تستند عمليّة خصخصة الحواجز، أو كما يُطلق عليها مخطّطوها  “مدننة المعابر” على قرارٍ حكوميٍّ منذ عام 2003، وفي  العام 2006 تمّ خصخصة أربعة حواجز مركزيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة، بعيدًا عن أنظار الإعلام ومن دون إثارة الرأي العام.

في أيامنا، وعلى الرغم من الاهتمام العام الكبير بالمواضيع التي تخصّ الاحتلال والأمن؛ فإنَّ قلّة الذين يعلمون بإنَّ غالبيّة الحواجز الحدوديّة لا يشغّلها جنود وشرطة، إنّما يشارك في تشغيلها موظفون في شركات أمنٍ خاصة.

نزع تسييس الحواجز

يستعمل مخططو الحواجز المخصخصة (التابعة لشركات خاصة) مخزنًا من المفردات الذي يشمل تجديدات عديدة؛ فبينما يُطلق الجيش -مثلًا- على نقاط التفتيش الاسرائيليّة مصطلح “حواجز”، الذي يشدّد على كونها النقاط التي توقف وتمنع/ تصد الحركة، فإنَّ عملية الخصخصة حوّلت الحواجز الجديدة إلى “معابر” أو حتى إلى “محطات”. ووفق هذا المبدأ، غالبًا ما تُوصف عمليّة التحقق من الأوراق الثبوتيّة- بحسب مشغّلي الحواجز- بوصفها “خدمات”، حيث تُلزم “وزارة الدفاع” الشركات الخاصّة بإخضاعِ موظفيها من حينٍ إلى آخر لورشاتِ عملٍ تدريبيّة تتعلق بـ”خدمات الزبائن”.

يوضّح أحد المسؤولين في “وزارة المعابر”، بأنَّ توفير خدمة جيّدة يجب أن يُقابل بالاحتياجات الأمنيّة وذلك بهدف إيجاد توازن، ويقول: “نحن نقدّس التوازن، هذا هو شعارنا. والشعار الذي يرافقنا منذ بداية الطريق هو ميزان، على أحدِ كفتيه أمن وعلى كفته الأخرى خدمة. أما توجّهنا فهو إن من يعيش في الجانب الآخر هو زبون وليس عدوًا”. مشيرًا إلى أنَّ الفلسطينيين هو الجمهور المستهدف الذي أُقيمت من أجله نقاط التفتيش ورافضًا وصفهم بالـ”عرب” كما يسمّيهم الجيش، إنما “مسافرون” أو حتى “زبائن”.

تخلق هذه التغييرات في المفردات لغةً جديدة تخفي أكثر مما تُظهر، كما أنَّ خصخصة الحواجز حدثت وسط هدوء نسبي ولم تحظَ باهتمامٍ كبير، ليس داخل المجتمع الإسرائيلي فحسب، إنما لدى جمعيات حقوق إنسانٍ فلسطينية وإسرائيلية ودولية أيضًا. أما من وجهة نظر المارّين على الحواجز، فإنَّ الخصخصة ليست إلّا تغييرًا شكليًا/تجميليًا، كما أنَّ الخصخصة المفاجئة لبعض الحواجز لم تُظهر أيّ تغيير.

يصعب التمييز بين المزيج من ممثلّي الأجسام الأمنية المختلفة ( جنود الاحتلال، شرطيين، شرطة الحدود، أفراد وزارة الدفاع وعمال شركات الأمن الخاصة) فزيّهم غالبًا متشابه، ممّا يُصعّب التفريق بين عمّال شركة الأمن الخاصة وبين سائر مشغّلي الحواجز.

لم تتغير علاقات القوة الأساسيّة بين المارّين بالحواجز وبين مشغّليها، كما لا تزال إجراءات التفتيش والمرور تعسفيّة. وحتى لو أخذ التفتيش صورة أكثر تهذيبًا، فإنَّ تعليمات ورشات العمل “لخدمات الزبائن” توضّح بأنَّ التغيير هو ذا طابعٍ شكليٍّ بحت. إنَّ لغة “تقليل الاحتكاك” لا تعدو كونها لغةً إداريةً تستبدل الخطاب العسكريّ وتظهر أمورًا ذات جوهرٍ سياسيٍّ على أنّها غير سياسية، أمورٌ “مدنية”.

وفق هذا المفهوم، فإنّ خصخصة الحواجز هي حلقة من سلسلة تغييرات في شكل إدارة الاحتلال، التي لا تهدف الى حلّ المشاكل الجوهريّة التي يحدثها، إنما إخفائها وتغطيتها.

المصدر: معهد فان لير – القدس

رابط المصدر: http://www.vanleer.org.il/sites/files/product-pdf/הפרטת%20המחסומים%20PDF.pdf

مريم هواري

أنهت دراسة القانون من جامعة حيفا.

Recent Posts

طائرة القنابل: صنعت خصيصًا للفلسطينيين

طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…

سنتين ago

تهجير المسيحيين بعيد الفصح

يستعدّ المسيحيون  للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…

سنتين ago

شهاداتهم عن تهجير حيفا

قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…

سنتين ago

مسيرة الرقص الاستيطاني

باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…

سنتين ago

10 أعوام من تاريخ منع الأذان

يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…

سنتين ago

وحدة الوعي.. رادار لاعتقال المقدسيين

لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…

سنتين ago