مقدمة العساس | تشهد الحدود اللبنانية “الإسرائيلية” حالة من التوتر الشديد التي وصل صداها إلى الأمم المتحدة، حيث دعا السفير “الإسرائيلي” لديها داني دانون إلى مناقشات في مجلس الأمن بشأن اكتشاف أنفاق حزب الله على الحدود الشمالية مع لبنان، وهذا وسط احتمالات قوية بزيادة حدة التصعيد.

هذا المقال المترجم يتناول أبعاد الأحداث الأخيرة للتحرك “الإسرائيلي” على الجبهة الشمالية بعملية قال إنها تهدف لهدم أنفاق حزب الله.

 

ترجمة العساس | في الوقت الذي لا تستطيع “إسرائيل” التصرف بحرية في سوريا بعدما أسقطت الصواريخ الطائرة الروسية، فإنها تقترب من الجبهة اللبنانية التي ظلت هادئة لسنوات، هذا وإن كان يأتي ضمن نية نقل الجبهة من سوريا إلى لبنان، فهو يعني تمحور الهدف الاستراتيجي حول حزب الله، على النقيض من الهدف الأوسع للحرب ضد إيران في الساحة السورية.

ولقد أكدت “إسرائيل” بدعم أمريكي كامل أنها لن تسمح لإيران بالتمركز على طول حدودها مع سوريا، وإنَّ هجماتها ليس فقط لمنع نقل الأسلحة والمعدات من إيران عبر سوريا إلى حزب الله، ولكن لإرسال رسالة عنيفة إلى إيران، فهي الآن في وضع يمكنها من العمل ضد الوجود الإيراني في سوريا بالوسائل الدبلوماسية، وهذا يفسر مسألة إذا ما كانت “إسرائيل” تنوي التحرك ضد حزب الله فعليها فعل ذلك على الساحة اللبنانية.

ومثّل هذا التحول محورًا جيدًا للممثل الأمريكي الخاص لسوريا جيمس جيفري، الذي بيّن في مؤتمر صحفي الشهر الماضي أن انسحاب القوات الإيرانية سيتم تنفيذه في إطار الجهود الدبلوماسية والسياسية دون استخدام القوة، كما عرض جيفري في اجتماع مع سفراء فرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية ومصر والأردن فرض مناطق محظورة في سوريا على نموذج الحظر المفروض على العراق في التسعينات بعد حرب الخليج الأولى.

ويشير طرح الفكرة إلى نية الولايات المتحدة في الحد ليس فقط من أنشطة روسيا من خلال الأمم المتحدة، ولكن أيضا نشاط “إسرائيل”، وهناك شكّ حول تطبيق هذا الاقتراح، لاسيما مع معارضة روسيا، لكنه يحتوي أيضًا على تلميح غير مخفي ضد “إسرائيل”.

من ناحية أخرى، يبدو أن إحياء ساحة القتال في لبنان كبديل عن الساحة السورية هو سيناريو غير مرغوب فيه لكل من “إسرائيل” وحزب الله، وقد يحدث فقط عقب خطأ تكتيكي في الميدان، مثل الهجمات على أعضاء حزب الله أو إطلاق النار غير المنضبط من قبل الحزب تجاه الأدوات “الإسرائيلية”.

وفي الأشهر الأخيرة، كان حزب الله في مستنقع سياسي يجد فيه صعوبة في جني كامل رأس المال السياسي الذي يطمح إليه كجزء من الجهود الرامية إلى تأسيس حكومة في لبنان، عبر كتلة يكون فيها 11 وزيرًا على الأقل أعضاءً في الحكومة، مما يعوق القرارات الأساسية التي لا تعجبه.

ووفقاً للدستور اللبناني، تتطلب القرارات الأساسية مثل الميزانيات أو المشاريع الوطنية دعم ثلثي أعضاء الحكومة، لذلك يكفي أن تحصل كتلة واحدة على ثلث زائد واحد (11 من أصل 30 عضو في الحكومة) لإحباط أي قرار.

ومن أجل استكمال عدد مؤيديه، يطالب حزب الله بإضافة عضو سني من الحكومة (بما أن كوتة الشيعة قد استنفدت بالفعل) بين أعضاء البرلمان السنة الذين يدعمونه، لكن رئيس الوزراء السني سعد الحريري يعارض ذلك، لأن إضافة عضو سني سيأتي على حساب حصة الوزراء من جماعته وهو لا يريد منح حزب الله القوة السياسية التي يطمح إليها.

وطالما لا يوجد توافق في الآراء حول تشكيل الحكومة، لا يمكن لأي جهة اتخاذ القرارات، وهذا هو الوضع المستمرّ منذ الانتخابات التي جرت في لبنان في مايو الماضي.

ويعتبر الشغل الشاغل لحزب الله حاليًا هو هذا النضال السياسي، وهو لا يتطلع إلى تجريب قوته تجاه “إسرائيل” في مواجهة عنيفة ستجبره على كسر توازن الردع السهل الذي أسسه منذ حرب لبنان الثانية، وحسب تقديرات المنظمة فإن ميزان الردع هذا نجح حتى الآن في الحفاظ على الهدوء على الحدود، وقد سمح للمنظمة بتعزيز وتقوية نفسها في جنوب لبنان.

ولقد مكّن هذا التوازن حزب الله من العمل دون تدخل في سوريا، ودون خوف من أن تستغل “إسرائيل” الفرصة وتهاجمها في لبنان، كما أنها تسيطر على السلطة السياسية بسبب قدرتها على التهديد بأن من الممكن دائمًا التسبب في هجوم “إسرائيل” إذا قررت المنظمة التحرك ضدها.

ويفترض حزب الله أو يأمل أن “إسرائيل” هي راضية أيضًا عن ميزان الردع ولا تنوي إلحاق الأذى به، وحتى الآن لم يكن هناك أي رد رسمي من الأمين العام لحزب الله أو أي من كبار ضباطه على النشاط ضد الأنفاق في شمال “إسرائيل”، وطالما أنها تعمل داخل أراضيها ولا تخترق الأراضي اللبنانية فإن حزب الله سيستمر في تبني سياسة الإهمال.

لكن التهديد الأكثر خطورة يكمن في إمكانية أن تقرر “إسرائيل” قصف مواقع مصانع الصواريخ داخل الأراضي اللبنانية وبالتالي تحث حزب الله على الرد، ولقد حاولت “إسرائيل” في الآونة الأخيرة إرسال رسائل متشددة إلى إيران وحزب الله من خلال الدول الأوروبية وروسيا، وإلى حد ما عبر الولايات المتحدة.

بينما المشكلة هي أن هذه الضغوط ليس لها عنوان فعال، إذ يمكن لـ “إسرائيل” الإعلان أنها تعتبر الحكومة اللبنانية مسؤولة عن أي تطور على الأرض، ولكن من دون حكومة لا يوجد أحد يستطيع الضغط على حزب الله، في حين تستطيع الولايات المتحدة تجميد مساعداتها القصوى للجيش اللبناني، ولكن سيكون ذلك بمثابة رصاصة في الساق.

في الجهة المقابلة، روسيا معينة في الهدوء في لبنان وهي قادرة نظريًا أن تطلب من إيران وقف نشاط حزب الله، لكنها ستحتاج إلى إيران من أجل جثّ العملية السياسية في سوريا، كما أن إيران بحاجة لروسيا من أجل تجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، أمّا السعودية التي حاولت إحلال انقلاب في لبنان وفشلت بعد إجبارها الحريري على الاستقالة ولذلك عوامل ضغطها على لبنان محدودة جدًا.

وفي هذا الوقت بالذات “إسرائيل” متأثرة من الضغط العالمي، سواء من قبل الروس أو أمريكا أو مصر التي تعمل بجدّ في الحلبة الغزية وهي غير معنية في أزمة سياسية لا تهددها.

وفي منظومة الضغط، مطلوب من “إسرائيل” أن تفهم وتحذر كثيرًا لأنها تحاول إشعال الحدود الشمالية وتجريب قدراتها في لبنان، لأن الحلبة ليس حلبة محلية للمبارزة اللبنانية “الإسرائيلية”، واحتمالات المواجهة أكبر في هذه الحلبة التي ستشهد تدخل قوى عظمى.

المصدر: هآرتس
تاريخ النشر: 05.12.2018
رابط المادة: https://bit.ly/2zEhmes