“هناك رابطٌ مباشرٌ بين تفشي نظريات المؤامرة، وبين حضور المخابرات في الحكم والإعلام، في دولة غالبية قياداتها وكلاء سرّيون، حيث من الطبيعي أن تدور أعمال الحكم في الظُلمات”. ليبوفيتش يشيعياهو.
في أيلول/سبتمبر من عام 1999، وقع انفجارٌ ضخمٌ في العاصمة موسكو بالإضافة لبلدتين روسيتين، وراح ضحيته 300 شخصًا، نتيجة انفجار آلاف الكيلوجرامات من المتفجرات. حينها، أعلنت السلطات الروسية، وبعد انتهاء تحقيقاتها، أنّ مسلمي القوقاز هم من وقفوا وراء التفجير. وبشكل فوريّ، أعطى فلاديمير بوتين الأمر بتفجير العاصمة الشيشانية “غروزني”، وكانت حربًا “تشتشنيا الثانية”، التي سمحت لبوتين بالسيطرة الكاملة على روسيا بيدٍ قوية.
بعد التفجير بأيام، طفت على السطح أسئلة عديدة عن مدى صدق الرواية الرسمية لروسيا. حيث في بلدة “ريزان” الروسية، تم إحباط عملية تفجيرية بعدما لاحظ مواطنٌ وجود متفجراتٍ في مخزن أحد المباني، إلّا أنّ رأس المخابرات الروسية (المخابرات التي ورثت الـ(كي جي بي)) صرّح بأنّ ذاك العمل هو من تنفيذ مخابراته، لغرض فحص تـيَّـقظ المواطنين.
في السيرة الذاتية التي كتبتها الصحافية “ماشا جيسين” عن بوتين، وردت ادعاءات مفادها أنّ المخابرات العامة الروسية هي من نفذت تفجيرات عام 1999، لإظهار قوة بوتين وتماسكه، ولبث الرعب، بحسب جيسين. قبل تعيينه رئيسًا لروسيا، كان بوتين قائدًا للـ(كي جي بي)، وبحسب أقوال جيسين، لم نعرف حتى اللحظة إن كان ما يزال يعمل لحساب المخابرات. كما تشير أقوالها إلى إثباتات تؤكد أن الـ(كي جي بي) زرعت بوتين داخل النظام، للسيطرة على روسيا منذ التسعينيات.
حينها، دارت شبهات حول صدق الرواية الروسية فيما يتعلق بالتفجيرات، أهي فعلٌ مدبرٌ من قبل المخابرات؟ أم من أفعال إرهابيي القوقاز؟ إنّ عدم الوضوح هذا شكّل في المستقبل انعدامًا لثقة الناس بالحكومة ومؤسسات الدولة.
في إسرائيل أيضًا، تفوح رائحة نظرية المؤامرة، فلا يكاد يقع حدثٌ حتى تشيع عدة سيناريوهاتٍ غير مطابقة للرواية الرسمية. ففي أعقاب عملية نشأت ملحم بشارع “ديزنغوف” بتل أبيب، لاحت أسئلة كثيرة عن طبيعة سلوك المنفذ قبل وبعد العملية. عند اليمين الإسرائيلي، هبت رياح نظرية المؤامرة، معتقدين بأنّ عرس الانتقام –الذي رُفعت فيه صورٌ للرضيع علي دوابشة بين السكاكين- هو من تخطيط المخابرات، لغرض شرعنة تعذيب منفذي عملية قرية دوما. وخلال جلسات المستوطنين، يدور الحديث أن جهاز الشاباك يدرب شبانًا لصد مجموعة “شبيبة التلال”، التي يشكّل أفرادها الجيل الشاب الثاني من المستوطنين. أما بالنسبة لليسار، فتشيع أقوالٌ تدَّعي أن الحريق الذي اندلع في مكتب “بيتسيليم” لم يكن إثر تماس كهربائي، بل فعلٌ مدبرٌ من تنظيم “عاد كان”، بل وشاع أيضًا أن المشرف على التحقيق في ملابسات الحريق تربطه علاقاتٌ قويةٌ بجهاز الشاباك.
صدق ليبوفيتش
ما التفسير للإحساس الطاغي، والذي مفاده أن ما يدور في الدولة يمر عبر أجسامٍ سريّةٍ؟ ذلك لاحتمالية أن تكون يد المخابرات الطولى مزروعةٌ في الدولة. حيث أنّ تعيين نائب رئيس جهاز الشاباك لــ“روني الشيخ”، كقائد عام للشرطة، هي نقطة في هذا المنحنى. فالمدير العام لبنك “إسرائيل”، والمدير العام لسلطة الآثار، هما رجلان سابقان للشاباك. وفي الكنيست أيضًا، تتواجد رجالات المخابرات الآن أكثر من أي وقتٍ مضى. أما من يقف في معسكر اليسار المعارض لنتنياهو، فهو يوفال ديسكين، رئيس جهاز الشاباك الأسبق.
صحيح أن المخابرات عملت بسرية تامة، إلا أنها الآن تقتحم الساحة العامة الإسرائيلية، لتشكل على ما يبدو مرحلة جديدة في الثقافة السياسية الإسرائيلية. فالشاباك حاضرٌ في الحكم والإعلام والتعليم، فعلى سبيل المثال: تغيرت استوديوهات التلفاز، ولم نعد نرى محللين عسكريين يقدمون المعلومات، بل بتنا نرى وجوهًا جديدةً، ألا وهي قيادات سابقة للمخابرات. على المشاهد أن يعتاد على المشهد الجديد، والذي يحوي قيادات لانعرف عنها شيئًا.
في هذا الوقت، عليَّ أن أذكركم بما قاله “يشعياهو ليبوفتيش” عام 1968، حين ادّعى أن الاستمرار في الاحتلال سيؤدي لانهيار المجتمع الإسرائيلي، وورد على لسانه أن “العرب سيكونون هم العمال. ونحن الأسياد والمراقبين والشرطة والشرطة السرية”. وأضاف: “دولة تسيطر على مليونين من العرب، بالطبع ستكون دولة (شين بيت)”.
على ما يبدو أن أقوال ليبوفيتش ستتحقق قريبًا، هذا إن لم تكن قد تحققت أصلًا. إن المجتمع الإسرائيلي قادرٌ على استيعاب التغيّرات والتكيّف بسرعة. بشكل أو بآخر، أصبحت الديمقراطية منذ زمن شعار يرافق اليسار فقط. إنّ حضور الشاباك بقوةٍ في جهاز التربية والتعليم يـُـنظر إليه كإضافة ممتازة، حيث اعتــُـبرت فكرة بيني شملوفيتس، والقاضية بإدخال تخصص في مدرسة ثانوية تحت عنوان “إيران والاستخبارات” في بيتاح تيكفا؛ أمر في غاية الأهمية حيث يلاقي الانخراط المبكّر لدى جيل الشباب في سلك المخابرات ترحابًا واسعًا، وهذا يساعد في تشكّل صورة البطل (أي رجل المخابرات) في أعين الشباب.
اسم الكاتب: عوفر أليني
المصدر: موقع جريدة هارتس
رابط المصدر : http://www.haaretz.co.il/magazine/the-edge/.premium-1.2820897
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…