طالما اعتمدت السياسة الإسرائيلية على استغلال الظروف المحلية والإقليمية المختلفة لتمرير أهدافها ومصالحها الخاصة، في حين يبدو أن نتنياهو أخذ هذا التوجه إلى مستوى جديد كليًا، تمثل باستغلال وباء كورونا العالمي لتمرير أهدافه الشخصية والاستمرار بمنصبه والتهرب من المحاكمة بقضايا الفساد.
هذه المادة تتحدث عن استغلال نتنياهو لانتشار فيروس كورونا من أجل خدمة أهدافه الشخصية، وحماية نفسه من المحاكمة والمنافسين.
كورونا خطر على الجمهور؟ نتنياهو يعرف كيف يستغله
لم يمنع اعتبار فيروس كورونا وباءً عالميًا من قبل منظمة الصحة العالمية وجميع دول العالم، “إسرائيل” من مواصلة ممارستها القمعية ضد الفلسطينيين، بل استغلت ذلك هذه المرة لملاحقة ومراقبة مواطنيها بشكل شرعي وقانوني.
كذلك، لم يُفوّت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فرصة تسخير الوباء لصالحه، واتخذ إجراءات تبقيه على رأس الحكومة لولاية أخرى، من خلال التهرب من محاكمته التي كان من المقرر بدء جلساتها في قاعة المحكمة بتاريخ 17.3.2020.
وهاجم رئيس أركان الجيش ووزير الأمن السابق، موشيه يعالون، سياسات نتنياهو والتعليمات التي يصدرها خلال الأزمة، قائلًا: “أدعو كل من انتقدنا حين قلنا إن نتنياهو يجرّنا لنصبح مثل تركيا إردوغان، لأن يستوعب ويفهم كيفية استغلال الأزمة لمصالح سياسية قبيل المحكمة”. (1)
مراقبة وتجسس
استغل نتنياهو وأجهزة الأمن، على رأسها جهاز الأمن العام الإسرائيلي “شاباك”، هلع الناس ومكوثهم في المنازل خشية العدوى بفيروس كورونا، للالتفاف على الكنيست وسن قانون يتيح لهم استخدام تكنولوجيا دقيقة “لمراقبة ومتابعة تحركات مرضى كورونا، ومن يجب عليهم المكوث في المستشفيات أو الحجر الصحي”.
وعللت هذه الخطوة بأن “هذه المراقبة ستستخدم فقط لتعقب تحركات هؤلاء الناس، ومعرفة خطوط سيرهم ومن التقوا، لتتمكن السلطات من تحذير الناس والإشارة إلى الأماكن التي زاروها، واحتواء المرض والعدوى قدر الإمكان”.
تضمنت هذه الوسائل مراقبة الهواتف والحواسيب النقالة وعمليات الشراء والدفع ببطاقات الائتمان وغيرها من الأمور التي تنتهك خصوصية وحقوق كل فرد، دون وضع حسيب أو رقيب على جهاز الشاباك للتأكد من الذي يراقبهم، وهل يحتفظ بالمعلومات للأبد أم بشكل مؤقت كما طلب المستشار القضائي للحكومة. (2)
وتمت المصادقة على إجراءات الطوارئ هذه بعد منتصف الليل، دون إخضاعها لنقاش عميق أو الاستماع لآراء المختصين، ودون عرضها على الكنيست للتصويت بذريعة أنه بسبب الوباء لا يمكن اتباع الإجراءات العادية، ما أدى بالعديد من أعضاء الكنيست إلى انتقاد هذه الخطوة واعتبارها منافية للديمقراطية.
بدوره، قتل عضو الكنيست ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غابي إشكنازي: إن هذه الخطوة هي “مكيدة دبرت في عتمة الليل، لا يمكن أن تتم المصادقة على أمر مثل هذا دون رقابة برلمانية وجماهيرية”. (3)
دولة بوليسية
واعتبر كثيرون خطوة نتنياهو والشاباك هذه طريقة غير ديمقراطية لاتخاذ القرار، لا سيما أنها لم تسمح بمناقشة الموضوع من جميع الجوانب.
في حين نقلت صحيفة “هآرتس” عن مسؤولين في لجنة الأعمال السرية والاستخبارية قولهم: إنه “تبين أن الحكومة قررت منذ البداية استعمال اللجنة كختم مطاطي فقط، وأن الحكومة وافقت على هذه الإجراءات قبل يومين من المصادقة عليها رسميًا، لكنها طلبت من اللجنة الاجتماع في الساعة الواحدة ظهرًا مع أنها تعلم جيدًا أن طقوس قسم الولاء في الكنيست ستبدأ في الساعة الرابعة”.
وأضافت أنه “في حال أراد نتنياهو موافقة الكنيست كان بإمكانه طلب تسريع إقامة اللجان الجديدة من رئيس الكنيست والانتظار لحين الانتهاء من النقاشات المهنية، لكنه لم يرد ذلك”. (4)
ضغط على المنافس
على الرغم من عدم حصوله على أغلبية لتشكيل الحكومة، إلا أن نتنياهو لا يزال على رأس عمله كرئيس الحكومة الانتقالية، ورغم إلقاء مهمة تشكيل الحكومة على عاتق منافسه، بيني غانتس، الذي حصل على 61 توصية من أعضاء الكنيست، استغل نتنياهو وظيفته للضغط عليه ملوحًا بخطر الفيروس.
كما استغل نتنياهو خطاباته المصورة وبياناته التي تتعلق بنقل تعليمات الوقاية والسلامة للجمهور للضغط على غانتس للانضمام لحكومة طوارئ تكون برئاسة الأول.
ليس هذا فحسب، بل استغل نتنياهو الوباء لتحويل النقاش السياسي في “إسرائيل” من فشله في تحقيق أغلبية كافية للحكم واتهامه بالفساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشوة، إلى ضرورة تشكيل حكومة طوارئ، وتصوير غانتس كمن لا يفضل مصلحة الجمهور وأمن المواطنين وصحتهم على مصالح حزبه وطموحاته السياسية الشخصية. (5)
تأجيل جلسة محاكمة نتنياهو
من ضمن الخطوات التي استفاد منها نتنياهو، كان إعلان وزير القضاء، أمير أوحانا، الذي ينتمي لحزب الليكود ويعتبر من المقربين لرئيس الحكومة، حالة الطوارئ في المحاكم وكل أروقة الجهاز القضائي وتعليق عمل المحكمة المركزية في تل أبيب، التي تنعقد بها جلسة نتنياهو، قبل يوم من بدء المحاكمة.
ويأتي هذا القرار بشكل واحد، وهو جلسة محكمة رئيس الحكومة التي ستقرأ فيها لوائح الاتهام ضده ستؤجل لمدة شهرين على الأقل، والموعد المحدد حاليًا هو 24 أيار/ مايو، لكن من أعلن عن تأجيل الجلسة لم يكن الوزير، بل القضاة الثلاثة الذين سينظرون في القضية، إذ اقتصر دور الوزير على إعلان حالة الطوارئ.
من جهته، كان تبرير وزير القضاء لهذا القرار في وقت لاحق بأن إعلان حالة الطوارئ وتعليق عمل المحكمة لمدة 24 ساعة “جاء بالتنسيق مع المستشار القضائي للحكومة وإدارة المحاكم، وذلك مذكور في الوثيقة التي وقعت عليها رئيس المحكمة العليا، إستر حيوت، ولم يكن للمستوى السياسي أي دخل بقرار تأجيل محاكمة نتنياهو، كما أن القرار صدر عن هيئة القضاة التي ستنظر في القضية”. (6)
استغلال المستوى المهني والخوف من المساءلة
اتهمت صحيفة هآرتس، في عددها الصادر يوم 19.3.2020، نتنياهو باستغلال المستوى المهني وأصحاب المناصب التنفيذية في الوزارات المختلفة، للتغطية على قراراته التي تصب في صالحه الخاص، وذلك لخوفه من التحقيق والمساءلة لاحقًا، ليتمكن من تقديم كبش فداء والتنصل من تهم التقصير وتشكل الخطر على سلامة الجمهور.
وجاء في الصحيفة أن تصريحات مدير عام وزارة الصحة، بار سيمان توف، عن احتمال وفاة الآلاف في “إسرائيل” بسبب كورونا لم تصدر لمجرد إثارة الهلع أو تخويف المواطنين، بل إن هذا “هذا أسلوب ثابت لنتنياهو، بنقل رسائل بواسطة المستوى المهني”.
وأضافت أن المثال على ذلك، يتضح عندما حذر الجيش الإسرائيلي، أثناء العدوان على غزة عام 2014، من سقوط 500 شهيد بحال تم احتلال قطاع غزة. وتسرب ذلك من خلال القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي.
ووفقا للصحيفة فإن “لأي تصريح وتسريب كهذا غاية خاصة به، لكن توجد هنا قيمة مضافة أيضًا، وهي أن نتنياهو يتواجد في مكانة أول من يُشخّص الوضع”.
وأضافت أن القرارات التي يتخذها نتنياهو في مواجهة كورونا تهدف إلى أن يحمي نفسه من لجنة تحقيق تتشكل بهدف التغلب على الوباء، و”الاتجاه الظاهر بوضوح، هو أن الحدث الكبير الحالي سينتهي، في جميع الأحوال، بلجنة تحقيق. وبات يدرك المشاركون في الاجتماعات التي يعقدها نتنياهو، أن أقوالا كثيرة موجهة إلى آلة توثيق المداولات، ونحو تقصي الحقائق المستقبلي”.
كذلك فإنه خلال الإحاطة شبه اليومية التي يقدمها للجمهور، يحرص نتنياهو أن يكون محاطًا بالمستوى المهني، وهنا تضيف الصحيفة، “صحيح أن ثمة حاجة لذلك أمام الجمهور، لكن هذه طبقة حماية أخرى من المراقبة”.
وبيّنت أنه “عندما يتم التغلب على الفيروس في نهاية المطاف، سيُعاد النظر بأسئلة عديدة، والمسألة لا تتعلق فقط بإهمال منهجي لجهاز الصحة العام، وإنما سيسأل المواطنون، وبحق، ما إذا كانت ضرورة حقا لاستثمار 12 مليار شيكل في هجوم لم ينفذ ضد المواقع النووية الإيرانية، وكم آلة تنفس كان بالإمكان شرائها بأكثر من 700 مليون شيكل التي استثمرت في السنوات الأخيرة، وانشغال مكثف للوزارات في مشروع طائرة رئيس الحكومة”. (7)
إغلاق الكنيست لتقوية الليكود
لم يشهد الكنيست الإسرائيلي أمرًا مماثلًا في السابق، رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين، أمر بإغلاق الكنيست تحت ذريعة تعليمات وزارة الصحة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، الأمر الذي يظهر كشيء ضروري، لكن خلفه نوايا مُبيّتة. إذ جاء إغلاق الكنيست ومنع جلسات الهيئة العامة وتشكيل اللجان المختلفة والتصويت على الاقتراحات والقوانين عندما علم الليكود وإدلشتاين أن منافسهم، كاحول لافان، ينوي استبداله بعضو كنيست من طرفه، وهو مائير كوهين.
بهذه الخطوة، تمكن إدلشتاين من منع التصويت على استبداله والاحتفاظ بمنصبه، ولاحقًا، أصدر أمرًا يمنع تجمع أكثر من 10 أعضاء كنيست في مكان واحد، بناء على تعليمات وزارة الصحة.
بالإضافة لذلك، ماطل إدلشتاين بالدعوة لعقد جلسة للهيئة العامة للكنيست وذلك للجم تشكيل “لجنة منظِّمة”، إذ أنه دونها لن يتمكن “كاحول لافان” من طرح مشروع قانون يمنع أي شخص وجهت إليه لوائح اتهام من تشكيل حكومة، وهذا هو القانون الذي يخشاه نتنياهو، ويتهم فيه منافسيه بشخصنة الأمور وسن قوانين كيدية. (7)
ولم تلتئم الهيئة العامة للكنيست سوى اليوم الاثنين، وأقرّت تشكيل اللجنة “المنظّمة” لعمل الكنيست، فيما زالت المحكمة “العليا” تبحث في دعوى ضد إدلشتاين والليكود، لإجباره على الدعوة لجلسة انتخاب رئيس للكنيست.
المصادر:
(1) “واينت”: https://bit.ly/3doujeD
(2) “هآرتس”: https://bit.ly/2UBJIzU
(3) “القناة 7”: https://bit.ly/3a9NYwS
(4) “ذي ماركير”: https://bit.ly/33D7Gie
(5) “واللا”: https://bit.ly/2xl2Xp4
(6) “هآرتس”: https://bit.ly/39fkEni
(7) “واللا”: https://bit.ly/39dVeX6
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…