مقدمة العساس | تعتزم المؤسسة العسكرية إنشاء وحدةٍ جديدة تختص بالعمليات التي تتخذ من الفضاء الرقمي ميدانًا لعملياتها، وتُعرف باسم “وحدة السايبر”. ففي ظل التطور التقني المتسارع الذي يعيشه العالم المعاصر، بات لزامًا على المُستَعمِر استغلال كل ما توفر لديه من التقنيات والأنظمة الرقمية في سبيل تكريس هيمنته وتعزيز إمكاناته الأمنية والعسكرية. في هذا المقال؛ يوجز الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي “مئير إلران” و”غابي سيبوني” أهم التحديات والمحاور التي ينبغي على قيادة أركان جيش الاحتلال الاهتمام بها لتأسيس ذراع سايبر فعال وناجح.

ترجمة العساس | أعلن الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي في 15 يوليو/ تموز 2015، أنه في ظل التحديات الجدية التي يتعامل معها الجيش في مجال “السايبر” (مجال الحوسبة، الشبكات، الأنظمة الإلكترونية، والواقع الافتراضي)، تم إقرار قائد أركان الجيش تأسيس وحدة “سايبر” عسكرية تُشرف على عمليات السايبر الخاصة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، على أن يكتمل إنشاء ذراع “السايبر” في غضون سنتين من تاريخه.

وفي المراحل الأولى من المشروع، ستتعاون الاستخبارات العسكرية مع قسم الحوسبة في الجيش على وضع الأسس لهذه الوحدة. كما تجدر الإشارة إلى أن القرارات التي سيتم اتخاذها حول وحدة “السايبر” والحاجة الضرورية لها أمام باقي الوحدات العسكرية، ستساهم في تطوير عمل هذه الوحدات أمام أي تحدٍ قادم. إن هذا الإسهام من شأنه أن يربط قدرات التخطيط والتنفيذ، وإعمالها في سبيل تحقيق قوة رادعة، ستعمل على نقل الجيش إلى نقطة تكشف عن أهمية “السايبر” وإمكانياته.

بناءً على هذه التجديدات في الجهاز العسكري، تبدو جليةَ أهمية وحدة “السايبر” في العمل العسكري على مستويات الدفاع، الردع والهجوم. فحتى وقتٍ قريب، كانت أعمال السايبر العسكرية مُقَسمة ما بين جهاز الحوسبة في الجيش الذي اهتم بالجانب الدفاعي، وجهاز الاستخبارات العسكرية -بدعم من الوحدة 8200- الذي أخذ على عاتقه جمع المعلومات الاستخبارية وضرب الأهداف. إن هذا يشبه مبنىً برأسين، وبهذه الصورة لا يمكن الاستمرار بالعمل، الذي يتطلّب الجهد المضاعف، الدقة العالية، التخطيط الاستراتيجي، والتطوير، بالإضافة إلى خيال عسكري مدرّب على سرعة رد الفعل. وانطلاقًا من ذلك، بات من أولويات الجيش تطوير جهاز موحد للسايبر يكون قادرًا على تلبية مختلف احتياجاته العسكرية والاستخباراتية.

ثمة تحديات غير بسيطة أمام صانعي القرار في المؤسسة العسكرية، التي تتعلق بالهيكلية التنظيمية في وحدة “السايبر”، سنعرض ما أمكن منها:

1) هنالك أربع وحدات في الجيش، أُقرَّ بأن يكون عمل “السايبر” فقط من خلال واحدة منها. وبناءً على ذلك، سيقام مقر رئيسي موحّد للسايبر، الذي سيكون قائد أركان الجيش مسؤولًا عنه. إن الوحدات الأربعة هي: الجوية، البحرية، الاستخباراتية والبرية. أما فيما يخص الوحدات الثلاث الأولى فهي تختلف في بناها وتعريفها عن الوحدة البرية، التي عُرِّفت على أنها بنيوية في القوى العسكرية، ولإن وحدة “السايبر” هي وحدة برية بنيوية، سيتوزع عملها على جميع الوحدات في القوى العسكرية.

2) في الوقت الراهن، تتولى وحدة الاستخبارات ووحدة الحوسبة تفعيل نظام “السايبر”. إلا أن المسؤولية الكبرى تقع على وحدة الاستخبارات في الحفاظ على جهاز “السايبر” وتطويره، في مهمات ذات طابع تقليدي تهتم بجمع المعلومات، إجراء بحوث وتفعيل الجهاز الاستخباراتي، العسكري والاستراتيجي، وهذا من شأنه إعاقة التوسع في رقعة العمل. ثمة ادعاء بأن الإفراط في تدخل جهاز الاستخبارات في مجال “السايبر” هو مهمة ضخمة، ويمكنها أن تؤثر سلباً على قدرات الجهاز في تنفيذ العمليات، على اختلافها، التقليدية أو الحديثة منها. في المقابل، لم يُحقق الفَصل بين الجانبين الدفاعي والهجومي لأنشطة السايبر، الهدف المرجو منه والمتمثل في استغلال إمكانات الفضاء الرقمي عسكريًا بالدرجة المأمولة.

3) إقامة وحدة “السايبر” تتطلب تأسيس وتطوير قنوات اتصال بين مجموعات الاستخبارات، جمع المعلومات والهجوم وبين الوحدة الجديدة. توجد بالفعل صِلات قوية بين أجهزة الاستخبارات والقوات الهجومية وبين مجموعة الدفاع في وحدة السايبر. واعتمادًا على استنتاجات من الماضي، يمكننا التوقع بتحسن هذه الصلات ودورها الضروري بخلق روابط متينة في صالح وحدة “السايبر” الجديدة.

4) تتركز المسؤولية الكاملة في الوحدة الجديدة للسايبر في يد قيادة الأركان، وهذا يتطلب تهيئة تنظيمية ومهنية مناسبة لطبيعة عمل الوحدة وعلاقتها بأجهزة الدولة المختلفة. بحسب الخطة المتفق عليها مسبقًا، كما في مجموعات الاستخبارات والهجوم، والتي تعمل ضمن جهاز الاستخبارات، الذي وحّد هذه المجموعات فيما يشبه “مقاول منفذ”. ففي مجالات الإستخبارات التقليدية، الجوية، البرية والبحرية منها، تعمل وحدة “السايبر” بانتظام، من خلال نمط جمع المعلومات التي يفعلّها سلاح الجو، على سبيل المثال، والتي تتسم بنسب عالية من النجاح.

5) من المهم جدًا العمل على فحص التبعية التنظيمية لجهاز السايبر، ليس فقط بالنسبة لقيادة الأركان العامة، وإنما أيضًا فيما يخص المستوى العملياتي والتكتيكي. فوحدة السايبر سيكون لها في المستقبل أفق مهم للعمل في الميدان، في كلا المجالين الدفاعي والهجومي، لا سيما في التعامل مع منظومات السيطرة والتحكم عند العدو، والعمليات الخاصة التي يمكن للسايبر ضربها بأدواته.

6) الجيش ليس هو الجهة الوحيدة التي تنشط في مجال السايبر، ففي داخل الدولة تختص عدة هيئات مدنية في هذا المجال، كوزارة العلوم والتكنولوجيا والفضاء، وحدة التدخل الرقمي السريع “CERT” ومكتب السايبر القومي التابع مباشرة لمكتب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى أجهزة الأمن من الشاباك والموساد. كل هذه الأجهزة العاملة في الحقل الرقمي لا بد منها أن تقوم ببناء قنوات اتصال تنظيمية وعملياتية مع الجيش، الأمر الذي ليس بالهين بناؤه.

يجدر في النهاية التأكيد على مدى تأثير القرارات التي سوف تُتخذ فيما يخُص طبيعة عمل وحدة السايبر، لا سيما في علاقتها بأجهزة الدولة والجيش المختلفة، على جودة وفعالية أداء الوحدة، التي من المتوقع أن تواجه تحديات كبيرة. كما أن لعمليات التطوير، التنظيم والتنفيذ، أهمية كبيرة على مستوياتها المختلفة، إضافة إلى مرونة القوة الهجومية والدفاعية، التي ستساعد في مجال “السايبر”. إن إنشاء وحدة سايبر فعالة، متطورة، مرنة ومتجددة، سيُعزز من الإمكانات الأمنية لدولة “إسرائيل”، لاسيما إن تأسست على عقيدة متطورة مستقاةٍ من العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

 

المصدر : INSS – معهد أبحاث الأمن القومي

http://heb.inss.org.il/index.aspx?id=4354&articleid=10007