مقدمة العسّاس | تلعب محاكم الاحتلال الإسرائيلي دوراً مكملاً لما تقوم به مصلحة السجون الإسرائيلية حينما يتعلق الأمر بالأسرى الفلسطينيين. فالحقوق ليست هي الحقوق، ونصوص القانون لا تعدو كونها حبرًا على ورق. حتى المنظمات الحقوقية التي اكتسبت خبرة طويلة في التعامل مع هكذا حالات باتت مؤخرًا شبه عاجزة عن مجابهة آلة القمع الإسرائيلية. هذا التقرير الصادر عن منظمة “أطباء لأجل حقوق الإنسان” يكشف بعض الأساليب والحيل المتبعة داخل أروقة المحاكم الإسرائيلية لتكريس الانتهاك الممنهج لحقوق الأسرى الفلسطينيين وخاصة المضربين منهم عن الطعام.
ترجمة العسّاس | تعامل المحاكم القضائيّة مع انتهاكات مصلحة السجون الإسرائيلية
خلال الإضرابات عن الطعام، انتهكت مصلحة السجون الإسرائيليّة باستمرار العديد من الحقوق الأساسيّة للأسرى المضربين، فكانت المحاكم القضائيّة الإسرائيلية العنوان الأخير لهم معتقدين أنها ستحفظ لهم حقوقهم. تجاوبت المحاكم مع كل الطلبات التي قدّمتها “منظمة أطباء لحقوق الإنسان” لإدخال أطباء مستقلين لمعاينة وعلاج المضربين عن الطعام، إلّا أنها رفضت التطرق للمطلب الأساس الذي اشتركت فيه جميع الالتماسات: تأمين دخولٍ مستمر ومُجدول لطبيبٍ مختصّ بالتناسب مع حاجة الأسير الصحية. وبذلك، أجبرت المحكمة منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” والأسرى المضربين عن الطعام الذين تعالجهم المنظمة على التوجه مرة تلو الأخرى إلى المحكمة، وأحيانًا كثيرة للتقدم بطلباتٍ لإدخال ذات الطبيب لذات المعتقل لعلاج ذات المضرب عن الطعام مرة بعد مرة.
التماساتٌ شخصيةٌ أخرى قدمها الأسرى المضربون عن الطعام إلى المحكمة تضمنت طلباتٍ لنقل من أصابهم الإعياء والمرض منهم إلى المشافي، أو السماح لعائلاتهم بزيارتهم والتوقف عن تكبيلهم بالقيود وهم على أسرة المرض. ردود المحاكم الإسرائيلية على هذه الطلبات والاستئنافات كشفت حجم التناقض في الأحكام الصادرة عن الجهاز القضائي. فمؤخرًا وفي كل مرة، رفضت المحكمة الاستجابة أو الموافقة على الالتماسات المقدمة لها، حيث حرمت عائلات المضربين عن الطعام الذين كانت حياتهم في خطر من الزيارة، بينما كانت في ما مضى قد سمحت بزيارة أسرة المضرب الأول عن الطعام “خضر عدنان” له في المشفى. مثالٌ آخر على التَغير الواضح في طبيعة تعامل المحاكم الإسرائيلية مع قضايا الأسرى المضربين هو تجاهل القاضي “أبراهام تال” في شهر ديسمبر عام 2012 طلب منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” عدم تكبيل الأسير “أيمن شراونة” في المشفى، في حين أن القاضي “تال” نفسه كان قد استجاب لاستئناف المنظمة المماثل ضد تكبيل “خضر عدنان” في بداية عام 2012 وأمر بفك قيوده داخل المشفى.
خلال الإضرابات عن الطعام، قُدم 19 طلبًا مُنفردًا للمحكمة للسماح بزيارة أطباء مستقلين -من قبل منظمة أطباء لحقوق الإنسان- للأسرى المضربين عن الطعام:
تم بحث كل الطلبات من قبل القاضي “أبراهام تال”، نائب رئيس المحكمة المركزيّة في منطقة الوسط (المركز). ورغم حاجة الأسرى المضربين لمتابعة طبية مستمرة ومطالبة منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” بالسماح بالزيارة المنتظمة لأطباء مستقلين لمتابعة الأوضاع الصحية للمضربين، لم يمنح القاضي تال الإذن للمنظمة سوى بزيارة واحدة في كل مرة تم تقديم طلبٍ فيها، باستثناء ما حدث مع أوّل مضربَين عن الطعام، “خضر عدنان” و “هناء شلبي”. هذا التغير النمطي من التعامل مع الطلبات الطبية العاجلة يفرض على المنظمة الحقوقية سلوك طريقٍ بيروقراطي طويل، الهدف منه تأخير زيارة الأطباء للمعتقلين أيامًا -وأحيانًا أسابيع- عدة. فلابد للمنظمة في كل مرة يحتاج فيها المعتقل إلى زيارة من الطبيب أن تتجه في المقام الأول إلى سلطة مصلحة السجون الإسرائيلية بطلب الزيارة الطبية للمعتقل، المصلحة سترفض بدورها الطلب في جميع الأحوال، ومع ذلك لن تحصل المنظمة على الرد السلبي إلا بعد عدة أيام، وأحيانًا لا تستلم أي ردٍ من الأساس. الخطوة التالية هي التوجه بالتماس إلى المحكمة المركزية بخصوص الطلب الذي تم رفضه أو تجاهله من قبل مصلحة السجون، وهنا يتعين على المنظمة انتظار موعد جلسة المحكمة للنظر في طلب الالتماس المقدم. في موعد الجلسة، سيحضر الممثل القانوني (المحامي) عن المنظمة أمام القاضي المكلف ليحصل في أحسن الأحوال على موافقة بزيارة واحدة فقط للطبيب الذي كان من المفترض أن يُسمح له بزيارة المعتقل عدة مرات بحسب ما تقتضيه الحالة الصحية. وحتى بعد حصول المنظمة على الإذن بالزيارة، يتوجّب عليها العودة مجددًا إلى مصلحة السجون الإسرائيلية -مصطحبة معها الموافقة الصادرة عن المحكمة- لتقديمها لمصلحة السجون من أجل تنسيق موعد للزيارة.
هذه الدوامة غير المبررة والأشبه بسباق التتابع تتسبب في تأخير ممنهج في حصول الأسرى عمومًا، والمضربين منهم خصوصًا، على العلاج والمتابعة الطبية اللازمة، كما تحرمهم من حق المتابعة الطبية الدورية اللازمة لاستكمال العلاج ونجاعته. بالنتيجة، تُتقن الأجهزة الأمنية والقضائية لعبة إضاعة الوقت متسببة في تدهور صحيٍ واضح يشمل جميع الأسرى نتيجة التجاهل المقصود لحقوقهم الطبية.
رفض 4 طلبات منفردة لنقل مضربين عن الطعام إلى المشفى:
أحد الطلبات كان بخصوص نقل المضرب عن الطعام “ثائر حلاحلة” للعلاج في المشفى، وقرار القاضي أبراهام تال في المحكمة المركزيّة في منطقة المركز (يوم 7 مايو 2012) أنّ على مصلحة السجون الإسرائيليّة تحويل ملفات حلاحلة الطبيّة إلى مشفى “أساف هروفيه” منذ بدء إضرابه عن الطعام، و أن على المشفى دراسة الحالة وتقديم التوصية بخصوص ما إن كان المضرب بحاجة إلى تلقي العلاج داخل المشفى خلال 48 من استلام الملفات الطبية. قرار نقل المضرب عن الطعام إلى المشفى هو من مسؤولية مدير القسم الطبي في “أساف هروفيه”، والذي بدوره أوصى بعدم نقل حلاحلة إلى المشفى بادعاء أن المركز الطبي في مصلحة السجون الإسرائيليّة يستطيع تقديم العلاج اللازم له. قامت “منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” بعرض التوصية الطبية على عدّة أطباء مختصين مستقلين أجمعوا على وجود إشكاليّة في هذه التوصية وبالتحديد في كون قرار الطبيب عدم نقل “ثائر حلاحلة” مبنيًا على تصفّحه ملفّات طبيّة ورقية دون فحص حلاحلة أو معاينته. بحسب المنظمة الطبية، قرار عدم النقل إلى المشفى لابد أن يستند إلى فحص سريري دقيق للمريض.
طلب عاجل إلى محكمة العدل العليا باسم منظمات حقوقية (يوم 11 مايو 2012) لنقل مضربين عن الطعام في حالٍ حرجو إلى المشفى:
تضمن الطلب -الذي قدمته منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” بالتعاون مع منظمات حقوقية أخرى- توصيات طبيّة تتعلق بوضع الأسرى المضربين عن الطعام الذين تمّت معاينتهم من قبل أطباء متطوعين تابعين للمنظمة ، إضافة إلى آراءٍ طبية مهنية تشير بوضوح إلى أن الخدمات الطبيّة التي تقدمها سلطة مصلحة السجون الإسرائيليّة لا تلبي الاحتياجات الدنيا للمضربين، سواءًا الاحتياجات الطبيّة الخاصة أو حتى ما يحتاجه أي إنسانٍ طبيعي. باختصار، الخدمات الطبية في السجون لا إنسانية!
لم توافق القاضيّة المناوبة في حينه على عقد جلسة لمناقشة الطلب العاجل، ولكنها أفادت بأنّ ردّ الدولة سيأتي خلال 4 أيام. حينها قررت المنظمة التوجه بطلبٍ مماثل بخصوص المضربين إلى محكمة الشؤون الإداريّة، ستبذل المنظمة كل جهدٍ ممكن للاستحصال على حقوقهم بما فيها حقهم في تلقي العلاج.
منع الزيارات العائليّة: قدّمت منظمة أطباء لحقوق الإنسان -بالنيابة عن المضربين وعائلاتهم- 3 طلبات زيارات عائليّة
في الحالات النادرة التي حصلنا فيها على رد من المحكمة، لم يكن هناك أي اهتمام من قبل القضاة بكون الأسير مضربًا عن الطعام منذ مدّة طويلة، وبأنّ استشارة عائلته مهمة جدًا، أو على الأقل بعض الاهتمام بحق عائلته في لقائه وهو ما يزال قادرًا على التحدث و في وعيه وعلى قيد الحياة. حقيقة أنّ الزيارة العائليّة إلى الأسير المضرب يتم النظر في شأنها -إن تمّ ذلك أساسًا- فقط حال تدهور حالة المضرب الطبيّة بصورة مرعبة، تمسّ بقانون حقوق المرضى وبأساسيات الممارسة الطبية الأخلاقية التي تُعلي من شأن الدعم العائلي للمريض في الحالات الحرجة التي في حينها يمسي المريض على حافة الموت. يُذكر أن حالة الأسير “خضر عدنان” هي من الحالات النادرة التي تراجعت فيها المحكمة ومصلحة السجون عن موقفها اللاإنساني المتعنت، إذ تمت الموافقة -بعد طلب قُدم إلى المحكمة- على زيارة عائلته له أثناء تواجده في مشفى زيف في صفد. ورغم أن حالة خضر اعتُبرت حالة متقدمة (حرجة) في حينه، لكنها ما تزال أقل سوءًا من حالة العديد من الأسرى المضربين الذين جاءوا بعده. ومع ذلك فقد رُفضت كل طلبات الزيارة المقدمة من قبل عائلاتهم، وتم تجاهل التوصيات الطبية المقدمة من طاقم المشفى بالسماح لهم بالحضور لمساندة ذويهم من الأسرى المضربين الذين شارفوا على الهلاك.
نحن في منظمة “أطباء لحقوق الإنسان” نرى أنّ قرارات المحكمة في القضايا المختلفة التي وصلتها، والتي تخصّ الدفاع عن حقوق المضربين عن الطعام، تجاهلت انتهاكات سلطة مصلحة السجون الإسرائيليّة المستمرة لحقوق الأسرى المضربين الطبيّة وغيرها. وبذلك، أقرّت المحكمة لسلطة مصلحة السجون الإسرائيليّة مواصلة هذا النهج اللاأخلاقي دون إشعارٍ بأنها ستُحاسب يومًا ما على تجاوزاتها. والاستنتاج الوحيد الذي خرجنا به من هذه التجارب، هو أن الأسرى المضربين عن الطعام لن يحصلوا على أيٍ من حقوقهم الأساسية ولا على الرعاية الطبية والاهتمام دون تدخلٍ من مؤسساتٍ حقوقية أو تعيين أو تطوع فريق من المحامين للدفاع عنهم.
المصدر: منظمة أطباء لحقوق الإنسان http://bit.ly/2p4NWip
طالما قمعت قوات الاحتلال الإسرائيلي المصلين في المسجد الأقصى بمختلف الطرق، وربما كان أبرزها مؤخرًا…
يستعدّ المسيحيون للاحتفال بعيد الفصح وسبت النور بكنيسة القيامة في القدس، فيما ينشغل الاحتلال، كعادته؛…
قبيل النكبة، سكن مدينة حيفا نحو 61 ألف فلسطيني، وبقي فيها أقل من 20 ألف…
باتت مسيرة الأعلام أو رقص الأعلام في البلدة القديمة في القدس طقسًا مكررًا للاستفزاز والتصعيد…
يمتدّ تاريخ الصراع حول الأذان حتّى ما قبل النكبة؛ في العقدين الثاني والثالث من القرن…
لا يقتصر القمع الإسرائيلي للفلسطينيين على الأحداث الميدانية المشتعلة في القدس والمسجد الأقصى، بل إنه…