ما زالت “إسرائيل” ترفض تسليم لا كاتشا “تؤودورو أنيبال جواطو”، الجندي الأرجنتيني السابق والشهير في معسكر “لشمتسيه” الأرجنتيني، بلا مبرر واضح لذلك الموقف، رغم أنّه يعدّ مطلوباً لدى السلطات الأرجنتينية والإنتربول، لقيامه بجرائم ضد الإنسانية والسامية بشكلٍ واضح. أنيبال جواطو اليوم يختبئ تحت اسمه المستعار “يوسف كرمل” في مدينة حيفا.

ظهرت تسمية لا كاتشا بهذا الاسم بين عامي 1976 – 1978، ونُسبت لأحد معسكرات التعذيب والقتل والاغتصاب الأفظع على الإطلاق، والتي عملت بموجب الحكم العسكري الذي حكم الأرجنتين آنذاك. سُجِّل في هذا المعسكر، الذي لا يبعد كثيراً عن العاصمة بونوس إيريس، أكثر من 135 حالة قتل، 7 منها نساء حوامل اختطِف أطفالهنّ ونُقلوا إلى عائلات من الجيش والشرطة. يُضاف ذلك إلى التاريخ الذي سقط ضحيته واختفى قرابة 30 ألف أرجنتيني بين أعوام 1976 – 1982 بعدما اشتُبِه بنشاطهم اليساري.

ونتيجة للوضع السياسي الصعب، الذي وضع الجيش واليمين الأرجنتيني في مأزق كبير، وبعد مرور أربعين سنة على الأحداث، بدأ القضاء بمحاسبة الجناة في معسكرات الإبادة “لا كاتشا”. افتُتِحت الجلسات عام 2013، واتُّهِم أكثر من 21 جندياً سابقاً من الوحدة 101 بشكلٍ جزئيّ بالجرائم التي ارتُكِبت. في السنوات الأخيرة قدّم بعض النّاجين من معسكرات “لا كاتشا” شهادات وروايات عن التعذيب الذي تعرضوا له في المعسكرات، كما ولاقى اليهود نصيباً جيّداً هناك. قدمت “نعمي إيتسكوبيتش” شهادتها في المحكمة عن خطفها في عام 1977 عندما عادت من جنازة بعض أصدقائها في الثانوية الذين قُتلوا في الأحداث.

في أكتوبر الماضي أُصدِر قرار بالحكم على خمسة عشر متّهماً بالحبس مدى الحياة، وكذلك حُكِم على ستة متّهمين بالسجن لأكثر من عشر سنوات. لكنّ الملف لم يغلق بعد، فلدى السلطات الأرجنتينية متّهم آخر. حتى الآن لم يصدر الحكم  في أنيبال جواطو، أحد جنود الاستخبارات في الوحدة، لكون السلطات الأرجنتينية لم تنجح في التحقق من موقعه. وقد أعلنت النيابة عن جائزة 500 ألف دولار لمن يعثر عليه؛ بالإضافة إلى ذلك، أصبح جواطو مطلوباً لدى جهاز الإنتربول.

انتشرت شكوك قبل عام حول إمكانية فرار أنيبال جواطو إلى “إسرائيل” بحسب قانون الهجرة اليهودي لِكون امرأته يهودية؛ وقد تمّ إخفاء هذه المعلومات عن ملفات التجنيد العسكرية الأرجنتينية. بدأ ناشطون مقربون من عائلات الضحايا في “إسرائيل” بالبحث عنه، وبعد أشهر من البحث وجدوه مقيماً في “كريات بياليك” تحت اسمه المستعار “يوسف كرمل”، وقد هرب مع عائلته إلى “إسرائيل” مطلع عام 2003.

توجه العديد من مقربي العائلات الثكلى إلى السلطات الأرجنتينية بطلب إحضاره ومحاكمته، وعملت السفارة الأرجنتينية على ذلك، إلّا أن الحكومة الإسرائيلية لم توافق على طلب السلطات الأرجنتينية والإنتربول. فبحسب القانون الإسرائيلي فإنّه لا يُسمح بتسليم شخص مطلوب للتحقيق حتّى يصدر حكم بحقه. في المقابل، لا يمكن للقانون الأرجنتيني إصدار حكم على شخص دون التحقيق معه.

لم يُذهل جواطو من كشف حقيقته، فهو يدّعي أنّ هناك خطأ في اتهامه وما كان إلّا أجيراً لا أكثر في “لا كاتشا”. وقد نُشِر في البرنامج التلفزيوني “مباط” أنّ السلطات الإسرائيلية تعرف شخصية جواطو الحقيقية؛ ويعتبر تصريح الحكومة الإسرائيلية هذا غير مبرّر أو مفهوم، لا سيما حين يكون الحديث عن جرائم ضد السامية وتعذيب بشكل خاصٍ ومقصود لليهود، وفقدان أكثر من 3000 يهودي.

كما هو واضح، فإنّ الجرائم ضدّ الإنسانية لا تعتبر جرائم في القانون الإسرائيلي، إلّا ما اقتُرِف على يدّ النازية. ربما لا تريد “إسرائيل” تسليم جنود ارتبكوا جرائم في ظلّ حكم عسكري كي لا يُدان جنودها بسبب جرائمهم في الضفة الغربية.

التعاون بين النظام الإسرائيلي والأرجنتيني قبل هروب جواطو كان جيّداً. نحو 30% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية كانت باتّجاه الأرجنتين بمبلغ يقارب 2 مليار دولار. في عام 1981 كان في “إسرائيل” أكثر من 118 جندياً وضابطاً أرجنتينياً للتدريب؛ وفي مكتوب من السفارة الإسرائيلية قالت فيه حينها إنّه لا توجد دولة في العالم تستضيف هذا الكمّ من الضباط لهذه المدّة من التدريب والتجهيز. في كتابه “أرسل شعبي إلى الهلاك” يروي “مارسيل زوهر” عن يهود طلبوا العودة إلى “إسرائيل” لكنّ السفارة رفضت منحهم التأشيرة لكونهم يساريين.

أحد أفراد الجيش الذين شاركوا في معسكرات التعذيب، فرجرينو فرننديز، قال إنّه تلقى أوامر واضحة بكيفية التعامل مع المخطوفين من قبل “هرتسل عنبار”، الذي أصبح لاحقاً سفير “إسرائيل” في إسبانيا. في ذلك الخصوص كتب المخطوف اليهودي المشهور “حوكوف طيمرمان”، والد وزير الخارجية الأرجنتينية الحاليّ: “سوف أنسى من عذبني، لكنني لن أنسى المسؤولين اليهود الذين قبلوا بتعذيب اليهود بصمت”.

 

المصدر : http://bit.ly/1VE1Gg0