مقدّمة العسّاس |

في وقتٍ أصبح التطبيع والتواصل العربي مع “إسرائيل” أكثر جرأة وعلانية، تتكشف المعلومات تباعًا عن لقاءات ونقاشات سرية سابقة كانت بين مسؤولين عرب وشخصيات بارزة في دولة الاحتلال، وآخر هذه المعلومات المكتشفة كان اتصال بين رئيس الوزراء السابق إيهود باراك مع مسؤولين خليجيين عام 2015.

هذا المقال المترجم عن صحيفة هآرتس يعرض تفاصيل مكالمات مسرّبة جرت بين إيهود باراك ووسطاء لمسؤولين خليجيين في وقت سابق من عام 2015 حول إبرام صفقة برمجيات تجسس.

ترجمة العسّاس |

“سيد باراك أنه لمن دواعي سروري أن أتحدّث إليك سيدي، بيننا فرصة استثمارية مثيرة”، هكذا أتى صوت الوسيط في حديث هاتفي كان عام 2015، ووصل من الإمارات العربية المتحدة.

ويشرح الوسيط لرئيس وزراء “إسرائيل” ووزير الأمن السابق: أن “الحكومة السعودية التقت معنا قبل سبعة أسابيع في دبي، جاؤوا لرؤية عرض تقني بخصوص حلول يقدمها السايبر، وقد كسبت ثقة الشخص الثاني والثالث بعد الملك، أنا أقصد وزير الأمن وشقيقه”، في إشارة إلى محمد بن سلمان، الذي وُلِّي ولي العهد السعودي حينها، ويشغل الآن منصب وزير الدفاع ويعتبر اليوم الشخص الأكثر تأثيرًا بالمملكة السعودية.

ويُعد موضوع استخدام هالة رجال الجيش والسياسة “الإسرائيليين” لخدمة مصالح رجال الأعمال ليس جديدًا، لكن القصة ليست مجرد فرصة استثمار، إنما الحديث يشير إلى حلف سعودي “إسرائيلي” ومساهمات صامتة ومهمة في تاريخ الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، تقوم على خلفية العداء المشترك ضدّ إيران، إضافة لفضل التكنولوجيا التي تطورها “إسرائيل” ويحتاجها الجيران.

وتحدث باراك باسم شركات معينه، ضمن مجال التكنولوجيا التي تطورها وتحتاجها السعودية، ويشرح الوسيط أن الهدف هو تعيينه في منصب تمثيلي بالشركة، من أجل أن يحاول بناء صفقة بيع تكنولوجيا السايبر الهجومي التي ستساعد السعوديين في الوصول لمحادثات هاتفية لمواطنيها وأعدائها.

ويشرح الوسيط في المكالمة الهاتفية أن السعوديين سيضعون مبنى الصفقة ليخدم المقربين من العائلة المالكة ماليًا، قائلًا: “أنت مجبر أن تفهم، هناك إطار معين للصفقة، سأكون سعيدًا بالجلوس معك للتحدث عن طبيعة الصفقة الخاصة جدا”.

ويضيف أن الحديث غير ملائم عبر المكالمة الهاتفية، ويقول: “أنا بحاجة أن أشرح لك الموضوع وجهًا لوجه، يجب أن تتم الصفقة، جلالته يريد هذا لأنه يخدمه بطريقة معينة، أنا أفترض أن الأمور واضحة إلى أين تذهب، هناك دائمًا جانب من الربح الاقتصادي في هذه الصفقات”.

ولم يحتاج باراك المزيد من الرموز الإضافية فقد فهم أن المعنى المتمثل بـ “ربح اقتصادي للأشخاص المعنيين في الصفقة كما طلب “جلالته”، وهو الأمير السعودي، فيقول: “حسنا، حسنا، أنا أفهم”، ويرد الوسيط مرة أخرى “هل واضح لك إلى أين يذهب الأمر؟”، يعود باراك للتأكيد “أنا أفهم”.

ويذكر أن باراك يتصرف كرجل جماهيري يبدي أراءه التي تخص المواضيع السياسية، والاجتماعية، والسياسية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل، بينما هو بالواقع رجل صفقات خاصة مع مصالح خاصة، والمعروف منها فقط جانب صغير للجمهور.

ويكشف التسجيل أن إيهود باراك متمرس في صناعة السايبر “الإسرائيلي”، ويظهر معرفته الخاصة بأنواع معينة بالمنتجات، وأغلب زبائن هذه التجارة من دول عربية لا تقيم علاقات مع “إسرائيل”.

وصرّح باراك في الأشهر الأخيرة أكثر من مرة عن العلاقات مع الدول العربية، وادعى أن هذا يقوي العلاقات بين “إسرائيل” والدول العربية عبر الشركات الخاصة التي تسوق لها التكنولوجيا، في حين يحاول نتنياهو عبرها أيضًا التطبيع مع الدول العربية.

والصفقة التي طلبت وسيطًا لمبادرة لم تخرج للنور في نهاية الأمر، ولكن من بعدها استمرت السعودية باهتمام في حلول سايبر مشابهة، وحسب ما نُشِر هذا الأسبوع في هآرتس، السعودية دخلت في مفاوضات مع شركة سايبر NSO في عام 2017.

وكُشِفت المحادثات بين الوسيط وباراك مؤخرًا في تحقيق صحفي أجرته الصحفية أوسنات نير، في برنامج في شبكة “الأخبار كان”، ولكن في الوقت ذاته لم تتمكن من النشر لأن المفاوضات أثرت على تجارة السايبر بين “إسرائيل” والسعودية، وكذلك لعدم وجود تفاصيل المشتري ومضمون الصفقات، إضافة لمضمون الطلب الذي أراده “جلالته”.

وقال الوسيط في المحادثة الهاتفية مع باراك عام 2015: إنه يتعامل مع محامي يمثل وزارة الدفاع السعودية وهو شخص بريطاني من أصل يهودي، مضيفًا “لقد حظيت بثقة محاميهم، كما أنه أرسل طلبًا رسميًا لزيارة “إسرائيل”، حتى يرى كيف تعمل الأنظمة هناك، ولأنه كان عيون وآذان السعودية بهذه الصفقة”.

وخلال المكالمة حاول الوسيط التملّق لباراك من أجل تجنيده لإنجاز الصفقة، إذ قال: “مجرد صورتك تهز أركان الغرفة، أنت رجل أمن ذكي وسيرتك غنية”، بينما براك سأل الوسيط “لصالح من تعمل؟” وذكر عدة شركات سايبر يمكن أن يكون الوسيط يعمل لصالحها، لكنه ردّ بأنه “يعمل لصالح نفسه أو للدقة يعمل لصالح زوجته وضحك”.

وتستمر المكالمة بسؤال جديد من باراك “كيف عرفت أن هذه الشركات “الإسرائيلية” هي جيدة بالنسبة لك؟”، فيجيب الوسيط: “أخذت توصيات من أشخاص مقربين لي من أصدقاء، وقابلت أحد ممثلي هذه الشركات، فأنا أعرف أن التكنلوجيا “الإسرائيلية” وصلت لدول لا أستطيع ذكرها الآن لأننا على الهاتف”.

والشركات المذكورة بحديث باراك والوسيط هي شركات تنصت على الهواتف تنتج تكنولوجيا للتجسس على هواتف ملايين من الأشخاص، والسعودية معنية بمنتجات شركة NSO التي وردت في تقرير هآرتس هذا الأسبوع، حيث طورت صناعات تكنولوجيا دقيقة تصل للهدف المطلوب، ويمكنها اختراق أي هاتف والسيطرة عليه وتشغيل السماعة والكاميرا والـ GPS لصالح المتجسسين.

وتفاخر باراك خلال المكالمة بالشركات التي من المفترض أن تكون بالصفقة، وسأل “أين الممثل القانوني الخص بك؟ في “إسرائيل”؟ لندن؟ أبو ظبي؟ سنغافورة؟”، فأجاب الوسيط أنه له عدة شركات وأعطى تفاصيل عن مكانها.

ويستمر الوسيط بمحاولات تجنيد باراك لصالح الشركة الخاصة به ويقول “اتوجه إليك لأن بيننا أصدقاء مشتركين ويقدرونك بلا نهاية، سأفسر لك عندما نلتقي وجهًا لوجه، وعندما تحدثت مع المحامي الممثل عن وزارة الدفاع السعودية قال لي: اسمع أنا أعرف من أنت، ولكن أريد أن أجلس مع أصحاب المناصب الرفيعة في “إسرائيل” كي أوصل رسالة لمحمد بن سلمان وأقول له: وجدنا رجلك، وهو قناتنا”.

وفي نهاية المكالمة قرر باراك والوسيط أن يلتقيا ويستمرا في مناقشة الصفقة المقترحة في “إسرائيل” بعد أسابيع، وفي اللقاء رفض باراك اقتراح الوسيط، وكل ما هو معروف أنه لم ينجح في تنظيم زيارة محامي وزارة الدفاع السعودية إلى “إسرائيل”، وأيضًا لم يصل لصفقة تامة أمام الجهات السعودية.

ويختلف باراك عن باقي الشخصيات العامة “الإسرائيلية” إذ أنه لا يخجل من أن يصبح رجل أعمال ثري وخاصّة بعد استقالته من الحياة السياسية والجماهيرية، ومعظم أعماله الخاصة ومصادر دخله قد تم نشرها على مر السنين الماضية، لكنه يتفق مع هذه الشخصيات باستخدام الهالة الأمنية والعسكرية في صناعة المال.

مع استقالة باراك من الحياة السياسية عام 2013، نشر أنه أصبح مستشارًا ماليًا في بنك يوليوس بار، وحسب ما أوضح مدير البنك عام 2014: باراك هو مستشار البنك في الشأن الجيوسياسي، ومن المهم للأجسام المالية أن تعرف من رجل عمل في السياسة والأمن ماذا يجري من وراء الكواليس”.

وفي الأعوام 2014 و2015 عمل باراك كمدير لشركة استشارات ماليةCIFC ، وكذلك عمل في مجال شركات السايبر بسبب هالته الأمنية والسياسية، وهو أول من استثمر بشركة السايبر الناشئة Cyberna  المتخصصة في مجال إدارة الطوارئ البوليسية التكنولوجية.

وأسس بارك شركة Toka سويًا مع الرقيب يرون روزن الذي عمل في مقر السايبر في الجيش، وتتخصص الشركة في مجال السايبر وتقدم خدماتها للدول الأجنبية، وكما يمتلك باراك ما نسبته 5% من شركة انتركيور الطبية.

وبالنسبة للتحقيق الصحافي، قال باراك: إن “الحديث يدور عن زبون خاص”، وأنه لا يريد أن يكشف الكثير من التفاصيل، كما أنه غير مضطر لتفسير لذلك سوى لسلطة الضرائب، وحذا باراك حذو نتنياهو وهاجم وسائل الإعلام التي تتعامل مع الأموال التي لا يمكن تفسيرها ودوافعها، وعلى وجه الخصوص هاجم الصحفي إيرل سيغال.

 

المصدر: هآرتس
تاريخ النشر: 28/11/2018
رابط المادة: https://bit.ly/2P6i6hi