ترجمة العساس | إذا طلب من القارئ الإسرائيلي المتوسط الردّ بسرعة على سؤال ماذا تعني له “حرب الاستقلال”؟ سيذكر، على الأرجح، الأسطول الذي اجتاح طريق بورما، وسقوط الحيّ اليهودي في البلدة القديمة بالقدس، واحتراق “باخرة ألتلينا” على شاطئ تل أبيب، ومحاصرة سفينة المهاجرين “نيجبا”، ورفع “علم الحبر” في إيلات.. إلخ. كما لا يوجد أدنى احتمال بأن تكون إجابته الفوريّة هي أنّ قيام دولة “إسرائيل” يعكس المعرفة التي تراكمت في الحرم الجامعي للجامعة العبرية في القدس، ومعهد زيف وايزمن ومعهد العلوم التطبيقية “التخنيون” في حيفا، والتي تمّ تسخيرها من أجل المجهود الحربي. “أورئيل بخرخ”، البروفيسور الفخري في قسم البيولوجيا الجزيئية في كلية الطب بالقدس، كان من أوائل من حدثنا عن هذا الفصل المهم، وعن قصة “سرية العلوم”.

كانت بداية القصة، حسب رواية “بخرخ”، من التعليمات التي صدرت في الثاني من شباط عام 1948، والتي نصّت على الحضور إلى المدرسة الثانوية العبرية في القدس، إذ التقى هناك “بخرخ” عدداً كبيراً من زملائه وأصدقائه الذين درسوا معه في الجامعة العبرية؛ وفي الوقت الذي كان الطلاب الجامعيون في حيرة لمعرفة سبب اللقاء، ظهر أمامهم د.”أهارون كاتلشسكي”، الكيميائي العظيم، الذي قتل في عملية نفذت بمطار اللد لاحقاً، قائلاً: “الشعب الإسرائيلي في خطر؛ في الـ15 من أيار سوف يتركنا البريطانيون، وستغزو جيوش العرب موطننا؛ ليس بحوزتنا أسلحة ولا بنى تحتية، وقد فرضت الدول العربية علينا الحصار؛ أعين إسرائيل كلها موجهة إليكم، أنتم طلاب جامعيون ذوو عقول متفتحة (…)، الآن حان وقت العمل، سوف تصعدون إلى “هار هاتسوفيم” (جبل المشارف-الجامعة العبرية) لتعلّم ماذا تعني الكيمياء العسكرية؛ اذهبوا وتعلّموا، بالتوفيق والنجاح”.

من هنا صعد الطلاب الجامعيون إلى حرم الجامعة العبرية في جبل المشارف مع الشعور بالالتزام، وبذلك خطت “سرية العلوم” خطاها الأولى. وبعد نحو شهر من اللقاء، أُعلن عن السرية بشكل رسميّ، وبدأت عملها من خلال الجيش الإسرائيلي حتى عام 1952، حيث دُمجت السرية حينها مع “قسم البحوث والتخطيط” التابع لوزارة الأمن الإسرائيلية؛ وفي عام 1958 تمّ دمج السرية في العمل داخل “أنظمة رفائيل الدفاعية المتقدمة”.

ووفقاً للكتاب، ظهرت بصمات “سرية العلوم” خلال مراحل الحرب المختلفة، وعلى رأس كل جبهة، وبالأخص خلال عمل الوحدة على اقتحام جدار البلدة القديمة في القدس؛ وبالرغم من استخدام أحد تقنيات السريّة في الاقتحام، فإنّ بقعة سوداء ظهرت حينها على الجدار بعد الانفجار، اتضح فيما بعد أنها مجرد سخام، ولم ينجح الأمر؛ فتمّ استخدام قاذف اللهب والألغام، والقنابل الصوتية وغيرها من المتفجرات.

وفي حادثة أخرى، يتحدث الكاتب عن قضية دورية “نافي دانيال”، التي تكبدت فشلاً ذريعاً في ذلك الوقت؛ إذ شاركت “سرية العلوم” في الدورية، علماً بأن مشاركة السرية كانت بطريقة ملتوية وغير مباشرة. في حينها وصلت معلومات تفيد بأنّ الدوريّة، التي كانت في طريقها من “غوش عتسيون” القريبة من القدس، هُوجمت من قِبل الفلسطينيين، فتزايد التخوف من تدميرها؛ عندها قام “يهودا فينتسيا” بصناعة قنابل هوائية بهدف إلقائها على الفلسطينيين.

 

المصدر : http://www.haaretz.co.il/literature/1.1197779