تستغل “إسرائيل” حالة الطوارئ القائمة جرّاء جائحة كورونا، لتصعيد هجماتها الممنهجة ضد الأراضي الفلسطينية، التي وُضعت سابقًا ضمن مخططاتها الهادفة للسيطرة عليها، وتحويلها لتكون جزءًا من المستوطنات، وسط التوجه إلى تشكيل حكومة جديدة تنفذ مخطط الضم بدعم من الإدارة الأمريكية. ما عنونه البعض بـ “أمننة الكورونا”.
هذه المادة المترجمة عن “المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي” بعنوان “تتحدث عن تبعات ضم الضفة الغربية إلى “إسرائيل” حال حدوثه، وذلك على المستوى الإقليمي والدولي.
ضم الضفة: الضم برعاية كورونا (جـ 2)
بالنظر إلى المخاطر، ما هو الوزن الذي ستعطيه الحكومة الإسرائيلية لاحتمال انهيار السلطة الفلسطينية بعد عملية الضم؟ أو اختيار إعادة المفاتيح إلى دولة “إسرائيل” (إعادة إدارة السلطة والحكم الذاتي إلى الاحتلال)؟ حينها، سيتعين على “إسرائيل” تحمل المسؤولية على جميع السكان الفلسطينيين، من جميع جوانبها، دون مساعدة من المجتمع الدولي، كما هو الحال اليوم.
إضافة إلى ذلك، ومع حالة الانتشار المتجدد لوباء الكورونا، ما هو الاهتمام الذي يمكن لحكومة “إسرائيل” أن توليه للتعامل المباشر مع تفشي الوباء؟ مع زيادة كبيرة في معدلات المصابين والوفيات،
في المقابل تتطلب في الوقت نفسه معالجة الأزمة الاقتصادية وضرورة الاهتمام للرفاهية الأساسية للسكان الفلسطينيين في مناطق الضفة التي سيتم ضمّها (بحسب الخريطة الهيكلية المصغرة حوالي 20,000)، وفي ذات الوقت فإن إدارة حملة عسكرية تتطلب تجنيد كامل لقوات الاحتياط.
في ظل ذلك، قد تؤدي تسلسل العواقب السلبية غير المقصودة جراء الضم إلى استياء واسع لدى الجمهور ورفضه دفع الثمن الأمني والاقتصادي. ومن الممكن بعد ذلك أن تولد حركة احتجاج اجتماعي وسيخرج الناس إلى الشوارع، كما أن محاولات نظام الأمن لمحاربة وباء كورونا سوف يوجه لمعالجة التهديدات الأخرى مثل: “الساحة الفلسطينية، والساحة الشمالية، والتسلل وتهريب الأسلحة، والوضع المماثل على الجبهة الجنوبية، ومواجهة قطاع غزة ومصر”، وذلك دون تعاون مع الأردن في تأمين أطول حدود “إسرائيل”.
قد تجد قوات تطبيق القانون نفسها في هذه الظروف التي تتراوح بين الحفاظ على الإغلاق وتنفيذ نظام الصحة العامة، وبين فض الاحتجاجات الجماهيرية ضد الضم في “إسرائيل”، في كل من المجتمعين العربي واليهودي.
ومن المتوقع أن ينقطع التواصل بين المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي، التي ليست مترابطة على أي حال، نتيجة لعملية الضم، وهذا بينما يواجه الجمهور الوباء في ظل الصعوبات الاقتصادية المستمرة والمتنامية.
بالنظر إلى السلطة الفلسطينية، يتضح أن الرغبة من منع دخول الفيروس إلى أراضيها دفعها لسلسلة من الإجراءات المسؤولة والفعالة، بما في ذلك تقليل الحد الأدنى لعدد العاملين الفلسطينيين لدى أماكن العمل الإسرائيلية، ولهذا القرار أهمية اقتصادية مباشرة على “إسرائيل”، وليس فقط على الساحة الفلسطينية.
قبل أزمة كورونا، كان هناك 140 ألف عامل فلسطيني يعملون في “إسرائيل”، خاصة في قطاعات البناء والصناعة والزراعة، وإيقاف دخول العمال كرد فعل للسلطة الفلسطينية على تطبيق السلطة الإسرائيلية في الضفة الغربية، أو بسبب التصعيد الأمني في أراضي السلطة الفلسطينية، سيجبر “إسرائيل” على إغلاق أراضيها، وهذا سيعني المزيد من الضرر للاقتصاد الإسرائيلي وقدرته على التغلب على أزمة كورونا.
أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فهو منشغل بالتعامل مع وباء كورونا في هذا الوقت، لكن يجب ألا ننسى أن هذا هو نفس المجتمع الذي يعارض بشدة ضم “إسرائيل” للضفة سواء كلها أو جزءًا منها، ومن المتوقع أن تلتزم بهذه المقاومة حتى في اليوم التالي لكورونا.
ومن المرجح أن تكون الاستجابة لهذه الخطوة بطيئة، بالنظر إلى الظروف، ومع ذلك سيأتي النقد والاعتراض.
في ديسمبر 2019، ذكر بنيامين نتنياهو فكرة الضم على الرغم من عدم وجود نية فورية أو القدرة على القيام بذلك، حينها تم الرد على البيان في بيان إدانة من المحكمة الجنائية الدولية لاهاي.
بهذا الشأن، حذر النائب العام أفيخاي مندلبليت نتنياهو من أن خطوة الضم قد تؤدي إلى تحقيق جنائي دولي ضد جنود الجيش الإسرائيلي وضباطه، ومسؤولي الخدمة المدنية، وحتى سلطات الضفة بشأن الأنشطة الإسرائيلية هناك.
كما أوضحت الدول الأوروبية سابقا أنه يجب وضع علامة على المنتجات الإسرائيلية المصنعة في مستوطنات الضفة، حتى المخاطرة بخطوات جزئية من قبل دول الاتحاد الأوروبي ضد تسويق المنتجات من المستوطنات، التي سيتم اتخاذها نتيجة لضمها إلى حد ما، هي مخاطر غير ضرورية لأن الخطوات الرمزية من الممكن أن تتوسع وتتفاقم.
يجب الأخذ بالاعتبار النفوذ الاقتصادي للاتحاد الأوروبي على “إسرائيل”، إذ بلغ التصدير الإسرائيلي إلى دول الاتحاد الأوروبي من السلع 9.1 مليار دولار في النصف الأول من عام 2019، أي حوالي 38% من جميع الصادرات الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، من المهم النظر في إمكانية أن يجلس في البيت الأبيض جو بايدن في يناير 2021، ومن المحتمل أن يكون هناك تغيير في سياسة الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وكان بايدن أمد على أنه “يجب أن نضغط باستمرار على الإسرائيليين للتحرك نحو حل الدولتين”. يبدو أن تطبيق السلطة الإسرائيلية على مناطق في الضفة، وتحت رعاية إدارة ترامب، يسبب توترات بين “إسرائيل” والديمقراطيين ستعمل على تحديث التوجهات السياسية الأمريكية بشأن هذه القضية.
كما قد تجد القوات نفسها تطبق القانون في هذه الظروف ما بين الحفاظ على الإغلاق وإنفاذ نظام الصحة العامة، وبين المظاهرات الحاشدة ضد مسار الضم في “إسرائيل”، في كل من القطاعين العربي واليهودي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن ينهار الاتصال بين المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي نتيجة لعملية الضم، ويأتي ذلك بينما يكافح الجمهور الوباء في ظل الصعوبات الاقتصادية المستمرة والمتزايدة.
إن المجتمع الدولي الذي ينشغل الآن بجائحة كورونا هو ذاته الذي عارض فكرة ضم الضفة الغربية -جميعهم أو جزء منهم-، وهو ذاته سوق معارضة هذا الضم باليوم ما بعد كورونا، ومتوقع أن رد الفعل لهذا سيكون بطيئًا، ولكنه سوف يحدث.
في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019 صرح بنيامين نتنياهو عن فكرة الضم على الرغم من عدم تصريح النية للقيام بذلك. وبكل الأحوال، تم الرد على هذا التصريح من قبل المدّعية العامة للمحكمة الجنائية “هاغ باتو بنسودا”، وقد تم تحذير نتنياهو من محاكمة جنائية دولية ضد جنود وضباط بالجيش الإسرائيلي، وحتى ضد مسؤولي الخدمة الدولية ورؤساء السلطات في الضفة الغربية بخصوص النشاط الإسرائيلي هناك.
أمّا بالنسبة للأردن، فإن العلاقات مترددة بالفعل، وسوف تتضرر أكثر حتى أنها قد تشكل خطرًا فعليًا على اتفاقية السلام، ويظهر ذلك في إرجاع منطقة النهارين (الباقورة) بعد 25 سنة من التأجير، وعدم تمكن “إسرائيل” من الوصول لاتفاق لتمديد المدة.
وكان ملك الأردن عبد الله حذّر في الماضي خلال تطرّقه لأقوال نتنياهو عن الضم أنها وعد انتخابي، من أن يكون لهذا الاتجاه آثار بعيدة المدى على اتفاقية السلام بين الدول، بما في ذلك اتفاقية السلام بين “إسرائيل” ومصر.
ضم مناطق فلسطينية سوف يؤدي إلى دعم الجمهور العربي والمسلم للفلسطينيين ودعم معارضتهم لهذه الخطوة، كما هو الحال تمامًا ضد خطة ترامب، على الرغم من الفكر المناقض لدى مُبري الصفقة بالحكومة الأميركية، وتقدير الجهات الحليفة لها في العالم العربي أن تنفيذ المخطط هو سيناريو غير محتمل، لذلك لا يوجد سبب للخلاف مع الحكومة بهذا الخصوص.
وحتى لو كان هناك حالة من الإرهاق من القضية الفلسطينية، فإن الأنظمة سوف تطالب بالرد على ضغوطات الشارع التي ستظهر العدوان ليس فقط على الشعب الفلسطيني، ولكن على الأمة العربية كلها.
على الرغم من وجود رغبة متبادلة بالعقد الحالي في تعزيز العلاقات مع “إسرائيل” على أساس المصالح الاستراتيجية المشتركة، فإنه لا ينبغي الاستنتاج بأن هناك أساسًا متينًا لدول المنطقة للتصالح مع عملية الضم الإسرائيلية من جانب واحد.
المصادر:
(1) “معهد أبحاث الأمن القومي”: https://bit.ly/2WKw5Av
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…