شهد المجتمع “الحريدي” خلال السنوات الأخيرة تظاهرات واحتجاجات في قضايا مختلفة، منها: مظاهرات ضدّ الحفريات الأثرية بمنطقة “الهيكل” و”مدينة داوود” (منطقة المسجد الأقصى وسلوان) في القدس، وأخرى متعلقة بموضوع الاحتشام، والتي أدت لحرق محل تصوير أُتهم صاحبه بنشر مواد إباحية. إلى جانب مظاهرات أخرى ضد انتهاكات قدسية يوم السبت وفتح حوانيت تبيع لحوماً محرمة، كان هذا ضمن نضال الحريديم لتطبيق الرؤية الدينية

ومن بين الكثير من القضايا المطروحة، احتلت قضيتين الساحة الاجتماعية في الشارع الحريدي، وشغلت الرأي العام الإسرائيلي، وهي الاحتجاجات ضد انتهاك السبت عرفت باسم “حرب السبت”، واحتجاجات منع مسيرة “الفخر” للمثليين جنسياً في القدس. وعلى أثر النزاعات الناتجة عن هذه الاحتجاجات وصلت عدد من القضايا للمحاكم الإسرائيلية كاشفةً انعدام الثقة بين الطائفة الحريدية من جهة والمحاكم والسلطات الإسرائيلية من جهة أخرى، إلى جانب حالة خوف من اختراق الكيان الإسرائيلي لجدار عزلة هذه الطائفة.

اقرأ أيضًا.. الحريديم: يهود أم إسرائيليين كما يجب؟

تطوّرات “حرب السبت” في القدس

إنّ الصراع والمعركة الحريدية حفاظاً على حرمة وقدسية يوم السبت، بدأت في سنواتها الأولى قبل قيام الدولة في زمن الانتداب البريطاني. وبدأت بعد سماح البريطانيين تنظيم مباريات كرة قدم أيام السبت في القدس، وتبعتها قضية استوديو التصوير في شارع يافا عام 1934، ومن ثم قضية افتتاح ملعب كرة السلة في شارع “شتراوس” والذي تحوّل سريعاً لأرض معركة جديدة في سنوات الأربعين، كما احتج الحريديم على دخول المركبات العسكرية لشوارعهم عام 1948.

اقرأ أيضًا.. ما هي التصدعات في المجتمع الإسرائيلي؟

وفي السنوات الأولى لإقامة الدولة شهد الشارع الحريدي صراعات واحتجاجات ضخمه، أتت في أعقاب قيام دور السينما “عيدن” و “أديسون” ببيع التذاكر قبل انتهاء و”خروج” يوم السبت. وفي هذا السياق يُذكر أن الحاخام “بيلفي” الذي ترأس آنذاك مجموعة “ناطوري كارتا”، هو من وجّه وأشعل هذه الاحتجاجات وحدّد حجمها وقوتها.

إن مجموعة الصراعات في السنوات الأولى من قيام الدولة، التي خاضها المجتمع الحريدي عامة وبالأخص مجموعتي “ناطوري كارتا” و “الطائفة الحريدية”، شكّلت أسطورة “حرب السبت”، وخلقت شخصيات أسطورية لقيادة النضال مثل الحاخام بيلفي، الذين أصبحوا رموزاً لنضال الطائفة فيما بعد.

نتائج نضال الحريديم

يُذكر أنّ الصراعات الأولى للحريديم في هذه القضايا أفضت إلى نتائج هامّة، أولها: الأمر بإغلاق “ساحة السبت” خلال فترات السبت (الشابات) والأعياد عام 1965، وإغلاق شارع “مئة شعاريم” في حي الحريديم بالقدس أمام حركة المركبات أيام السبت، ومن بعدها إغلاق مماثل لشارع “شيبتي يسرائيل” في القدس بعد مطالبات استمرت ثلاثة أعوام متواصلة.

ومع توسع وجود الحريديم في أحياء القدس، توسّع أيضاً النزاع من دائرة حي “مئة شعاريم” ليشمل دوائر أوسع مثل شارع “راموت” الذي يربط بين حي “راموت” الواقع شمال-غربي القدس بحي “سنهادريه” الحريدي شمالي المدينة. وبتعاملها مع الاحتجاجات استخدمت الشرطة الإسرائيلية الماء لتفريق المتظاهرين، بينما ارتكب المتظاهرون أعمال شغب عنيفة شملت رشق الحجارة والاعتداء على رجال الشرطة، وتخريب مركبات الإطفائية، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية لمنطقة الاحتجاج. وفي النهاية توصّل الأطراف لاتفاق يقضي بفتح الشارع المطلوب إغلاقه (راموت) وإغلاقه فقط في المقطع القريب من حيّ “سنهادريه” الحريدي.

وعقب المظاهرات والاحتجاجات الصارخة التي اجتاحت أحياء القدس، أقامت بلدية القدس عام 1994 لجنة لدراسة الأزمة، والتي قضت بفتح قسم من الشوارع أمام حركة السير خلال ساعات اليوم وإغلاقها فقط في أوقات الصلاة. وفي هذا السياق يُذكر أنّ احتجاجات الحريديم العنيفة استمرت أثناء دراسة اللجنة للأزمة، وازدادت قوّة وشراسة وقوبلت باحتجاجات مضادّة من آلاف الإسرائيليين العلمانيين على مدار ثلاث سنوات.

المصدر: http://www.police.gov.il/Doc/TfasimDoc/AEDAHREDIT.pdf