مقدمة العساس | جدلٌ كبير تم إثارته حول مفهوم الحركة الصهيونية منذ تأسيسها وحتى الآن حول نوعها وصفها بالقومية أو الدينية، وما يتصل بذلك من هدفها وخططتها تجاه المسجد الأقصى.

هذا المقال المترجم يتحدث عن الخلافات داخل الحركة الصهيونية حول موضوع المسجد الأقصى المبارك.

ترجمة العساس | يبحث الكتاب الذي كتبه ألّفه يهودا عتصيون مسألة مدى اهتمام زعماء الحركة الصهاينة بالمسجد الأقصى، وماذا يقول الموضوع عن الأيديولوجيا الصهيونية؟

رافقت أسئلة عديدة الحركة الصهيونية منذ بدايتها كالظل، وهي: هل الحركة الصهيونية هي حركة نهضة قومية حديثة أو حركة نهضة دينية؟ وهل لهجرة اليهود إلى فلسطين معنى ديني- مرتبط بالخلاص، أو أن الحديث يدور حول حركة براغماتية عملية علمانية في جوهرها وخالية من الأجندة الدينية؟ وهل وظيفة الصهيونية تحقيق هي المصير الكوني للشعب اليهودي وتحقيق الخلاص، أو جعل اليهود شعبًا ككل شعب من خلال تحسين وضعه في العالم وليس أكثر من ذلك.

والأماكن المقدسة في طبيعتها هي المكان المادي التي ترنو إليه كل التطلعات وتصوّرها الذاتي عن شخصيها القومية أو الدينية، وإجابة التساؤلات السابقة يمكن أن نراها بالنسبة إلى الحركة الصهيونية تجاه المسجد الأقصى، إذ تبدو هذه التساؤلات سخيفة بنظر القادة الصهاينة الأوائل، فهرتسل لم يبحثها بجدية لأنه رأى بالمسجد الأقصى وفقًا لمقاربته الليبرالية العلمانية (البعيدة عن اليوتوبيا) مكانًا سيقام فيه “مركز للسلام” – وهو مركز خيري ديني علمي يواجه العالم بأسره، بينما أظهر خلفاؤه وآباء الصهيونية انفتاحًا أكبر، وبهذا الشأن كتب يهودا عتسيون كتابه “قضايا”.

عندما تحدّثت الوكالة اليهودية العربية:

عام 1931، عانت المستوطنات اليهودية بالإضافة إلى العرب في فلسطين من آثار ثورة البراق عام 1929، إذ اجتمع مفتي القدس الحاج أمين الحسيني بالعرب وتضمّن جدول الأعمال موضوع معروف لنا في القرن الـ 21 وهو محاولة الصهيونية السيطرة على المسجد، بالمقابل حاولت الحركة الصهيونية منع الصراع الطائفي من خلال توضيح موقفها وبدعوة رئيس المكتب السياسي للوكالة اليهودية حاييم أرلوزوف إلى اجتماع صحفي أعلن فيه عن عدم نية الحركة الصهيونية باحتلال المسجد الأقصى، وتم نشر هذا الإعلان باللغة العربية.

المدهش بالأمر أن في مرحلة متقدمة يمكن أن نميّز علاقة الحركة الصهيونية مع المسجد الأقصى، فيقول عتصيون في كتابه: “ليس هناك خنوع للمسلمين أو ارتفاع بقوتهم الكبيرة، ادعاءات غير مقبولة عليّ… روح الوثيقة ترفض المكان بالمطلق… نكتفي بحائط البراق، وهناك تنصل كامل من المسجد الأقصى وما يثير اهتمامي هو عدم تصديق العرب لما قاله أرلوزوف وينعتونه بالكاذب”.

الربط بين الصهيونية وفكرة الخلاص:

مثّل الشاعر أوري تسفي جرينبر الذي هاجر إلى فلسطين عام 1924 وأسس مع شريكه احيمئير “بريت هبريونيم” (حركة تصحيحية التي نشطت في سنوات الثلاثينيات في البلاد ودعت لهجرة اليهود إلى فلسطين بالقوة) وجهة نظر قومية أكثر جذبت بدورها رؤوس أموال رمزية أكثر من التيار الصهيوني السائد الليبرالي، لكنها كانت علمانية أيضًا، وقاموا استعارة جبل الهيكل (المسجد الأقصى) من الميدان الديني واستخدموه لأفكارهم الوطنية الحديثة.

بينما تبنى عتصيون نهجًا مختلفًا من مدرسة شبتاي بن دوف (1924-1978) بنكهة علمانية ولكنه عاد إلى الدين وأصبح مفكرًا يهوديًا مسيحيًا وصاحب الأفكار الثورية، ورأى الصهيونية باعتبارها معلمًا خلال الفداء الأوسع، وهذا على عكس التيار الصهيوني السائد لم يرَ الدولة اليهودية المعاصرة الهدف النهائي، بل اعتبرها بمثابة الحاجز، وقدّم بن دوف تحليلًا مختلفًا بحسبه تكون الصهيونية الحديثة برجًا في الهواء سيتحطم في النهاية، داعيًا إلى تغيير الفكر والعودة إلى الروح الدينية، القديمة، والجوهرية، وفي مركزها يكون المسجد الأقصى.

وهذا ينعكس في جميع كتابات عتصيون الذي يعتبر من أبرز أتباع بن دوف، إذ انتسب في سنوات الثمانينات إلى مجموعة سرية يهودية تهدف لتفجير قبة الصخرة، ولكن الآن يقول إنه يفهم كتابات بن دوف بشكل مختلف، ويراها تطمح إلى تغيير ثقافي أكثر منها إلى تسريع أحداث النهاية.

ويقول عتصيون إن “التبرؤ من المسجد الأقصى هو كذبة لأن معناها قطع كل صلة مع صهيون، أنا لا ألغي الصهيونية الحديثة، ولكنني أثور عليها”، مضيفًا: “أن حراس التوراة لن يستطيعوا قيادة حركة نهضة صهيونية قومية، هناك دور واجب وحق. والتنكر للتراث اليهودي ولتراث أنبياء اليهود وسوء الفهم الذي لحق بصهيون يجب أن يسير يد بيد مع العودة لسبل “إسرائيل”.

ويوضح: “أرى الكتاب بمثابة دعوة للاستيقاظ، أقول إن مهمتنا هي التخلص من الأجزاء “المريضة” – الثقافة الأوروبية، والعلمانية، والتنوير. والتركيز على الوجود في المسجد الأقصى، كما أرى تعايشًا مع المسلمين في المسجد الأقصى، لكن لديه شرطًا مسبقًا – عندما نكون نحن من يملك المكان، يمكننا أن نستضيفهم بشكل عادل، إذا قبلوا ذلك ولم تكن لديهم ادعاءات وطنية حول المكان ، فإن التعايش ممكن”.

الصهيونية هي خليط بين القديم والجديد، بين التنوير والدين، وقادة الصهيونية تحفظوا من الجانب الديني من اليهودية، إذ بالنسبة لهم تم التعبير عن الخلاص بالمساواة في الحقوق والدولة ذات السيادة – لم يكونوا مهتمين بالمسيح.

ويلقي يهودا عتصيون بظلال من الشك على هذا الرأي ويسأل: هل كانت الصهيونية بالفعل تستردّ اليهود، أم أنها فقط خطر عليها، ربما سيأتي يومًا ما لإحياء ذكرى الخلاص؟

المصدر: الأرشيف الصهيوني
تاريخ النشر: د.ت
رابط المادة: https://bit.ly/2RYOnsA