مقدمة العساس | تواصل سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” منذ مطلع الألفية الحالية سياسة هدم منازل منفذي العمليات في الضفة الغربية والقدس بغطاء قانوني، على أمل أن تؤدي إلى حالة من الخوف والردع لإيقاف العمليات أو تقليل حدتها، لكن الواقع يقول عكس ذلك.

هذا المقال يتحدث عن سياسة هدم المنازل ومدى فاعليتها في الحد من عمليات المقاومة الفلسطينية.

ترجمة العساس | بالعودة إلى تاريخ عائلة أبو حميد التي هدم الجيش “الإسرائيلي” منزلها مؤخرًا، يظهر أنه قبل 27 عامًا أي في عام 1991، كانت المرة الأولى التي يُهدم فيها الجيش منزلهم الكائن في مخيم الأمعري قرب رام الله، وذلك بسبب اشتراك ناصر من عناصر فتح في عمليات مختلفة. (ناصر: ابن العائلة الأكبر)

وبعد ذلك بسنتين، ألقت قوات دوفدوفان القبض على أخ ناصر، وهو عبد المنعم أبو حميد وسلمته للشاباك، ثم عقب شهرين قتل عبد المنعم مسؤولًا في الشاباك بالتعاون مع عنصرين من حماس، وألقي القبض عليه وقُتل على يد قوّات اليمّام والشاباك.

وتزامنًا مع مقتل عبد المنعم تحرّر الأخ الأكبر ناصر، الذي كان مع بداية الانتفاضة الثانية واحدًا من الذين أنشأوا كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، وخلال عملية الدرع الواقي في أبريل عام 2002، ألقت قوّات دوفدوفان القبض عليه بالقرب من بيت عائلته.

وبهذه الأحداث أُسر أبناء عائلة أبو حميد وبما فيهم إسلام الذي ألقى بقطعة بلاط رخامية على الجندي رونان لوبارسكي من وحدة دوفدفان وأرداه قتيلًا (خلال اقتحام مخيم الأمعري في سبتمبر 2018)، ولذلك هدمت قوّات الجيش “الإسرائيلي” البيت مجدّدًا.

وجاء هذا التاريخ ليعلّمنا أن هدم البيت وللأسف الشديد لن يُوقّف على ما يبدو العمليات المقبلة، على الرغم من معرفة البعض أن هدم منازل المقاومين ليس هو الحلّ الشامل للهجمات، إلا أنه من الممكن أن نفهم فقط من حالة عائلة أبو حميد أنها ليست فقط تمنع الهجمات، ولكن في بعض الأحيان أيضًا تحفز على الانتقام.

ويظهر الواقع أنه لا توجد حلول سحرية، وأن أي شخص يلوح بهدم المنازل كوسيلة نهائية لمنع الهجمات هو مخطئ ومضلل متعمد، فالهدم وسيلة ممتازة لتهدئة الرأي العام “الإسرائيلي” الذي يطالب بالانتقام، وفي غضون سنوات مقبلة سيعاد بناء منزل لعائلة أبو حميد ربما بتمويل السلطة أو حركة حماس.

وعندما وصلت العمليات خلال الانتفاضة الثانية إلى ذروتها، تقرر البدء في سياسة هدم المنازل وحصل الجيش “الإسرائيلي” على الضوء الأخضر للهدم في عام 2002، ومنذ ذلك الحين تم هدم مئات المنازل، لكن حتى الآن لا يوجد إثباتات على تأثير الردع في هدم البيوت، وعلاوة على ذلك فإن عدد العمليات آخذ بالازدياد بعد عدّة أشهر من تطبيق السياسة.

ومع بداية العام 2005، اقترحت اللجنة المعينة من قبل موشيه بوجي يعالون، وقف سياسة هدم البيوت على أساس أنه لم يثبت أن عمليات الهدم ردعت، إنما الضرر كان أكبر من الفائدة.

ويظهر ذلك العديد من الجوانب السلبية والمؤسفة، فالجمهور والسياسيين يريدون الثأر دائمًا، لكن يجب الاعتراف أن الهجمات مثل رمي البلاطة الرخامية ومثل العمليات الأخيرة سوف تستمر، فهذا هو الوضع الراهن الذي تكدسه “إسرائيل” وهذه هي نتائجه.

واستمرت العمليات في ظل الحكومات اليسارية، وكذلك في ظل الحكومات اليمينية، والوضع بالضفة يشهد على استمرارها على الرغم من الاعتياد في السنوات الأخيرة على عدد قليل من الهجمات في “إسرائيل”، لكن تحت السطح هناك حمم البركان المعروفة باسم “الضفة الغربية” المستمرة في الغليان.

ويشهد كل من الشاباك والجيش “الإسرائيلي” اللذان نجحا في منع مئات الهجمات خلال العام الماضي على ذلك، وهذا بالتعاون الوثيق مع قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية.

وتكمن المشكلة في أنه لا يمكنك أن تتوقع أبدًا متى ستندلع هذه الحمم، وعند اللحظة التي تثور فيها يصعب جدًا إيقافها، وحتى شبكة المخابرات الممتازة مثل “الشاباك” في الضفة الغربية، ستواجه صعوبة في التعامل مع العنف الذي سينفجر.

وفي ظل هذه الأحداث، تنطلق من اليمين نداءات لاغتيال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتحميله المسؤولية عن الوضع، وهو بالفعل مسؤول عن الدفع لعائلات المقاومين، ويتحمل مسؤولية إحباط الهجمات، لكن لن يكون لإقالته أو انسحابه تأثير مهدئ على المنطقة.

ويبدو أنه في اليوم الذي يلي “أبو مازن”، سيكون ثوران البركان أكثر منطقية، ومع هذا بالطبع من المستحيل تجاهل الإجراءات “الإسرائيلية” ضد حماس، رغم سماح “إسرائيل” بنقل الأموال إلى الجناح العسكري للمنظمة بشكل غير مباشر، وهو نفس الجناح العسكري الذي يشغل الخلايا في الضفة الغربية وهو مسؤول عن قتل “الإسرائيليين”.

وتنقل سياسة “إسرائيل” التي لا تتحدث إلى السلطة الفلسطينية، ولكنها تتفاوض بشكل غير مباشر مع حماس، رسالة قديمة إلى الفلسطينيين مفادها: “اليهود بقيادة حكومة نتنياهو يفهمون لغة القوة فقط”.

المصدر: واللا

تاريخ النشر: 15.12.2018

رابط المادة:https://bit.ly/2R2btle