانسفير. وفي خريف عام 1944 عُقد مؤتمر حزب العمّال البريطاني الذي ضمّن خلاله هيو دالتون [5] ضمن البرنامج الانتخابيّ للحزب بندًا ينصّ على أفضلية منح الأرض لليهود استنادًا إلى مقررات مؤتمر بليتمور الصهيونيّ الذي عُقد عام 1942 والتي سمَّت أرض “إسرائيل” الغربيّة بـ “الحاضرة اليهودية”، في تكريس لمبدأ أحقية اليهود دون غيرهم في استيطان هذا الجزء من الأرض.
وبعد وصول حزب العمّال إلى سدّة الحكم في صيف 1945، التزمت الحكومة العمّالية الجديدة بما ورد من مرئيات في الكتاب الأبيض. إلا أن ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة للمؤتمر الصهيوني، ففي خريف عام 1945، حاربت الحركة الصهيونيّة من أجل إلغاء العمل بنصوص الكتاب الأبيض ودفع الحكومة البريطانية لزيادة معدّلات الهجرة اليهودية والاستيطان على أمل الظَفر باستقلال الدولة اليهودية.
لكن بعد السبت الأسود وما سبقه من أحداث[4]، أعادت الحركة الصهيونيّة النّظر بمطالبها وطلبت إعادة المفاوضات بوساطة الولايات المتّحدة، حتّى أنّ بن غوريون تطرّق في خطابه لمقترحات تعود لسنوات 37-38 واقترح منح اليهود مساحات فارغة شرقيّ الأردنّ.
ساد التَّخوف في الحركة الصهيونيّة من تبعات هذا المُقترح الذي قد يؤدي للحد من حجم دولتهم ونفوذها، بل إن الجزع من رد فعل الحكومة البريطانية فاق تخوُّفهم من رد الفعل العربي؛ رغم أن العرب سكان الأرض هم المعنيون بشكل مباشر بما سيجلبه التقسيم من ويلات. لكن هذه الأفكار والمقترحات لم تدم طويلًا، فلم تلبث أن نُسيت وتبخّرت سريعًا في خضم الواقع الجديد الذي تلى نهاية الحرب العالمية الثانية.
بفضل القطبية العالمية الجديدة واختلاف مراكز القوى وما نشأ عنه من بزوغ نجم الولايات المتحدة كقوة عظمى في حقبة ما بعد الانتصار في الحرب العالمية، وبضغطٍ من الحركة الصهيونية ومؤتمرها العالمي؛ أقرت الأمم المتحدّة في 19 نوفمبر 1947 “التّقسيم مع وحدة اقتصاديّة”. البريطانيّون أعلنوا الانسحاب وانتهاء الانتداب، اليهود قبلوا التّقسيم، أمّا العرب فحملوا السّلاح، واندلعت “حرب الاستقلال”.
بعد خطاب بن غوريون “المؤسّس للدولة” أضحت ملامح الانهيار المجتمعي جليةً بين العرب سكان الأرض، فبلغ النزوح ذروته في شهر نيسان عقِب احتلال طبريا وحيفا وتضييق الخناق على يافا والاستيلاء على صفد. وذلك بالإضافة إلى موجات النزوح القسري من القرى العربية الّتي تعرضت للهجمات والمذابح. وبحسب التقديرات، فقد غادر ما لا يقل عن نصف اللّاجئين البلاد مع خروج المندوب السّامي.
بدأ فيتس يتطلع لما أسماه مرحلة “ما بعد الترانسفير”؛ وتوجّه إلى بن غوريون وقال له إن الترانسفير الّذي يقتضي خروج العرب قد تمّ فعلًا، فقد خرج 335 ألف عربي، في حين نزح 200 ألف منهم إلى مناطق أخرى داخل الدولة. واقترح فيتس التّفاوض مع الحكومات العربيّة على تبنّي سكنى اللّاجئين، أمّا بن غوريون فرفض المقترح بدعوى أنّ الوقت غير مناسب لبحث هكذا مسألة.
وفي آب 1948، عُقد نقاش حول شؤون العرب بمشاركة وزراء ومختصين. وكانت نتيجته اعتماد “لجنة الترانسفير” التي اقترحها فيتس، وكان من مسؤولياتها تولي المفاوضات مع الدول العربية فيما يتعلق بشؤون اللاجئين.
—————————
[1] لجنة بيل: لجنة أُقيمت للتحقيق في أسباب الانتفاضة في الثورة الفلسطينيّة الكبرى عام 1936.
[2] الكتاب الأبيض: تمّ إصداره في عام 1939، وهو ينصّ على إلغاء مقترح دولتين لشعبين، إنما يقتضي تأسيس دولة فلسطينيّة مستقلة.
[3] أنشأت لجنة “وودهيد” بعد فشل لجنة بيل السّابقة، وقامت على أطراف ثلاثة: عرب، يهود، بريطانيين. وذلك للتداول بشؤون البلاد غير المستقرة بعد الثورة الفلسطينيّة الكبرى. وسمّيت نسبة إلى السير جون وودهيد الحاكم المدني الأسبق للهند والذي رأس اللجنة بتكليف من الحكومة البريطانية.
[4] تسمية يهودية ليوم 26.4,1946 وذلك بعد أن قامت القوّات البريطانيّة بالتضييق على مستعمرات يهوديّة من خلال حظر تجوالهم وتفتيش بيوتهم واعتقال الكثير منهم.
[5] هيو دالتون: اقتصادي وسياسي بريطاني، عضو في حزب العمال ومستشار الخزينة الملكية. ساهم بشكل كبير في بلورة السياسة الخارجية للحزب في حقبة الثلاثينات وكان من أبرز معارضي سياسة اللا-حرب التي انتهجتها الحكومة في حينه. يعتبر المسؤول عن سوء إدارة عدد من المشاكل المالية التي حلت بالمملكة المتحدة في حينه مما أدى به للاستقالة من العمال الحكومي في نهاية المطاف. احتفظ بدوره كحزبي ومستشار اقتصادي.
المصدر : بحث جامعة بن غوريون- بئر السبع
عنوان المادة الأصلية: من فكرة الترانسفير 1937-1938، إلى الترانسفير لاحقا 1947-1948.
الرابط: http://in.bgu.ac.il/bgi/iyunim/7/3.pdf
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…