مقدّمة العسّاس | يبذل الاحتلال جهودًا مكثّفة في مشاريع ضخمة لتهويد الجزء الشرقي من مدينة القدس، لما يشكّله من خطر ديمغرافيّ مستقبليّ، ويعمل على تحقيق ذلك عبر عدة سياسات، أبرزها بناء أحياء سكنيّة يهوديّة لزيادة الوجود اليهودي مقابل الوجود الفلسطيني.

هذا المقال المترجم يُسلط الضوء على مسألة “حق العودة” الذي تمنحه “إسرائيل” لليهود وتمنعه عن العرب.


ترجمة العساس | أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا مؤخرًا حكمين جائرين بخصوص الاستيطان شرق القدس؛ أحدهما في سلوان والآخر في الشيخ جراح، إذ تم بناء هذه الأحكام على قوانين تمييزيّة عنصريّة تسمح لليهود بممارسة “حق العودة” لأملاك كانت بحوزتهم قبل عام 1948، في الوقت الّذي لا يسري هذا الحكم على أملاك الفلسطينيّين في الأراضي التي تُعرف اليوم بـِ “إسرائيل”.

ولا يمكن إغفال قوانين كهذه، إذ يمكن من خلالها إخلاء مئات السكّان الفلسطينيّين من بيوتهم التي سكنوها لعشرات السنوات لصالح المستوطنين المطالِبين بالسكن مكانهم.

وأوضح خبير الاستيطان في شرقي القدس “أفيف تترسكي”، أن أحكامًا كهذه سيكون لها تبعات خطيرة في سلوان، فالحديث يدور عن مساحة كبيرة تقدّر بخمسة دونمات ستمنح لمستوطني “عطيرت كوهنيم”؛ إحدى أبرز الجمعيّات الّتي تعمل على تهويد شرق القدس، في قلب حيّ بطن الهوى في بلدة سلوان، كما أن ربط المستوطنات في المنطقة سيؤدي إلى خروج فلسطينيّين آخرين كما حدث في البلدة القديمة في الخليل.

ويعود القانون الذي يخصّ سلوان والذي صاغه القاضي “دافني باراك ايرز” بالتّشارك مع قضاة آخرين إلى عام 1939، حينما أصدرت الحكومة البريطانية أمرًا بتجريم “التجارة مع الأعداء” والذي نصّ على إنكار أملاك كلّ من عادى بريطانيا في الحرب العالميّة الثانية أو دَعَم أعداءها، وتم استخدام هذا القانون حتّى بعد عام 1948 من قبل “إسرائيل”، إذ أنكرت أملاك اللّاجئين الفلسطينيّين واعتبرتها ضمن “أملاك الغائبين”، واستخدمت الحكومة الأردنيّة القانون لأملاك اليهود في الضفة الغربيّة.

تطبيق القانون في بلدة سلوان :

 

احتلّت “إسرائيل” الضفة الغربية وشرق القدس عام 1967، وفي عام 1970، وبموجب قانون التسوية بين القضاء ودائرة أراضي إسرائيل سُمِح لليهود باسترداد ممتلكاتهم المفقودة هناك، بينما لم يستطع الفلسطينيّون استعادة ممتلكاتهم التي تقع داخل “إسرائيل”، وبهذا اقتصرت استعادة اليهود لأملاكهم على المناطق التي طُبّق فيها القانون الإسرائيليّ أي في شرق القدس، أمّا استعادة الممتلكات في الضفة الغربية فخضعت لرؤية الحاكم العسكريّ ونظرته التي في الغالب تتجنب الوقوع في حقل الألغام، ولم تخوّل الاسترداد الفعليّ لهذه الأملاك.

وتعتبر قرية سلوان من أبرز الأمثلة على تطبيق هذا القانون، حيث سكن في سلوان نهاية القرن التاسع عشر يهود قدموا من اليمن واستقرّوا هناك، وسُجّل مكان سكنهم في دائرة تسجيل الأراضي العثمانيّة؛ حينها شمل الوقف 72 غرفة سكنيّة وبئر مياه تحت اسم الحاخام الأكبر للطائفة اليهوديّة والحاخام الأكبر لطائفة الأشكناز ومدير مدرسة إليانس، ثم بدأ اليهود بالنزوح خارج سلوان على أثر “الحوادث العنيفة” الّتي دارت بين اليهود والعرب عام 1929 (ثورة البراق)، إلى أن خرج آخر من تبقّى منهم عند احتدام الأحداث عام 1936 (الثورة الفلسطينيّة).

ويُذكَر أنّ من منحتهم “إسرائيل” لاحقًا حقّ العودة لهذه الأملاك لم يكونوا أحفاد اليهود الذين نزحوا أو حتى على علاقة بهم، بينما أقرّت المحكمة عام 2001 تعيين ثلاثة أشخاص تربطهم علاقة وثيقة بجمعيّة “عطيرت كوهنيم” الاستيطانيّة، كأوصياء على الوقف بعد أن أبلغ الحاخامات عدم قدرتهم على متابعة مهمتهم كأوصياء حاليّين.

لم يعرف سبب اختيار أفراد هذه المنظمة بالذات للمهمّة ولا حتّى الاعتبارات التي تم أخذها بالحسبان، لكن بعد ذلك بعام طالب الأوصياء الثلاثة الوصي العام بتحرير الملكيّة لصالح جمعيّة “عطيرت كوهنيم”، وتمّت الاستجابة لهم، وصادقت القاضية باراك ايريز على وثيقة “تحرير الملكية”، إلا أنّها تنتقد بشدة نقل الوقف دون إعلام سكّانه الحاليّين.

وبهذا تؤكّد المحكمة العليا على وجود “حق عودة” للحي الذي تركه اليهود قبل أكثر من ثمانين عامًا دون إكراههم على تركه، بالرغم من أن لا أحد من العائدين ينحدر من نسل السكّان الأصليّين، وهذا نفس المبدأ الذي تمّ تطبيقه في حي الشيخ جراح مع اختلاف بعض التفاصيل.

ورغم ما حصل، هذا لا يعني بالضرورة حصول “عطيرت كوهنيم” على المنطقة في سلوان وطرد مئات السكّان الفلسطينيّين، فالقاضية باراك إيريز تشكّك بمدى قدرة أوصياء الوقف اليوم على إثبات الملكية الكاملة للأرض، وتشير إلى أن سكن الفلسطينيّين هناك لعشرات السنين وشرائهم أو استئجارهم عقارات بدون معرفتهم لمن تعود ملكيتها في الأصل، تحميهم من الطرد.

وتضيف القاضية إيريز أن “إجلاء الناس الذين عاشوا على الأرض لعقود دون معرفتهم بأنّ الأرض ملك للغير، يثير صعوبة إنسانيّة، سيما حين يحصل ذلك دون تعويض أو إيجاد حلّ آخر، كما أن وثيقة الملكيّة ليست نهاية الطريق”.

في نهاية المطاف حتّى لو انتهى الوضع بطرد الفلسطينيّين فمن الممكن الخروج باستنتاجات مهمة، وهي أن المؤسّسة الإسرائيليّة السياسيّة بجملتها من الوصيّ العامّ حتّى المدّعي العامّ أقرّت الاعتماد وبشكل مطلق لـ “حقّ العودة” لأملاك اليهود فقط.

ومن جهة أخرى تبنّي هذا المبدأ التمييزي لا يعني إعادة الوضع لما كان عليه قبل ثمانين أو مئة سنة مضت مع تجاهل للحقوق التي اكتسبها السكان الفلسطينيّون خلال مكوثهم لعقود من الزمن في هذه الأماكن، وقد تكون هذه نقطة انطلاق لفكر يشمل عودة عادلة ومنصفة لليهود والفلسطينيّين معًا في هذه المنطقة.

 

المصدر: سيحاة مكوميت
العنوان الأصلي: “إسرائيل”تعترف بحق العودة ولكن لليهود فقط
تاريخ النشر:26.11.2018
رابط المادة: https://bit.ly/2PXsIVa