مقدمة العساس | يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي يُطبق مقولة “لا تلقِ قذارتك حيث تأكل” بشكل حرفي، بل إنه زاد عليها استغلاله الآخرين في تنفيذ صناعته الخطيرة والمضرة لصحة الإنسان والمعادية للبيئة، من خلال إقامة منطقة “نيتسني شالوم” الصناعية قرب مدينة طولكرم، بتشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية في ظروفٍ تفتقر لأبسط الحقوق العُمالية.

هذا المقال المترجم عن موقع همكوم الإسرائيلي، يتحدث عن المنطقة الصناعية “نيتسني شالوم”، ويكشف استغلالها للفلسطينيين من خلال تلويث بيئتهم واستعباد عمالهم.


ترجمة العساس | كيف نشأ تجمع “نيتسني شالوم” الصناعي بشكل علني وصريح من خلال احتجاز الأراضي واستعباد العمّال، ليكون تمثيلًا لوجه الاحتلال والبيروقراطية والتمييز العنصري الممنهج، الذي أدى حتى الآن إلى إنهاء حياة عدة أشخاص والإضرار بصحة الآلاف من الفلسطينيين.

أمّا القصيدة “نيتسني شالوم” (نفس اسم المنطقة الصناعية) الشهيرة للشاعر يتسحاك نفون، كُتبت عام 1918 بمعانٍ مستوحاة من وعد بلفور وبروح الصحوة القومية والسعي إلى السلام والعدالة العالمية، تؤكد رسالة صهيونية هامة تتلخص بعدم الاكتفاء بصوابها، بل تتعدى إلى رغبة اعتراف العالم بعدالة الصهيونية ككل.

من المستحيل معرفة ما حصل مع رؤساء وزراء خزينة الدولة والتجارة والصناعة مطلع الثمانينيات، عندما قرروا إنشاء منطقة صناعية على خط التماس باسم نيتسني شالوم، مع افتقادٍ كبير إلى معايير العدالة والقانون.

وعلى خلاف اهتمام المجتمع الإسرائيلي، حظيت هذه المنطقة الصناعية على مدار 30 عامًا باهتمام عالمي، لكن بصورة سلبية مفزعة حول الاستعباد والاستغلال المشين للعمال، وما تسببه من تلوثٍ بيئي للهواء والماء بسبب مجموعة من المواد الكيمائية السامة.

وما زالت هذه المنطقة الصناعية تنتج الاحتلال السام والاستغلال، وتصدر إلى العالم صورة الاحتلال والبيروقراطية والصناعة والتمييز العنصري الممنهج، إضافة إلى قتل أربع عمال فلسطينيين على الأقل وتعريض الآلاف منهم للخطر.

التأسيس

تأسست منطقة نيتسني شالوم الصناعية عام 1985 شرق الخطّ الأخضر على أرض فلسطينية، وكانت شروط افتتاحها تتضمن أن يكون المالك إسرائيليًا والعمال عرب، سواء كانوا من الضفة الغربية أو من الداخل، وهذا يطرح السؤال: لماذا لم تسمح “إسرائيل” بإنشاء مصانع فلسطينية؟ (المترجمة: السؤال يحوي مفارقة ما) وهل السلام الاقتصادي لا يعني المساواة الاقتصادية؟

مع مرور الوقت، انضمت مصانع أخرى إلى المنطقة الصناعية، وبعد اتفاق أوسلو توسعت المصانع وانتشرت، وكل ذلك بالاعتماد على القرصنة والنهب دون وجود مخطط تفصيلي، ويوجد حاليًا 13 مصنعًا في نيتسني شالوم، موزعة على 50 دونم.

ويعتبر مصنع كيشت بريما “Prima Keshet”، الذي ينتج الأسمدة الزراعية والمملوك لعائلة جشوري الأكبر في المنطقة، بينما مصنع سولار لإنتاج الغاز “Solor Gas Industries” ربما يعتبر الأخطر لتعامله مع مواد كيميائية ذات خطر كبير على البيئة.

تشمل القائمة مصنع ياميت “Yamit Filtration and Water Treatment” لتكرير المياه، ومصنع ديكسون غاز “Gas Dixon”، ومصنع لإنتاج وتجديد حاويات الغاز “Sol Moran Management and Marketing”، ومصنع لتدوير النفايات تال ايل Tal-El”، والأخوة أوهليم لصناعة الخيام والشمع والقماش وغيرها من المصانع لإنتاج الورق والمبيدات الحشرية والأسمدة.

يعمل في منطقة نيتسني شالوم حوالي 500 عامل فلسطيني أغلبهم من منطقة طولكرم، ويقع المصنع بجاب حارات المدينة غرب شارع ستة أو ما يسمى عابر “إسرائيل” (مقابل مستوطنة نيتساني عوز)، أمّا على الجانب الغربي الشرقي يقع الجدار الفاصل الذي يفصله عن طولكرم، وتم وضع بوابة حديدية صغيرة في الجدار الشرقي لمرور العمال فقط في أوقات محددة.

الرؤية: الإمبريالية والكولونيالية

كان شمعون بيرس هو صاحب فكرة المناطق الصناعية المنتشرة على خطوط التماس، وكان ذلك في خطابه مطلع التسعينات تحت مسمى “حديقة صناعية”، وسوّق إلى قادة العالم خدعة سهلة تمكّن “إسرائيل” من التملص بسهولة، فتكون هذه المناطق لكسب المال والتقدم الاقتصادي لسكّان الضفة الغربية، وكان مفهوم بيرس للسلام دائمًا حول تحويل الاحتلال من ممارسة دموية إلى شركة اقتصادية، إلا أن هذه المصانع المنتشرة بين طولكرم وقلقيلية تقوم على أساس استعماري خالص وضعه كبار المسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة عام 1995.

وكان الافتراض الأولي لبناء الحدائق هو مساعدة الفلسطينيين، وليس هناك شك في أن المجتمع الدولي سينخرط في هذا الأمر عن طيب خاطر، كما أن الملاك الإسرائيليين لهذه الشركات سيتمكنون من العثور على كفاءة، وسيكون بمقدورهم الاستفادة من فرصة الحصول على عمالة رخيصة من الضفة الغربية طولكرم خاصّة.

وقال بيرس في هذا الشأن: “مع هذه الحدائق، سنكون قادرين على التنافس مع تايلاند وكوريا وتايوان وهونج كونج وسنغافورة والفلبين وماليزيا وإندونيسيا، والتي هي أبرز القوى في الشرق الأقصى، لديهم ميزة الرشاقة والكفاءة والعمالة الرخيصة، سيكون لدينا كل هذا، إلى جانب القرب الجغرافي من أوروبا.”

ويأتي هذا بالتماشي مع الفرضية الصهيونية التي تقول: “إن العرب تحرّكوا دائمًا على المحور بين “القضية” و”المورد”، وهم ليسوا بشرًا متساوين في الحقوق ووجودهم المستقل”.

وحلّل جادي الجازي هذه الظاهرة واصفًا إياها بالتالي: “هذا ما يسمى الرأسمالية الاستعمارية، فالبينة التحتية الخاصة به هي الجدار وحواجز الجيش الإسرائيلي، والمنطقة التي تقع عليها هي جيب يخضع لسيطرة الاحتلال، لكن خارج القانون، يمرّ الأطفال العاملين بهذه المصانع في عملية اندماج مختصرة برأسمالية الخنازير، فهم يفقدون وسائل الإنتاج (الأرض) ومعزولون عن مصادر رزقهم السابقة بسبب الحواجز والجدار، عندما يسعون لكسب الرزق، يصبحون قوة عاملة جيّدة، وبروليتاريين يعملون لصالح السادة المستثمرين”.

تاريخ من الاستهتار بالقانون:

من لحظة وجودها الأولى، لم تجلب منطقة نيتسني شالوم الصناعية معها رسالة السلام، بل فقط السرقة، إذ عملت عام 1985 على نقل مصنع جيشوي، الذي يديره بن تسيون وجيشوري، من بيت ليد إلى المنطقة الصنعاية، ليستمر بصناعة المصنع الأعلاف والأسمدة، بعدما واجه تهديدات قانونية لأنه يلوث البيئة التي يعمل بمحيطها، وهذا ما دفع سكان منطقة طولكرم لرفض المصنع كونه يلوّث البيئة والمياه.

وتمت صياغة حجج إقامة هذه المنطقة الصناعية على أسس وجود مكان لا يعاني من ضائقة أراضي ومن الممكن بناء مصانع كيماوية عليه، وبالتالي تسمم البيئة دون التعرض إلى العقوبات، والحصول على عمّال فلسطينيين من المدينة المجاورة بأجور العبيد مع عدم الاهتمام بسلامتهم، إضافة إلى أن المصانع ستقام على مناطق ج-C، وهو ما يؤدي إلى الحصول على إعفاء ضريبي.

وكشف تقرير مراقب دولة “إسرائيل” لعام 2011 أن الأراضي المقام عليها مصنع جشوري والمصانع الأخرى، هي 25 دونم أراض فلسطينية خاصّة، و25 دونم استولت عليه الحكومة الإسرائيلية لأغراض عسكرية مؤقتة، وحسب القانون الدولي يمنع استخدام هذه الأراضي لأهداف أخرى.

المصدر: همكوم
العنوان الأصلي: مصنع ملوث
تاريخ النشر الأصلي: 23.09.2014
رابط المادة: https://bit.ly/2W30w6o