تستغل “إسرائيل” حالة الطوارئ القائمة جرّاء جائحة كورونا، لتصعيد هجماتها الممنهجة ضد الأراضي الفلسطينية، التي وُضعت سابقًا ضمن مخططاتها الهادفة للسيطرة عليها، وتحويلها لتكون جزءًا من المستوطنات، وسط التوجه إلى تشكيل حكومة جديدة تنفذ مخطط الضم بدعم من الإدارة الأمريكية. ما عنونه البعض بـ “أمننة الكورونا”.
هذه المادة المترجمة عن “المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي” بعنوان “تتحدث عن تبعات ضم الضفة الغربية إلى “إسرائيل” حال حدوثه، وذلك على المستوى الإقليمي والدولي.
الضمّ برعاية كورونا (جزء 1)
تُعد فترة وباء كورونا فرصةً ذهبية لـ “إسرائيل” تقوم باستغلالها في ضم مناطق “يهودا والسامرة” إليها، في ظل انشغال رؤساء الدول بمحاربة الفيروس، وانشغال الولايات المتحدة بمشاكل داخلية في أوج الانتخابات المقبلة بشهر نوفمبر.
(سيتم استخدام مصطلح الضفة الغربية في المادة بدلًا من يهودا والسامرة المستخدم في المادة الأصلية).
بحسب التوجّهات، ترامب لن يحصل على الرئاسة مرة أخرى، بالتالي هو يبحث عن إرضاء وموافقة الجمهور اليمني الإنجيلي التي تتماشى مع فكرة ضم أراضٍ لـ “إسرائيل”، إذ ترى الأخيرة تلك فرصة لا تعوض يجب استغلالها لتطبيق السيادة الإسرائيلية كجزء من “الاستراتيجية الوطنية الكلية” لفكرة “إسرائيل”.
كما أن وعد نتنياهو الانتخابي بضم منطقة غور الأردن وفرض السيطرة والسيادة الإسرائيلية بمناطق الاستيطان قوبلت بالموافقة ضمن مخطط الرئيس ترامب المتمثل بـ “صفقة القرن” لحل الصراع الإسرائيلي العربي.
لا فرق ما بين فرض القانون أو فرض السيادة، في كلتا الحالتين المعنى هو ضم مناطق الضفة الغربية، أمّا في حالة الجولان فإن التفرقة ما بين المصطلحين كانت من منطق تقني-قانوني، إذ أن المنطقة كانت جزءًا من سوريا قبل يونيو 1967، و”إسرائيل” لم تفرض على المنطقة القانون السوري لذلك تطلب الأمر إطارًا قانونيًا آخر.
بعد ذلك، ادّعت “إسرائيل” أن تطبيق القانون في الجولان لا يعني بالضرورة فرض السيادة، إلا أنه في الضفة المنطق هو فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي، وليس هناك ادعاء بأن هذه مجرد عملية تقنية للراحة أو لتطبيق القانون.
مع ذلك، ونظرًا لأن مصطلح “الضم” يحتوي عادة على دلالات سلبية لأنه يُمكن فهم أن المنطقة غير تابعة للجهات التي تريد أن تضم، فإن المبادرين والمروجين، على ظلالهم، عادة ما يحرصون على تجنب استخدامه ويفضلون التعامل مع القضية كـ “تطبيق القانون” أو “تطبيق السيادة”.
نرى هذا التوجه باتفاق التحالف المبرم ما بين كتلة “الليكود” وكتلة “كاحول لافان” الذي تضمن نصّه: “بكل ما يخص بيان الرئيس ترامب “صفقة المئة”، فإن رئيس الحكومة نتنياهو ورئيس الحكومة المناوب بيني غانتس سيعملان بموافقة تامة للولايات المتحدة، بما في ذلك موضوع الخرائط مع الأمريكيين، بهدف المحافظة على الاستقرار المحلي والمصالح الأمنية لـ “إسرائيل”، والإبقاء على موافقات السلام وإبرام موافقات سلام مستقبلية”.
على الرغم مما سبق، سوف يقوم رئيسا الحكومة الاستشارية والمناوبة بمبادئ ما ذُكر أعلاه، حتى توافق الولايات المتحدة على تطبيق سيادة “إسرائيل”، وذلك ابتداءً من الأول يوليو/تمّوز 2020 لمناقشته وإقراره أمام “كابينت”، ثم أمام وزراء الحكومة والكنيست.
هنالك العديد من الصفات لفرض السيطرة أو الضم، ولكل واحدة طريقتها ونهجها:
الأولى هي ضم مناطق الاستيطان فقط في اتجاهين: وذلك يكون إمّا بالمنطقة المبنية ومحيطها القريب (أقل من 4 في المائة من يهودا والسامرة)، أو ارفاق السلطة القضائية للمستوطنات (ما يقرب 10 في المئة من الأراضي).
أمّا الثانية فهي ضم المناطق الاستيطانية، التي تحظى بتوافق واسع في الرأي لدى الجمهور الإسرائيلي، وتقع في الغالب إلى الغرب من مسار الجدار الأمني (حتى 10٪ من الأراضي).
في حين الطريقة الثالثة هي ضم منطقة غور الأردن (حوالي 17% من الأراضي)، والرابعة هي ضم كل مناطق “ج” (حوالي 60% من الأراضي).
بينما الطريقة الخامسة هي ضم جميع الأراضي التي سيتم ضمها إلى أراضي “إسرائيل” حسب مخطط الرئيس ترامب وتشكل هذه نصف المنطقة “ج”، التي تمثل 30% من الضفة الغربية (%17 – غور الأردن، %3 – منطقة الاستيطان، 10% – الكتل الاستيطانية وطرق المرور).
في المقابل، ستسلم “إسرائيل” النصف المتبقي من المنطقة “ج” إلى الفلسطينيين، إضافة إلى جنوب جبال الخليل ومنطقتين في النقب سيتم ربطهما بقطاع غزة.
من الجدير بالذكر أن إجراءات الضم من جهة والتأقلم مع أزمة كورونا من جهة أخرى، هي خطوات فيها مخاطر كبيرة في ظل ظروف غير مؤكدة.
في سياق فيروس كورونا، تقدّم الحكومة الإسرائيلية نهجًا حذرًا للغاية، إذ أنها على استعدادٍ لدفع ثمنٍ باهظٍ من الناحية الاقتصادية، وفي النسيج الاجتماعي للحياة في “إسرائيل”، وعلى المخاطرة بإصابة الروح من ناحية أخرى.
ومن الواضح أن العناصر السياسية التي تشكل الحكومة لا تتردد من فكرة دفع ثمنٍ دولي- أمني الذي يمكن أن يؤثر بسبب عملية الضم.
حتى لو صدر القرار بالضم وتم تطبيقه بموافقة ترامب، فمن الممكن أن تقوم “إسرائيل” بضم مناطق صغيرة كتمهيدٍ لضم مناطق أكبر؛ وذلك لفحص ردة الفعل الدولية للعملية، في الوقت الذي ينشغل العالم فيه بأزمة كورونا. ولكن في الواقع، سيثبت أن “إسرائيل” ليست لديها نية حقيقية للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، بل سيظهر اعترافًا إسرائيليًا بأن شرعية تطبيق السيادة في أراضي الضفة الغربية محدودة ومشروطة في المقام الأول بدعمٍ من رئيسٍ أمريكي معين.
كما هو موضح في “صفقة القرن”، قبلت حكومة ترامب للمرة الأولى المتطلبات الإسرائيلية لضم جميع المستوطنات والكتل الاستيطانية وغور الأردن، حتى إلى المناطق التي تحكم غرب غور الأردن.
بهذا الشأن قال سفير الولايات المتحدة لدى الاحتلال ديفيد فريدمان: إن “إسرائيل” ستنتظر انتهاء “لجنة الستة”، (تضم ثلاثة مندوبين أميركيين وثلاثة مندوبين إسرائيليين)، لتكييف الخريطة المقترحة مع أرض الواقع من أجل تطبيقها.
عند إذنٍ سوق تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية في المناطق غير المخصصة لدولة فلسطينية، وبعبارة أخرى، لأول مرة في تاريخ محاولات تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أدخلت الإدارة الأمريكية شروطًا تسمح لـ “إسرائيل” بضم الأراضي من جانب واحد، دون التفاوض مع طرف فلسطيني والاتفاق.
في غضون ذلك، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل: “نعيد ونُكرر أن أي ضم يشكل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي، وأن موقف الاتحاد الأوروبي بشأن الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967 لم يتغير، سيواصل الاتحاد الأوروبي مراقبة الوضع عن كثب وانعكاساته
الأوسع، وعلى حسبه سوف يتصرف”.
من ناحية أخرى داخل المجتمع اليهودي في “إسرائيل”، نرى أن فكرة الضم تتراوح ما بين اللامبالاة، ودعم يزداد بمرور الوقت.
ووفق نتائج استطلاع أجراه معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أواخر عام 2019 (كجزء من مشروع استطلاع الرأي العام المستمر والمحدث)، فإن معدل الدعم لضم جميع مناطق الضفة يبلغ 7%، بينما الدعم لضم جميع المناطق “ج” بنسبة وصل لـ 8%؛ في حين الدعم لضم مناطق الاستيطان بلغ 13٪.، ودعم كتل الاستيطان بلغ 26٪ من المستطلعين.
كما تضمن الاستطلاع سؤالًا حول الخيار الجيد لـ “إسرائيل” وجاءت النتائج أن 14٪ من المستطلعين دعموا الوضع القائم، و23٪ أيدوا الترتيبات الانتقالية للانفصال عن الفلسطينيين ضمن سعيهم للتوصل إلى اتفاق شامل، في حين طالب 36٪ بعمل تسوية شاملة، و17% أيدوا ضم الكتل الاستيطانية، في حين أعرب 9% فقط من المستطلعين عن تأييدهم لضم جميع الضفة الغربية لـ “إسرائيل”.
أمّا فيما يتعلق بردود الفعل المحتملة لعملية الضم من طرف واحد هناك افتراضان متعارضان: الأول هو افتراض أنه لن يحدث شيء دراماتيكي، لأن الأرض لم تهتز، على عكس المخاوف والتحذيرات، بعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
إضافة إلى ذلك فإن رد الفعل الصغير على هذه الخطوة، إذا تم على الإطلاق، تم تفسيره من خلال انشغال الساحة الدولية بشكل عام والساحة المحلية بشكل خاص بالقضايا والصراعات الأكثر إلحاحًا.
وهذه المرة، باستثناء أن العالم منشغل بمكافحة وباء كورونا، فقد كان هناك إرهاقًا كبيرًا في السنوات الأخيرة من محاولة المضي قدما في تسوية إسرائيلية فلسطينية، التي تبدو عقيمة، والانطباع هو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس القضية المركزية في الشرق الأوسط.
ووفقًا لهذا التقييم، كلما كان نطاق الضم محدود، فإن احتمال حدوث عاصفة بسببه منخفض جدًا.
في حين يأخذ الافتراض الثاني التهديدات من قبل المتحدثين الفلسطينيين على محمل الجد، ويتوقع ضغوط من الجمهور الفلسطيني، وكذلك في الدول المجاورة، والرد سوف يكون قاس قوي بسبب عملية الضم.
ويقدر هذا الافتراض أنه في كل مسار الضم، هناك مقاومة فلسطينية حازمة وعنيفة، ومن المتوقع وقوع هجمات وعمليات، بالإضافة إلى عواقب سلبية أخرى مثل نهاية التنسيق ما بين قوات الأمن الإسرائيلية وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية؛ إضافة إلى أضرار جسيمة لعلاقة السلام بين “إسرائيل” والأردن وربما مع مصر؛ وقطع العلاقات، غير الرسمية، مع دول الخليج؛ واستقرار المجتمع الدولي ضد “إسرائيل” حتى حد فرض العقوبات والمقاطعة.
إن الانتقادات السلبية لفعلٍ كهذا من الممكن أن تؤدي إلى تذمّر جماهيري ورفض لدفع الثمن الأمني والمادي، ومن رفض كهذا، من الممكن أن ينشأ احتجاج اجتماعي يجعل الناس تخرج إلى الشارع.
كذلك فإن الانصياع التام لنظام الأمن بالتنصت والترقب لجائحة كورونا سوف يجعل النظام يوجه عمله لمعالجة التهديدات الأمنية بالجهة الفلسطينية، وذلك بدون تعاون السلطات الأردنية بفرض الأمن على الحدود.
حتى من خلال التوجيهات والافتراضات، فإن إجراءات الضم والتعامل مع أزمة كورونا، هي خطوات لإدارة المخاطر في ظل ظروف غير مؤكدة.
وفي سياق وباء كورونا، تقدم الحكومة الإسرائيلية نهجًا حذرًا للغاية مصممًا لتقليل أكبر قدر ممكن من مخاطر “إصابة الروح”، مع استعدادها لدفع ثمن باهظ من الناحية الاقتصادية وفي النسيج الاجتماعي لـ “إسرائيل”.
من ناحية أخرى، من الواضح أن العناصر السياسية التي تشكل الحكومة لا تخجل من دفع ثمن أمني سياسي باهظ، الذي قد يصاحب عملية الضم، حتى لو تم ذلك بموافقة إدارة ترامب وتحت رعاية أزمة كورونا، لأنها يُنظر إليها على أنها فرصة للقيام بذلك بينما يتم توجيه انتباه العالم في اتجاهات أخرى.
بالتالي، فإن الإغراء بضم منطقة محدودة النطاق آخذ في الازدياد، حتى إذا تم “بالون التجربة” لاختبار الاستجابات للتحركات التالية مثل: “ضم المنطقة المبنية فقط في المستوطنات، التي تقل عن 4 في المائة من الضفة الغربية”.
ويمكن لمثل هذه الخطوة، إذا اتخذت أثناء انشغال العالم بأزمة كورونا الاثبات أن “إسرائيل” ليس لديها نية حقيقية للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، بل سيظهر اعترافًا إسرائيليًا بأن شرعية تطبيق السيادة في أراضي الضفة محدودة ومشروطة في المقام الأول بدعم من رئيس أمريكي معين.
علاوة على ذلك، فإن دولة “إسرائيل” مطالبة حاليًا بالتعامل مع التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الجسيمة المعقدة في ظل أزمة كورونا. ومع ذلك، فإن المساعي من أجل التعافي الصحي والاقتصادي والاجتماعي السريع لإعادة الاقتصاد والمجتمع إلى الأداء الفعال لا يتماشى مع المخاطر الكامنة في تجديد الانتفاضة والهجمات الإرهابية وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة على جنوب “إسرائيل”، ومع احتمال كبير للامتداد إلى مناطق المركز.
المصادر:
(1) “معهد أبحاث الأمن القومي”: https://bit.ly/2WKw5Av
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…