مقدمة العسّاس| الخيار الأردني أو الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية أو حتى “إسرائيل”، هي فكرة تم طرحها لمحاولة حل الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” بشكل نهائي، لكن أحداث تاريخية متعاقبة أدت لعدم نقاشها فعليًا على مستوى واضح، إضافة للاختلاف على الأساس الذي ستبنى عليه بما يتعلق بوجود دولة فلسطينية مستقلة قبل ذلك.هذا المقال يتناول خيار الكونفدرالية ويعرض مساره منذ طرحه مرورًا بالعقبات التي واجهها وأدت إلى استبعداه، وصولًا إلى عودته من جديد عبر نقاش دار بين الرئيس عباس ووفد “إسرائيلي ” ومبعوثي الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب.

الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية

ترجمة العسّاس| يعود مقترح إنشاء كونفدرالية أردنية فلسطينية من جديد كفكرة حلّ للصراع الفلسطيني “الإسرائيلية”، متمثلًا في محادثة جرت في مطلع أيلول سبتمبر الماضي بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووفد “إسرائيلي “، ويظهر ذلك بشكل أكبر عبر طرح الفكرة من قبل وفد الإدارة الأمريكية الساعي لتجديد المفاوضات وصياغة مقترح تسوية. وقد تم طرح الفكرة بإعطاء دور أو مكانة للأردن في الماضي، من قبل مسؤولين “إسرائيليين ” لم يكن بينهم هوية أيديولوجية، ولأسباب مختلفة تعامل الأردن مع الموضوع بالنفي المقتضب، أما في المستوى الرسمي “الإسرائيلية” يكون الرد إما بالتجاهل، أو برسالة ضمنية إيجابية طالما لم يكن الحديث عن إقامة دولة فلسطينية كشرط أولي.

اقرأ ايضًا.. الفدرالية الفلسطينية-الأردنية كبديل لحلّ الدولتين

والكونفدرالية هي نظام حكم فيه تنتظم فيه عدة دول تحت نظام حكم واحد، بحيث تكون السلطة المركزية في مجالات الاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية في يد الحكومة الفيدرالية، وأبرز مثال على هذا النظام الولايات المتحدة الأميركية.

ظهور فكرة الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية

تاريخيًا، ظهرت أولى مراحل فكرة الكونفدرالية بعد النكسة عام 1967، حيث بدأت مناقشات بين الأردن و”إسرائيل” حول كيفية إعادة الأراضي المحتلة للأردن دون القدس، وتم التوصل إلى إمكانية إعادة تدريجية للمناطق عبر اتصالات سرية بين الملك حسين ومبعوثي “إسرائيل” الرسميين، لكن أحداث أيلول الأسود عام 1970 وتعنّت الحكومة “الإسرائيلية” حال دون ذلك، والتي أعقبه اندلاع حرب أكتوبر عام 1973 والتي طوت معها فصلًا من العلاقات بين الأردن و”إسرائيل” دون أي تغيير في الوضع، وانتهت هذه الحقبة بصعود حكومة “إسرائيلية” عام 1977 تقوم على تيار يدعو إلى تعزيز الارتباط الأيديولوجي والعملي والقانوني تجاه الأراضي المحتلة، وهذا شكّل عقبة في إدارة هذه المناطق من قبل الأردن مستقبلًا.

وسمحت ظروف عودة الكتلة “الإسرائيلي” التي دعت لتسوية إقليمية كشريك للسلطة خلال حكومة الوحدة الوطنية من أعوام 1984 حتى 1988 لوزير الخارجية “الإسرائيلي” بالتفاوض سرًا مع الملك حسين حول إحياء الخيار الأردني، لكن عجز بيريز بالحصول على موافقة حكومة “إسرائيل”، قاد لتخلي الأردن عن جميع مطالبها في الأراضي المحتلة عام 1967، ثم ساهمت الانتفاضة الأولى عام 1987 بفصل ضفتي نهر الأردن.

وبديهيًا، كانت اتفاقية أوسلو التي بموجبها استعدت السلطة الفلسطينية ووافقت “إسرائيل” على إجراء مفاوضات تسوية دائمة في الأراضي المحتلة بمثابة الإعلان الرسمي لموت الخيار الأردني، لكن المدهش أنه عاد من جديد عندما ضغط معارضو خروج “إسرائيل” من الضفة، تحت مبدأ أن ترك الضفة للأردن التي معظم سكانها من أصل فلسطيني سيكون بديل أفضل عن دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة.

وجاء خطاب الملك الأردني في عام 1988 لا ليعبر فقط عن خيبة أمل من رفض “إسرائيل” القبول بالحلّ الذي توصّل إليه مع شمعون بيرس، لكن أيضًا عكس فهمًا متأخرًا بأنه إذا أراد الحفاظ على الحكم الهاشمي في الأردن عليه أن ينفصل عن كلّ ما يجري في الضفة الغربية والقدس، وهذا تم تأكيده في اتفاقية السلام بين “إسرائيل” والأردن عام
1994، حيث تضمن البند التاسع بفرعه الثاني: “أن “إسرائيل” تحترم وتقدّر الدور الخاصّ للملكة الهاشمية الأردنية
بالأماكن المقدسة في “إسرائيل””، دون تعريف أو تفصيل عن دورها أو تحديد هذه الأماكن المقدسة غير الحرم
الشريف.

الأردن والوطن البديل

وما يقض مضاجع الملوك الهاشميين في الأردن، هو إدراك أن هناك في “إسرائيل” وربما بين الفلسطينيين، عوامل
تنظر إلى الأردن على أنه “الوطن البديل” والخوف من زيادة الجزء الفلسطيني في السكان الفلسطينيين الأردنيين،
وبهذا يمكن فهم السلوك العام للمملكة في عدد من القضايا، لاسيما تلك المتعلقة بموقف الأردن من القضية الفلسطينية،
والردّ المقتضب على السؤال المتعلق بخيار عودة الحل الأردني والكونفدرالية.

أما الموقف الذي صرّح فيه الرئيس عباس كان مدروسًا وموفقًا، فهو لم ينف الفكرة وقال إنه كان معنيًا بانضمام
“إسرائيل” للكونفدرالية، وهذا أكده أيضًا نبيل أبو ردينة وقال إن الفكرة موجودة على جدول القيادة الفلسطينية منذ عام
1948، وأن الحديث يدور حول في إطار حل دولتين لشعبين، وانعكاس ذلك في تأكيد ياسر عرفات بقبول فكرة
الكونفدرالية لكن ليس قبل إقامة دولة فلسطينية.

وتثير تصريحات الرئيس عباس حول الكونفدرالية العديد من الأسئلة: هل الاقتراح الأمريكي واضح بالحديث عن
كيانين مستقلين؟ وهل من الممكن أن نفهم تردد عباس من الفكرة أن البنود الأخرى من البرنامج وقضية القدس مقبولة
لديه؟ والسؤال الجديد هنا بالنظر إلى العلاقة المتوترة بين الرئيس عباس والرئيس الأمريكي وإدارته، لماذا يدلي
عباس للتو مثل هذا التفصيل عن خطة الولايات المتحدة؟ إذ أنه من التقرير لا يمكن استنتاج هل الفلسطينيين درسوا
إمكانية أن فكرة الكونفدرالية قد زُرعت عند موظفي الولايات المتحدة من قبل الجانب “الإسرائيلي”، لرغبتهم في
الالتفاف على مسألة السيادة، ووسط ذلك تشير ردود فعل حماس والإخوان المسلمين الأردنيين إلى أنهم ينظرون إلى
الفكرة الأمريكية على أنها ضربة لحل الدولتين.

وتجدر الإشارة إلى أن النموذج الثلاثي للكونفدرالية يوفر إمكانية “حلول إبداعية” لقضايا الاقتصاد والطاقة والمياه،
من الممكن أن يسمح إطار ثلاثي الأطراف بالحلول التي تتضمن تنازلات حول سمات السيادة لصالح الكونفدرالية،
لكن عودة الأردن لدور سيادي عملي في مناطق الضفة الغربية يبدو اليوم مثل السحر الكاذب، ولا يمكن استبعاد
مشاركة الأردن المستقبلية في حل بعض مكونات الصراع “الإسرائيلي” الفلسطيني من خلال منح الظرف السياسي
القانوني الذي سيمكِّن “إسرائيل” والفلسطينيين من قبول الحلول التي تتجاوز الشرف الوطني.

رابط المادة: https://bit.ly/2PffQbC