مقدمة العساس | لم تكن الأحداث الساخنة على الحدود الشمالية بين “إسرائيل” وسوريا ولبنان صباح اليوم مفاجئة للاحتلال. فوفقاً لما يظهر في تقرير الأمن القومي الاستراتيجي للاحتلال في ٢٠١٨، فإن سيناريو التصعيد قريب في الجبهة الشمالية. الجديد في هذا التصعيد أنه ليس ضد لبنان وحزب الله فقط، بل سيشمل الأراضي السورية. في حين يرى محللون أنه تصعيد محسوب، يوضح التقرير رؤية “إسرائيل” لذلك كـ “حرب الشمال الأولى”.

ترجمة العساس | بحسب ما جاء في المؤتمر السنوي لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي، يعتبر وضع “إسرائيل” الاستراتيجي من الأفضل على مدى 70 سنة من قيامها، لكنّ هوامشها الأمنيّة ضيّقة جدًا وتقع تحت تهديد دائم من التصعيدات الأمنيّة. لا تستطيع “إسرائيل” الارتياح والمشاهدة، فمن تحركات وعمليات تصميميّة لا توجد إمكانية لتحسين الوضع الاستراتيجي. من المستحسن استنباط واستغلال الفرص الاستراتيجية النابعة مما يحدث، مثل تشكيل ائتلاف دولي واسع-ضد “الإرهاب الجهاديّ” لإيقاف التأثير السلبي الإيراني في الجهة الشمالية تحديدًا. بالإضافة إلى كونه الوقت المناسب لطرح مسارات انفصال عن الفلسطينيين وشطب التهديد الوجوديّ لـ “إسرائيل” من المُعجم الوطنيّ. أما أهمّ الاستنتاجات تظهر بأنّ القدرة الاستراتيجيّة الكليّة لإسرائيل إيجابيّة، ويُنظر إليها كقوّة إقليميّة مع أفضليّة عسكريّة بارزة تتفوّق على خصومها وأعدائها.

تميّزت السنة الأخيرة بتوطيد العلاقة بين البيت الأبيض وحكومة “إسرائيل”، إذ أنّ إدارة ترامب والحكومة الإسرائيليّة يرون بعين واحدة التحديات في الشرق الأوسط وعلى رأسها إيران كقضيّة إقليميّة مركزيّة; كما تُدير القدس علاقة متينة مع موسكو; إضافةلذلك، ترى الدول العربيّة السنيّة البراغماتية بـ “إسرائيل” كصديق محتمل أكثر من عدو، وشريك بإيقاف المساعي الإيرانيّة لتحقيق تأثير إقليمي واسع; حتّى في القضيّة الفلسطينيّة – وبخلاف الماضي، لا توجّه هذه الدول إصبع الاتهام لـ “إسرائيل” فقط عند الحديث عن تجميد المساعي الدوليّة لحلّ القضية الفلسطينية.

برغم ذلك، لا يوجد ضمان لاستمرار هذه الأفضليّات، إذ أن التهديدات والفرص في بيئة “إسرائيل” الاستراتيجيّة لا تضمن ذلك. فكما قال آيزنكوت، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي،إن الهوامش الأمنيّة لإسرائيل ضيّقة. فبالرغم من قلّة احتمالات حدوث تغيير جذري في بيئة “إسرائيل” الاستراتيجية ووضعها الأمنيّ، ليس هناك مساحة وقدرة مرنة على التحرك، وعندما سيحدث تغيير ولو قليل في إحدى الجبهات– الشماليّ أو الفلسطينيّ، على “إسرائيل” أن تكون على الاستعداد لكل السيناريوهات التي ستحدث في السّاحة.

المَجمَع الإيرانيّ: من الطاقة النوويّة حتّى الحلبة الشماليّة

التحدي البارز في الوقت الحالي هو تطلّعات الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لتعزيز تأثيرها في الشّرق الأوسط عبر تطوير قدراتها النوويّة وتطوير صواريخ طويلة المدى وتجهيز العمليات العسكريّة الدوليّة وغير الدوليّة. يشكل التوجّه الحادّ للرئيس ترامب وانتقاداته تجاه الاتفاقية النوويّة خطرًا على إبقاء والتزام إيران بالاتفاقية، إذّ أن الخروج عنها قد يرجع إيران إلى تطوير سريع لقدرتها النوويّة وقد يؤدي ذلك إلى تأثير إقليمي واسع، بما فيه تصادم بين “إسرائيل” وحزب الله. على الرغم من ذلك فإنّ الخيار الأفضل لـ “إسرائيل” هو بلورة مواقف موازية بينها وبين الولايات المتحدة ودول أوروبيّة أخرى شريكة بالاتفاقيّة النوويّة، هدفها تعطيل تطوير الصواريخ طويلة المدى من قبل إيران وإيقاف انتشارها الإقليميّ.

تحركات إيران في سوريا ولبنان، بواسطة أعوانها وأذرعها المختلفة، تشكل تهديداً فعلياً لـ “إسرائيل”. لذلك ترى الحكومة الإسرائيليّة هذا التهديد على أنه أساسيّ على الخارطة الاستراتيجيّة الإسرائيليّة، خاصة وأنّ الجبهة الشماليّة –سوريا ولبنان- تحوّلت في السنة الأخيرة إلى عقبة واحدة متشابكة، وأرض خصبة لتأسيس عسكري إيراني على أراضيها. يعتبر حزب الله القوّة التقدميّة الرئيسيّة لإيران. إلّا أنّه، ومنذ عام 2006، تمّ الحفاظ على الردع والهدوء المتبادل بينه وبين “إسرائيل”. لكن إذا استمرّت إيران وواصلت توسيع نفوذها بالقرب من الحدود الإسرائيليّة، فمن المتوقّع حدوث مواجهة في أي مرحلة مقبلة ، وبالتحديد لمنعها من إقامة قاعدة لقصف الصواريخ من لبنان. كما ان التصعيد المتوقع سيكون أشد من الهجمات المعتادة التي تنسب لإسرائيل في سوريا.

التعامل الإسرائيلي مع ما يحدث في سوريا أثبت صحّته ونجاعته ونضجه، من تنسيق عميق بين الجهات المدنيّة والجهات العسكريّة الإسرائيليّة، بالإضافة للعمليات العسكريّة لإسرائيل في الأراضي السوريّة، التنسيق الأمني بين إسرائيل وروسيا والحذر بالتعامل مع ما يحدث خارج الحدود. ومن جهة أخرى، سياسة عدم التدخل بما يحدث خارج الحدود قلّصت تأثير إسرائيل بتصميم سوريا ما بعد الحرب الأهليّة. بالتالي شدّد نفتالي بنيت على أهميّة توسيع العمليّات الإسرائيليّة ضد حزب الله لردع التهديد الإيراني في لبنان وسوريا.

زاوية أخرى تم طرحها بشأن التصادم في الجبهة الشماليّة هي قدرة الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة على الاستيعاب والتعامل في حال تفاقم الوضع والمواجهة العسكريّة. إذ أنّ الجبهة الداخليّة ستكون الهدف الرئيسي لحزب الله وشركائه، وإيران ستزوّدهم بصواريخ أرضيّة مع دقّة متطوّرة، الأمر الذي لم تتحضر بعد الجبهة الداخليّة لضرره.

الصراع الإسرائيليّ – الفلسطينيّ

على خلفيّة تجميد المساعي الدوليّة المستمر، تشير التطورات الحاليّة لازدياد وتفاقم الخلاف بين الجهتين وانعدام الثقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينيّة. اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة إسرائيل صنّفتها كوسيط غير عادل، وأدت إلى ردّ فعل حادّ من رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس. التوقعات بـ”صفقة مشروطة” لحلّ النزاع، من جهة حكم ترامب، تبدّدت عقب انعدام الثقة بأنه من الإمكان تقديم عملية سياسيّة ناجعة. لذا من الوارد أن يقوم الوسيط الأمريكيّ، كمحاولة لتلافي ما حدث وإعادته كوسيط حياديّ دون توجهات، باقتراحات من أجل إعادتهم إلى التفاوض.

يعتبر الصراع الفلسطيني بنظر كثر كأهمّ قضيّة ومشكلة تواجه إسرائيل اليوم، وعليها التعامل معه والتقدم بخطوات واضحة للحفاظ على إسرائيل كدولة يهوديّة وديمقراطيّة، وبأنّ على التقدم في هذا الشأن أن يحدث سريعًا، حتّى سريعًا، حتّى بالانفصال عن الفلسطينيين، مع الحفاظ على المصالح الأمنيّة المهمة لإسرائيل. وكل ما هو غير ذاك، سوف يضعضع الأساسيات الديمقراطيّة والأخلاقيّة لإسرائيل.

نظرة إلى الداخل

في السنوات الأخيرة توصّلت إسرائيل إلى أهميّة استقرار الجبهة الداخليّة، وبأنها أمر مهم للأمن القومي في الدولة، وبأن الترابط المجتمعيّ هو حجر الامتحان لوقوفها أمام التحديات الداخلية والخارجيّة. وفي هذا السياق، يظهر الجوّ العامّ حدوث عمليات تخرق التوازن الموجود بين الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة. إذ يضعف حراس الديمقراطيّة، من بينهم المحكمة العليا، الإعلام، الجيش والشرطة، وتزداد خطورة تضعضع الرباط الوطيد في المجتمع الإسرائيلي. تساؤلات الدين والدولة، التعامل مع الآخر، حقوق الأقليّات، سلطة القانون، حرية التعبير وصراعات أخرى هي حجر العثرة بين الشرائح والمجموعات المختلفة في المجتمع، والذي قد يصل لزعزعة قاعدة الدولة، الذي أؤسس كتعهد غير مكتوب بين سكّانها.

أما بخصوص الجيش وعلاقته بالترابط الاجتماعي في الدولة، فالجيش يمثّل قيمة عُليا بقدرته على تفعيل القوة، لكن هناك تباعد بين قيم الجيش السبّاقة وبين فئات واسعة من الجماهير. وبالرغم من شعبيّة الجيش الواسعة ضمن المؤسسات الحاكمة في “إسرائيل”، يستصعب بأن يكون “مفاعل اندماج” اجتماعي مثلما كان في عقود الدولة الأولى، ومن الواضح بأن عليه ملائمة نفسه للتحديثات والتغييرات المجتمعيّة، بما يشمل التغييرات بالتعامل والتغييرات الاستراتيجية الأمنيّة.

 

المصدر: http://bit.ly/2sdBP8R