مقدمة العساس |
زخر الأرشيف الإسرائيلي بالكثير من الملفات والتسجيلات التي وثقت أحداث النكبة عام 1948، ومأساة تهجير السكان الفلسطينيين من أراضيهم، إلا أن الباحث في طيات هذا الأرشيف قد يخرج باستنتاجات مغايرة للواقع عملت الحكومات الإسرائيلية على اختلاقها وتكريسها لتحقيق ذلك بجهد العديد من الباحثين.
كما أن الوثائق المتاحة للاطلاع من محفوظات الأرشيف لا تروي كل الحقيقة، فالكثير غيرها ما يزال مخفيًا رغم انتهاء فترة صلاحية قانون حظر النشر.
هذه المادة المترجمة عن صحيفة “هآرتس”، تتحدث عن الرواية الإسرائيلية التي تم اختلاقها عن أحداث النكبة، وكيفية توثيق تلك الافتراءات عن طريق الأرشيف الإسرائيلي بقرار رئاسي من بن غوريون.
ترجمة العساس |
النكبة بين السطور
حضور النكبة بين إصدارات معهد “شيلواح” كان شيئًا غريبًا في “إسرائيل” خلال فترة الستينيات، لا سيما أن الفكرة من إقامة معهد بحثي إسرائيلي كانت غرار “تشاتهام هاوس”.
صعد “روبن شيلواح” بعد أن رحل من الموساد وانتقل إلى وزارة الخارجية، وبعد وقت قصير من إكماله مخططه للمعهد الجديد توفى، ثم بعد 30 عامًا أعلن رئيس مكتب رئيس الحكومة، تيدي كولاك، أن المعهد سوف يسمى “معهد شيلواح”، قائلًا: “هدف المعهد سوف يكون بحث مشاكل سياسية بمستوى علمي، وسوف يساهم المعهد في التحرّكات العالمية لنشر رؤية إسرائيل حول المنطقة.
وأقيم المعهد كشراكة بين الجامعة العبرية ووزارتي الخارجية والأمن والمجتمع الشرقي الإسرائيلي (الذي جمع كل باحثي الشرق الأوسط) وكان تحت إدارة يتسحاق اورون، الرائد بقوات الاستخبارات التابعة للجيش الإسرائيلي، الذي زوّده بمستندات ومعلومات بشكل متواصل.
خلال سنوات المعهد الأولى، كانت الأبحاث التي تمت ممنوعة غالبًا من النشر، ولم يتم نشرها للجمهور العام، كما أن الباحثين الذين عملوا بالمعهد خلال فترة الخمسينيات أقرّوا أن أنشطتهم كانت سرية، ورأوا بأنفسهم موظفي دولة بشكل تام.
في عام 1965، انتقل المعهد من جامعة تل أبيب، وعلى مدار سنين استمرت علاقاته السرية مع المجتمع الاستخباراتي، حتى تم فصله نهائيًا خلال العشرين عامًا الأخيرة، بينما في 1983 تغيّر اسمه إلى “مركز ديّان”.
بعد النكبة، تم تحديد الانشغال بموضوع اللاجئين الفلسطينيين للصراع الدبلوماسي على الساحة الدولة، رغم أنه لم يكن هنالك محاولة لبحث ما حدث خلال الحرب.
رغم ذلك، كان هناك شخصية وحيدة في المعهد تعلم شيئًا عن خروج الفلسطينيين في 1948، وهو روني غاباي الذي جاء من العراق عام 1950، وحصل بعدها بأربع سنين من على لقب أول، وسافر لإكمال الدكتوراه في العلوم السياسية بسويسرا، إذ كانت دراسته عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
أنهى غاباي الدكتوراه عام 1959، إلا أنه عندما رجع إلى “إسرائيل” وجد نفسه مختلفًا مع القاعدة الأكاديمية الاشكنازية، وذلك عندما وصف أحد البروفسورات المعروفين بالعلوم السياسية بالعنصرية.
بهذا الشأن، قال غاباي في مقابلة أجريت معه في أستراليا حيث يعيث منذ 40 عامًا: “في ذلك الوقت الكثير من أمثالي خرجوا من دول الشرق (أي اليهود الشرقيين) وكانوا طموحين، ووجدوا أن الباب تقريبًا مغلق، لذلك سافروا إلى كندا وأمريكا”.
وأضاف “أنا وصلت إلى هنا ولا أندم على ذلك كليًا”، وقبل ذلك عمل غاباي عندما كان في “إسرائيل” ضمن معهد “شيلواح” كنائب للمدير، وذلك عندما قدم بن غوريون.
وسط ذلك، يبدو أن بن غوريون لم يعلم بما كتبه غاباي في رسالة الدكتوراه، التي لم تحظى بالشهرة في “إسرائيل”، لو كان يعلم كان سيبحث عن شخص آخر لكتابة البحث، الذي كان من المفترض أن يكون تحت تصرّف الهسبراه (القصد هنا بالجهة التي تصور الوجه الجيد لـ “إسرائيل”).
وبنظرة أعمق على بحث غاباي الذي نشر بعد رسالة بالدكتوراه في سويسرا، يتضح أنه على مدار ثلاثة عقود قبل نشر بيني موريس كتابه عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كان غاباي الذي أكد ببحثه ما قاله اللاجئون الفلسطينيون منذ 1948: “في حالات كثيرة، مثل معركة فتح الطريق إلى القدس، سيطرت القوات اليهوديّة على القرى العربية، وطردت أهلها وقامت بتفجير الأماكن التي لا يرغبون باحتلالها لمنع قوات العدو (الفلسطينيين) من السيطرة عليها واستخدامها كمقرات ضدهم.
كما أن الملفات الرسمية للجيش الإسرائيلي أو سجلات جلسات الحكومة التي بحثها بيني موريس خلال سنوات الثمانينيات لم يكن لغاباي إمكانية وصول إليها عندما أعدّ رسالته للدكتوراة، لذلك هو اقتنع أنه لم تكن هناك سياسة طرد، وأن إخلاء الفلسطينيين كان بقرار من القائدين المحليين يجال الون، وإسحاق رابين، مع ذلك هو اعتقد أن هذا الشيء حصل في أماكن عدّة وفي حالات عديدة.
وبعد مرور 54 عامًا، تفاجأ غاباي أنه نجح بكتابة بحث دقيق للغاية مع القلة القليلة من المستندات الإسرائيلية، قائلًا: “أنا مستعجب حتى اليوم كيف باحث منظم للغاية وحيادي استطاع القراءة ما بين السطور بمادة مكشوفة”، وعندما قدم بن غوريون طلبه الاستثنائي لمعهد شيلواح، جاء معه موافقة نادرة للاطلاع على الأرشيفات الإسرائيلية التي كانت مغلقة للجمهور العالم”.
كما أن الباحثين بمعهد “شيلواح” سمح لهم بالوصول إلى ملفات عديدة جمعتها قوات الاستخبارات، وأهم من ذلك، الوصول إلى مادة التي جمعها الشاباك” بهذا الشأن، وهي جزء من نقل جهاز الأنباء التابع للهاجانا” بعد عام 1948.
وأوضح غاباي: “قالوا لنا أنهم لا يعلمون ماذا يتوجب عليهم فعله مع كل هذه المادة وبكل هذا الصندوق”، ويستذكر: عندئذ ذهبت لمقر الشاباك بعد ثلاثة أو أربعة أيام مررت على جميع المادة وبعدها طبعًا حرقوها”، ورغم ذلك كان هناك رزمة مواد لم يوافقوا لنا بالاطلاع عليها، نحن باحثو معهد شيلواح، وكانت هذه المواد عبارة عن نصوص جلسات الحكومة من وقت الحرب، وفيها نوقش، بالإضافة إلى أشياء أخرى، هروب الفلسطينيين وطردهم بيد قوات الجيش الإسرائيلي.
بعد أن أنهى غاباي بحثه، ترك مكتوبًا في محفوظات الدولة وجّهه إلى مدير عام وزارة الخارجية بتاريخ 26 أغسطس/آب 1961، وتضمن اختلاف استنتاجاته المُقدمة في رسالة الدكتوراه، وأن هروب العرب، باستثناء حالات نادرة، كان “نتيجة تأثير جهات بالساحة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية”.
وتضمن البحث في فصوله من 1-6 عددًا من الوثائق الاقتباسات والمواد الأخرى لإثبات “مساهمة” هذا العامل أو ذلك من عوامل الهروب التي تُبرز غدانة العرب، هكذا فقد احتوى ثمة أمثلة للإشارة الواضحة إلى تشجيع الهرب من قبل البلاد العربية، وهروب القادة العرب، وتضخيم واختلاق قصص مروّعة، وضغوطات من قبل قادة عسكريين عرب لإخلاء القرى وغيرها […]”.
كما يستذكر غاباي الاستنتاجات بطريقة مختلفة حاليًا عن وقت تحضير البحث، إذ كان قد اطلع على نصوص أعدتها الاستخبارات لبث الراديو المحلي، الذي كان يبث ويروج البث الدعائي المخادع الذي افتعلوه باسم الجيوش العربية المتواجدة في المنطقة، وذلك لاستهداف السكان الفلسطينيين.
وفي خضم التحضير للبحث، تمعّن (غاباي) في النصوص المفرّغة لتنصّات جيش المخابرات على الراديو المحلي الذي بث دعاية الكتائب العسكرية العربية التي نشطت في “أرض إسرائيل” موجّهة للسكان الفلسطينيين. ووفقا لقوله، فإن البث الدعائي، كما قرأه، لا يدعم الادعاء الإسرائيلي المتعلق بجانب القادة العرب والفلسطينيين بشأن هروب شعبهم، كما “لم يكن هناك أي ذكر بأن القادة العرب المحليين كانوا يطالبون العرب بالفرار، كما زعمنا في بياننا، لم أر أي شيء من هذا القبيل”.
ومن المهم ذكره أيضًا أن بيني موريس، الذي بحث في نفس الموضوع بعد 20 عامًا، أشار إلى أنه لم يحدد تعليمات من القادة الفلسطينيين أو العرب الذين دعوا القرويين إلى المغادرة.
خلال المقابلة مع غاباي في أستراليا، تبيّن أنه يجد صعوبة في شرح الفجوة بين مكتوبه في عام 1961 مع ما يقوله في الوقت الحالي،
بما “، مضيفًا أن القيادة المحلية في حيفا فقط هي التي دعت الفلسطينيين إلى المغادرة على الرغم من نداء القيادة اليهودية.
مع ذلك، كانت تلك حالة غير عادية لم تتكرر، وفي باقي الحالات استمرت القيادة المحلية في حيفا بحث الناس ودعوتهم للبقاء حتى في الوقت الذي قصف فيه سوق حيفا العريب الذي أدى إلى مقتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين.
وينكر غاباي أنه قام بتغيير رأيه، الذي على أساسه كتب رسالة للدكتوراه، وذلك بعد العمل في معهد “شيلواح”، ويصر على أنه طُلب منه وبقية فريق الباحثين، يتسحاق أورون وآري شمويلفيتش فقط جمع المواد وتلخيصها أثناء فترة عملهم في المعهد. ويقول “ما قمنا به في معهد شيلواح كان بحثًا نقيًا، أي ما قدمناه وكتبناه كان بعد اطلاعنا على المواد، حينها لم نخف من شيء ولم نأخذ الرأي العام بالحسبان ولم نفكر بشيء من هذا القبيل”.
المصادر:
(1) “هآرتس”: https://bit.ly/2zKqZLm
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…