مقدمة العساس | بدأت الجهود الصهيونية لاحتلال فلسطين قبل سنوات طويلة من أحداث النكبة عام 1948، وقد تكون الحركة العمالية اليهودية من أبرز المساهمين في هذه الجهود، لمشاركتها في السيطرة على الأراضي ضمن أهداف مزدوجة تخدم الاستيطان، وجهودها في السيطرة على فرص العمل في فلسطين.
ترجمة العساس | أكثر الصفات التي ميّزت حركة العمال اليهودية في فلسطين؛ هي أنها لم تكن حركة عماليّة على الإطلاق، بل حركة استعمارية أبقت مصالح العمّال ثانوية أمام مهمة الاستيطان. والمجتمع الاستعماري هو كل مجتمع جديد يقوم باستخدام القوة العسكرية والاستيطان واستغلال سكان البلاد الاصليين أو طردهم معتمدًا على التبرير القائل إن هنالك أحقية لأصحاب الثقافة “الأسمى”.
حين يتضمن الاستعمار تطبيق سياسة الاستيطان يكون تأثيره هدّامًا أكثر للسكان الأصليين. وهذا ما ينطبق على الحركة الصهيونية، والصهيونية العمّالية، إذ تعتبر مشروعًا استعماريًا متأخرًا وحركة استعمارية قومية أرادت الحفاظ على أغلبية يهودية في فلسطين وإنشاء مؤسسات سياسية، اقتصادية وتربوية تخدم البنية التحتية للدولة اليهودية. وهذا ما يميز الصهيونية عن الكثير من المشاريع الاستعمارية الأوروبية، وهي كذلك حقيقة استخدمت على يد الصهاينة لتمييز الصهيونية عن الاستعمار.
إن الغالبية العظمى من المليوني يهودي الذين تركوا أوروبا الشرقية اختاروا الهجرة إلى مستعمرات أوروبية أخرى غير فلسطين، أو إلى أوروبا الغربية. ففي الفترة ما بين عاميّ 1882-1924، 3% فقط من هؤلاء اليهود اختاروا فلسطين مكانًا للهجرة، وبين عاميّ 1924-1929 أول موجة من اليهود البولنديين إلى فلسطين يحملون بعض الموارد للاستثمار.
لم تتأسس حركة العمال اليهودية خلال صراع طبقي كغالبية الحركات العمالية، بل خلال المواجهة بين المستعمرين الصهاينة وعرب فلسطين. إذ تضمنت هذه المواجهة تهويد الأرض وخلق مجالات عمل للقادمين الجدد من اليهود ومحاربة المقاومة من قبل الفلسطينيين.
إن الدور الاستعماري والهوياتي والمؤسساتي لحركة العمال اليهودية كان جزءًا من صراعين سابقين خاضهما اليهود، الذين قدموا بموجة الهجرة الثانية، ضد الفلسطينيين من جهة وضد ملاك الأراضي من اليهود الذين قدموا خلال موجة الهجرة الأولى. إذ كان صراعهم مع الفلسطينيين بهدف السيطرة على الأراضي وفرص العمل، أما صراعهم مع القادمين القدماء من اليهود كان على أهداف الصهيونية والاستيطان في فلسطين.
اقرأ أيضًا.. كلافيرسكي: بذرة الاستيطان اليهودي
وفي هذا السياق يذكر أن الموجة الثانية من المهاجرين اليهود بحثت عن فرص عمل في الكروم التي يملكها يهود الموجة الأولى، والتي كانت مصدر رزقهم الوحيد. وخلال عملهم فيها كان العمّال اليهود يطالبون بأجور أعلى من أجور العمال الفلسطينيين، وفقًا للمعايير الأوروبية التي اعتادوا عليها.
إلى جانب ذلك، كانوا أكثر مهارة بالتنظيم الجماعي وقدرات التفاوض مقارنة بالعمال الفلسطينيين، وذلك لأن نشاط العمال اليهود بدأ في أوروبا الشرقية في سنوات الـ1880، أي أنهم أكثر خبرة. نتيجةً لذلك، كان على العمال اليهود التنافس ضد العمال الفلسطينيين الذين فضلهم أرباب العمل.
وفي هذا السياق، شكّل المزارعين اليهود حركة “العمل العبري” من أجل تعزيز مكانتهم، وشددوا على أهمية الهوية اليهودية للمزارعين ولكن دون جدوى. ومع مجهود أكبر، عززوا البعد القومي لأهدافهم، بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية. وادّعوا أن الطبقة اليهودية العاملة هي الوحيدة التي ستخلق الأعداد الهائلة من اليهود، مما سيحافظ على المشروع الصهيوني في فلسطين.
وجدت الحركة العمالية اليهودية فرصة للسيطرة على العمل من خلال السيطرة على الأرض. والوسائل التعاونية التي تطورت في مراحل سابقة أصبحت تُطبق بعد ذلك لضمان الاستيطان والمأسسة، كمواصفات مميزة للقطاع الاقتصادي الجديد في فلسطين.
وتضمنت هذه الحركة العمالية الجديدة يهودًا فقط، وتكونت من قطبين أساسيين: الصندوق القومي اليهودي والذراع الصهيونية المسؤولة عن الاستيلاء على الارض، ونقابة العمال “الهستدروت”. وكان هدفهم إبعاد الأرض والعمل عن السوق الاقتصادي من أجل منع من الفلسطينيين من الانخراط فيه.
وبينما ركزت الموجة الأولى من المهاجرين اليهود على تأسيس مجتمع يعتمد على فوقية وتفوّق “اليهود” كعرق، بنيت سياسة الموجة الثانية من الاستيطان على فصل العرب الفلسطينيين والتخلص منهم كونهم يشكلون تهديدا لسوق العمل. وعلى الرغم من أن جميعهم كانوا كباقي الصهاينة، إلا أن شريحة كبيرة منهم عبرت عن استعدادها للتعاون مع الفلسطينيين معتبرة أن الشراكة هي الوسيلة الوحيدة للتقليل من الخطر الديموغرافي الفلسطيني.
طور المزارعون اليهود في فلسطين توجهًا قوميًا عسكريًا تجاه الفلسطينيين نتيجة لفشلهم في طردهم من أعمالهم في المصانع اليهودية. ونتيجة لهذا الفشل، شددوا على الاستعمار الديموغرافي وعززوا استخدام استراتيجية الإقصاء، وهكذا تحولت آمال العمال اليهود من رأسمالية إلى حلول سياسية. لذلك اعتبروا أنفسهم جنودًا للمؤسسة القومية العامة، مثل المنظمة الصهيونية العالمية، وقرروا العمل كشبه دولة لضمان “الأمن الوطني”. هذه “القومية الرأسمالية” كانت المفتاح لنجاح الصهيونية، وعليه أصبح الاقتصاد الإسرائيلي المفتاح الأساسي، وبات متعلقًا بالدعم القومي وموجّهًا وفق اعتبارات سياسية وقومية.
وما يثير السخرية هو أن الحركة الاستيطانية العمالية اعتمدت على الدعم المادي المقدم من صهاينة الطبقة الوسطى الذين لم يرغبوا بالاستيطان بفلسطين بأنفسهم. وانعكس هذا التناقص في التعريف الساخر للصهيوني، وهو: “الشخص الذي يتبرع بأمواله لشخص آخر من أجل إدارة هجرة شخص ثالث إلى فلسطين”.
ولم يكن الفرق بين موجتي الهجرة الأولى والثانية لليهود قوة الانتماء الأيديولوجي لكل واحدة منها، لكن خلال الفترة الفاصلة بينهما أنشأ التحالف بين المنظمة الصهيونية العالمية وحركة العمال اليهودية مؤسسات “الاستيعاب”، وهي مكاتب تنظيم واستقبال المهاجرين اليهود إلى فلسطين، والمعروفون باسم: القادمون الجدد.
المصدر : من كتاب “من هو الإسرائيلي” “מיהו ישראלי” لِـ “يوآف بيليد وغرشون شبير” יואב פלד וגרשון שפיר
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…