مقدمة العسّاس | هنا يدور الحديث عن كتاب واحد لجيل كامل، وهو مؤشر جلي لنهج قادم سيؤثر على سلك التربية والتعليم الخاضع لسياسات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. على عكس الكتب السابقة، الكتاب الجديد يتعامل مع الفلسطينيين بأقل قدر من المسؤولية، ويصب جل اهتمامه على إنجازات السادات ومبارك في عمليات السلام، كما يعتبر اتفاق أوسلو ومحادثات مدريد إنجازات تاريخية مهمة.

ترجمة العسّاس | أصدرت وزارة التربية والتعليم المصرية كتابًا جديدًا للعام الدراسي 2015/2016 يحوي فصلًا عن اتفاقية السلام مع “إسرائيل”. بمقارنة الكتاب الجديد بكتب شبيهة سابقة، نستنتج الآتي: أولًا، الكتاب يؤيد عملية السلام على خلاف الكتب القديمة، مع التشديد على أهمية السلام في تعزيز الاقتصاد المصري. ثانيًا، بدت “إسرائيل” في نصوص الكتاب دولة صديقة وشريكة، إذ احتوت على اقتباسات لبيغين والسادات جنبًا إلى جنب. ثالثاً، بات التطرق إلى سياق الحرب مع “إسرائيل” والقضية الفلسطينية أمرًا غير مهم.

من الطبيعي أن تدور نقاشات داخلية عن عملية إعداد المحتوى الدراسي، لكونه يشكل رواية تاريخية للشعوب، ويحدد شكل وهوية المجتمع ويمس طموحاته وأهدافه. إلا أن القطاعات المصرية لم تبد تحركًا بالشكل المتوقع حيال الكتاب الجديد. صحف مصرية عديدة لم تتعاط مع الخبر، ومسؤولون عدة مُنِعوا من التعليق. لكن بالمقابل، ومن باب المقارنة، لاقت التعديلات على الكتب المدرسية الأردنية فيما يخص ملف التحولات في العلاقة مع “إسرائيل” ضجة كبيرة. في مصر، اتبع النظام سياسة الكتمان لتخفيف حدة ردود الفعل، كما خضع الإعلام المصري لذلك النهج.

أصدر الكتاب بأمر من وزارة التربية تحت عنوان “جغرافيا العالم العربي وتاريخ مصر الحديثة”، وهو معد لطلاب المرحلة الثانوية للعام الدراسي 2015/2016. مراجعة بسيطة للكتاب تفيد بأن المضامين الرئيسية التي جرى تدريسها في عهد مبارك ما تزال قائمة، إذ إن “إسرائيل” بحسب الكتاب مُقامة على أرض فلسطين الانتدابية، أي فلسطين العربية، والحركة الصهيونية هي حركة استعمارية وكيان استيطاني يهدد الدول العربية، وحرب أكتوبر كانت حرب دفاع عن النفس في سبيل القضية الفلسطينية، وهي ما أوصل المصريين إلى اتفاق السلام عام 1973.

كما ينفي الكتاب أن يكون اتفاق السلام قد أبرم من منطلق أخلاقي أو اعترافي بحق اليهود في الأرض، بل لأجل فوائد أخرى مرجوة. الجديد في الكتاب هو مضامين التعامل الطبيعي مع “إسرائيل” في عهد السيسي، انطلاقًا من كون “إسرائيل” شريكًا شرعيًا تاريخيًا استراتيجيًا يعزز الاقتصاد المصري، كما يندر التطرق إلى القضية الفلسطينية.

خلفية تاريخية: السلام مع “إسرائيل” في كتب التدريس

خلال الحرب وما قبلها، عملت وزارة التربية المصرية على ضخ “ثقافة الصراع”، فوُصفت “إسرائيل” حينها بكيان استيطاني طموحه “النيل حتى الفرات”. بعد عملية السلام، كان من المتوقع أن تضخ وزارة التربية “ثقافة السلام” في المضامين الدراسية لبناء علاقة ودية أساسها السلام، لكن هذا لم يحصل. ركزت الكتب الدراسية على فوائد اتفاق السلام، المتمثلة باستعادة نصف جزيرة سيناء، حقن الدماء، حماية الموارد، إنعاش السياحة، التوصل لانسحاب “إسرائيل” من المناطق المحتلة، الاتفاقيات مع الأردن والفلسطينيين. كما شكلت الأحاديث الإسرائيلية مع السوريين واللبنانيين صكًا وطنيًا دفع مصر للسعي قدمًا بعملية السلام.

في بداية الثمانينات، قلّت نسبة تعاطي الكتب الدراسية مع قضايا القومية العربية والوطنية المصرية، ويستنتج من ذلك شذوذ مصر عن القاعدة العربية. في أحد الأبحاث التي فحصت تركيب الهوية المصرية في كتب التدريس بعد السلام مع “إسرائيل”، وجد أن 54% من المضامين شددت على الهوية المصرية الوطنية الفرعونية، 30% على الهوية المصرية العربية، 16% على الهوية العربية القومية. كما استبدلت بعض الكتب وجرى تغيير عناوينها بهدف إعلاء قيم الهوية المصرية الفرعونية على حساب الهويات الأخرى.

في التسعينات، وجدت أبحاث أخرى أن فكرة الصهيونية على أرض فلسطين العربية ألغيت تمامًا من المضامين الدراسية، كما لم تعد “إسرائيل” كيانًا لا شرعيًا، وتحللت من صلتها بالمشروع الإمبريالي الغربي. في المقابل، تم التأكيد أن فلسطين كيان محتل، وعاصمته القدس الشرقية.

من علاقات طبيعية لعلاقات صداقة

يمكننا قراءة التحولات التي أدخلها السيسي على نظام التدريس من خلال مقارنة الكتاب الجديد بالكتب القديمة، ففي كتاب عام 2002 مثلًا جرى تخصيص 32 صفحة تقريبًا للحديث عن القضية الفلسطينية والحروب مع “إسرائيل”، وثلاث صفحات فقط للحديث عن السلام معها.

أما في كتاب عام 2015، فخصصت 12 صفحة للحديث عن القضية الفلسطينية والحروب مع “إسرائيل” مقابل أربع صفحات فقط للحديث عن اتفاق السلام. تلك التغيرات الطفيفة تأتي ضمن عملية تغيير جوهرية تشهدها المناهج المصرية ضمن خطة السيسي للقضاء على التطرف الإسلامي والإرهاب. فصول أخرى ألغيت كالتي تتناول شخصيات إسلامية كصلاح الدين الأيوبي للأسباب ذاتها.

تتماشى التغييرات الدراسية تلك مع شبيهاتها السياسية على الأرض، كعودة السفير المصري إلى تل أبيب بعد انسحابه إلى مصر عام 2012، ولقاء وزير الطاقة الإسرائيلي بوزير الخارجية المصرية سامح شكري في واشنطن عام 2015. تنص المضامين الدراسية الجديدة على الاعتراف المصري بالطرف الإسرائيلي والتأكيد على حقه في حماية حدوده واحترام سيادته، كما استبدلت جمل مثل “توطيد العلاقات الاقتصادية – الثقافية – السياسية” بــ”تعزيز العلاقات الصديقة”.

 

المصدر : مجلة “محتلن الإستراتيجيات” العدد 19 4/2016 ، التابعة لمعهد بحث الأمن القومي.

http://bit.ly/2b9uQU6