مقدمة العساس| وسط الترحيب الرسمي الإسرائيلي المتوقع بعد فوز ترامب، طرح محللون وصحفيون إسرائيليون أسئلة عدة يحاولون فيها خلق صورة أكثر واقعية حول التداعيات المحتملة لفوز المرشح غير المفضل لـ “إسرائيل”. يطرح هذا المقال إحدى الأسئلة التي تشغل المجتمع الإسرائيلي في هذه الأيام، والإجابة عليه تبقى مفتوحة حتى يجيب عليها ترامب بنفسه.

ترجمة العساس| حقًا! فرحنا جميعًا بفوز ترامب واعتبرناه صديقًا حقيقيًّا لـ “إسرائيل”، فقد رأيت تعابير الفرح حتّى على وجه يونيت ليفي (مقدّمة الأخبار في القناة الإسرائيلية الثانية)، لكنّي أودّ أن أقدم لكم في هذا المقال رؤية أكثر عُمقًا وأقرب للواقع.

لا أدري إن انتبهتم لما قاله ترامب في خطاب الفوز؛ جملة ساذجة كان قد ألقاها على مسامع الجمهور، تفيد بأنّ مصلحة أمريكا هي الأهمّ وأنها فوق أيّ اعتبار. أنا شخصيًّا أصدّقه، فهو مثل أي رئيس أمريكي، سواء كان جمهوريّاً أو ديمقراطيّاً، يتّخذ من مصلحة أمريكا بوصلة لاتّخاذ قراراته.

جميعنا نعي الفرق الجوهريّ بين ترامب وسابقيه، فكلّهم كانوا ساسة دهاة، أمّا ترامب، فهو من رجال الأعمال المُحنّكين. وخلافًا لعالم السياسة والدبلوماسيّة المُنضبط والحذر، فإنّ عالم الأعمال يعدّ متهوّرًا وينجز المهام بلا أيّ ترددٍ أو دبلوماسيّة. كما أن كلّ رجل أعمال يتبع نهج “الصواب السياسي” (politically correct) يعدّ رجل أعمال فاشلًا ومترددًا وغير مسؤول. ففي عالم الأعمال عليكَ أن تكون جازمًا وأن تحسم القرار بلا تردّد ولا مُماطلة ولا حتّى رحمة، عليك أن تحسم وتحدّد الاتّجاه.

ويأتي رجل السياسة والدبلوماسية نقيضاً لذلك، فهو رجل المُراوغة والضبابيّة والغموض، تراه يماطل في البتّ في قراره ليخفيَه عن أعين الحضور أو حتّى يغيّره ويتّخذ قرارًا آخر، هذا ما نسمّيه الفنّ والنهج الدبلوماسيّ.

تُبلي “إسرائيل” بلاء حسنًا في السّاحة الدبلوماسيّة الدوليّة، أضف إلى أنّها تجيد استغلال الموادّ المنثورة في الهواء وجمعها لتحظى بوقت إضافيّ لا نهائيّ يمنحها بقاءها. فعلى ما يبدو، تعيش “إسرائيل” وتصارع لبقائها على حساب الوقت الإضافيّ الّذي تهتم بأن لا ينفد أبدًا.

فقد بات شعار “إسرائيل” الحاليّ ” الحل آتٍ لا محالة، لكنّنا حالياً نحتاج وقتاً إضافياً”، وهذا الشّعار وليد سياسة المراوغة والوقت الإضافيّ. اللافت في الأمر، أنّ الولايات المتّحدّة الأمريكيّة على وعي تامّ بهذا الشّعار وهذا النّهج، لكنّها لم تجرؤ مرّة واحدة على اختباره. فحتّى حكومة أوباما المعادية، وبالرّغم من تهديداتها، لم تجد من الصّواب اتخاذ خطوة كهذه. تلك ثمار الضباب والتعتيم والدبلوماسيّة، و”إسرائيل” بدورها تحتاج دائمًا هذا النّوع من الثّمار وتشتهيه بشدة.

بالمقابل، انتقلت الولايات المتّحدّة إلى عهد آخر، عهد رجل الأعمال المباشر والمحنّك دونالد ترامب، الّذي لا يعرف التّنفّس في وجود الضبابيّة الدبلوماسيّة وبالتّأكيد ليس قادراً على خلقها. لا شكّ بأنّ ترامب سيحيط نفسه بمجموعة من الخبراء الدبلوماسيّين، لكن، سيكون عليهم ملاءمة أنفسهم لتطلّعات ترامب وليس العكس.

مُجدّدًا، أنا أثق بترامب وأصدّق ما أبداه في خطاب فوزه من ولاء لأمريكا وإعلاء مصلحتها فوق الجميع. وواثق بأنّه سينقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس، وأنه صديق حقيقيّ لـ “إسرائيل”. لكن، ماذا لو تعارضت مصالح “إسرائيل” مع الولايات المتّحدة يومًا ما و طُلِب من ترامب العمل لصالح بلاده؟

دعوني أصيغ السّؤال بشكل مباشر: ماذا لو توجّه ترامب لبيبي (نتنياهو) في يوم صافٍ وقال له: “لديك 72 ساعة لإبرام اتّفاقيّة مع الفلسطينيّين، وفيما إذا رفضت، سأعتبر دولتك دولة غريبة لا شأن لي بحمايتها وتحقيق أمنها”.

 السّؤال الهامّ، هل “إسرائيل” عرضة حقًا لوضع كهذا؟ والسّؤال الأكثر أهميّة، هل “إسرائيل” واعية لوجود هذا الاحتمال؟

 

المصدر : http://www.news1.co.il/Archive/003-D-115820-00.html