مقدّمة العسّاس| منذ عام 1948 وكلّ مناحي الحياة في دولة الاحتلال تخضع لمقصّ الرقيب، الذي يعمل بموجب قوانين الطوارئ التي وضعها الانتداب البريطاني في فلسطين آنذاك. مع ذلك، ظلّ بعض المؤرخين، منهم آدم راز، يحاولون الكشف عن سجلات محاكمة مرتكبي جرائم مجزرة كفرقاسم التي هدفت لتطهير منطقة المثلث (مركز فلسطين المحتلة عام 1948) من سكّانها الفلسطينيين أصحاب الأرض. ولكن مقصّ الرقيب يقف بالمرصاد لكل من يحاول نبش الملف. هذا المقال الذي كتبه المؤرخ آدم راز، يتحدث عن حجب الرقابة بدولة الاحتلال لحقائق والهدف الكامن ورائه.
ترجمة العسّاس| تخضع المنشورات في دولة “إسرائيل” للرقابة. وهذا ليس سرًّا، وحتى هذا المقال مرّ على الرقابة قبل أن تقرأوه، ولكن هذا العمل المزعج لم يحظَ بالنقد المستحقّ. حتّى أن قضية وجود هيئة رقابة، أصلاً، لم يعد منتشراً في الدول الديموقراطية.
الرقابة على الصحافة والإعلام المعروفة باسم الرقابة العسكرية:
تعمل بموجب المادّة الثامنة من أنظمة قانون الطوارئ عام 1945، التي وضعها الانتداب البريطاني، حتّى اليوم ما زالت “إسرائيل” تستند إلى تلك القوانين لكي تمنع مواطنيها من معرفة الحقيقة كاملة. أقرّ يعقوب شمشون شابيرا، المستشار القضائي الأوّل، عام 1946 بأن قوانين الطوارئ هي “تدمير للقضاء في إسرائيل”. كذلك تساءل دوف يوسف، وزير القضاء: “هل سنكون جميعا عرضة للإرهاب بعقوبة رسمية… أم ستكون هناك حرّية للفرد؟”. أقرّت المادة 87 من قوانين أنظمة الطوارئ، أن الرقابة “تحظر” تنشر مادّة وحسب رأيه: قد تضرّ “بدفاع إسرائيل أو سلامة جمهورها أو النظام العام”. وتنصّ المادّة 97 أن الرقابة يمكن أن تطلب من أي شخص أن يقدّم “أي مادّة” من أجل مراجعتها قبل النشر. في هذا السياق من المهم التنويه أن كلّ مادّة قد يتضمّنها المقال: كتاب يتناول بالسياسات النووية “الإسرائيلية” في الخمسينيات، مقال عن العلاقات الإسرائيلية والدكتاتوريات الأفريقية واللاتينية، أو دراسة عن نشاط الشاباك (جهاز الأمن العام) بين عرب الداخل المحتلّ عام 1948 (ملاحظة المترجم: ورد في النصّ الأصلي: العرب في البلاد).
ليس هناك خلاف حول أهمية الرقابة أثناء الحرب. فإن منع المنشورات حول التحرّكات العسكرية على سبيل المثال، هي فوق النقد، كما لا يوجد سبب يدعو للاستياء على كون الرقابة منعت على مدار سنوات من كشف حقيقة أن “إسرائيل” كانت وراء تدمير المفاعل النووي في سوريا. بشكل عام، يدور الحديث حول حدث جديد نسبياً، ولم يُسمح حتّى اليوم بنشر تفاصيله (ملاحظة المترجم: يقصد الكاتب مجزرة كفر قاسم). تكمن المشكلة الرئيسية أن الرقابة تمنع بشكل ممنهج نشر دراسات تاريخية تتناول قضايا أساسية في التاريخ الإسرائيلي. على عكس ما يجري في دول ديمقراطية أخرى، تتدخل “إسرائيل” بشكل نشط في البحث التاريخي لماضيها.
في هذه الأيام، وجدتني في مراحل متقدّمة لمداولات، منذ تسعة أشهر، مع الرقابة حول دراسة تاريخية، تتناول سنوات الـ 50-60 في دولة “إسرائيل”، وتعتمد على أرشيفات مفتوحة. استغرقت المداولات وقتاً طويلاً لأنني لا أقبل ببساطة الحذف التي قامت به الرقابة (حسب القانون غير مسموح لي بالإشارة إلى ما تمّ حذفه من معلومات). العبث هو أن الدخول إلى هذه الأرشيفات متاح لكلّ شخص فضولي- “إسرائيلي” وأجنبي على حدّ سواء، ولكن الباحث الإسرائيلي هو الوحيد الملزم بتقديم كتاباته إلى الرقابة.
تدخّل في النقاش:
تقتصر سلطة الرقابة على “إسرائيل”، أي تخضع الدراسات والمقالات التي تنشر في”إسرائيل” لمقصّ الرقيب، بينما تعفى الدراسات التي تنشر في الخارج من ذلك. يمكن بسهولة المقارنة بين المنشورات المختلفة، ومعرفة المحتوى الذي مرّ على الرقابة والتساؤل عن طبيعة الحذف. يمكن الحديث حول عشرات الكتب التي نشرت في السنوات الأخيرة في الخارج بواسطة باحثين إسرائيلين دون أن تمرّ على رقابة. يذكر هنا أن الرقابة تعرف بأمر هذه المنشورات ولكنها لا تفعل شيئاً، وهي غير قادرة أصلاً على فعل شيء.
لقد صيغت أنظمة الطوارئ لتلائم عالماً قد تغيّر من ذلك الحين. فالرقابة تدعي أن على كلّ باحث إسرائيلي تمرير بحثه على الرقابة، ولكن الرقابة عملياً غير موجّهة للباحثين الذين ينشرون أبحاثهم في الخارج. وحتى أن أغلب الباحثين الذين ينشرون بلغات أجنبية لا يعرفون عن وجود الرقابة كجسم ذي صلة من جهتهم.
نشرتُ في السنة الماضية، مقالاً تناول تجربة موشيه ديّان في السيطرة على منشأة نووية في عام 1967 (عنوان المقال: عندما حاول ديّان سرقة منشأة نووية: هآرتس، يوليو 2017). هكذا ورد في بدايته: “نُشر في الولايات المتحدة منذ فترة كتاب يتناول تاريخ البرنامج النووي الإسرائيلي، لكاتب يعيش في الولايات المتحدة”. انتظر المقال بضعة أسابيع في مكاتب الرقابة قبل أن يتمّ السماح للصحافة بنشره، وحتّى الآن فأنا ممنوع من ذكر الكلمات التي حُجبت منه، إلا أن كلّ إنسان لديه حسّ نقدي يستطيع أن يفهم ذلك لوحده.
حذّر في مطلع العام د.ياعكوف لوزبيك، أمين الأرشيف الإسرائيلي المنتهية ولايته من أنه يمنع في دولة ديمقراطية أن تححب معلومات فقط لكونها قد تتسبب بالحرج للدولة”. وأضاف: “المؤسسة الأمنية في إسرائيل، وكذلك العلاقات الخارجية تتدخّل في النقاش”. في الواقع، اتضح أن الرقابة هي أداة تؤدي وظيفة هامة للسلطات؛ حجب الحقيقة عن المجتمع حول عمليات صنع القرار قادتها.
إن متابعة مجريات أمور الرقابة الإسرائيلية يكشف بأنها، بكل ما يتعلّق بمجال البحث التاريخي، هي لا تحمي أمن “إسرائيل” أو علاقاتها الخارجية، ولكنها بالأساس تحافظ على خطوط إسرائيلية من وضع شخصيات عامة إسرائيلية تحت المجهر. وفي هذا السياق لا يمكن أن لا أذكر يشعياهو ليفوفتش، الذي قال: إن الرقابة لم تهدف لإخفاء أسرار عن العدوّ، إنّما لإخفاء أعمال القادة عن شعبهم.
ترجمة العنوان الأصلي: “ما لا تريدك الرقابة أن تعرفه عن سنوات الخمسين في دولة إسرائيل”
المصدر: هآرتس | 05.07.2018 | https://goo.gl/5Avm5C
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…