مقدمة العساس | التبني في إسرائيل | تحت مسميات مختلفة، منها البيع والخطف والتبنّي، تعرض أطفال كثر فترة قيام دولة الاحتلال إلى انتهاكات تمثلت بتبنّيهم بشكل غير قانوني مقابل المال أو تحقيق مصالح شخصية. يدرج هذا التقرير تحت قضية “خطف أطفال اليمن”، وهم أطفال من يهود اليمن الذين كانوا جزءاً من موج الوفود إلى دولة الاحتلال، والتي نشر الأرشيف الإسرائيلي قبل شهور وثائق التحقيق فيها للجمهور عبر موقعه الإلكتروني.

ترجمة العساس | كتبت امرأة من سكّان “بيتاح تيكفا” (أولى المستعمرات الإسرائيلية في أرض فلسطين منذ 1878) سنة 1946 والتي قَدِمت للبلاد من ألمانيا وقدّمت طلباً للتبنّي، أنّها تريد طفلا “أشكنازيً أو يمنياً أبيض”، كما طلبت أن يكون ذو “حسّ فنيّ”. أما البولنديّ وزوجته النمساوية فقد طلبا تبنّي “طفلة بصحّة سليمة، وإن كان هناك إمكانية يفضل أن تكون ذات أصول أوروبية”. أما مواطن آخر وهو نجّار ولد في البلاد وقدِمت زوجته من رودوس، فقد طلبوا تبنّي طفلة من أصل إسباني. وبعدها بسنوات، أي في 1955، طلبت سيدة تعمل ممرضة قدِمت من النمسا لتعمل في مستشفى بتل-أبيب أنّها تريد تبنّي “طفلاً ليس شرقيّا”، لكنّ زوجها مع ذلك أقرّ بأنّه “مستعدّ لقبول أيّ اقتراح”.

هل نجحوا في النهاية بالحصول على طلبهم؟ لا يمكن المعرفة. الاستبيانات التي ملؤوها كانت تحت عنوان “استبيان للعائلات طالبات التبني في إسرائيل “، وهي واحدة من بين 200 ألف وثيقة نشرت حول قضية اختفاء الأطفال اليمنيين، والتي رفعها أرشيف الدولة قبل أشهر على الإنترنت.

الأرشيف و التبني في إسرائيل

إنّ الوثائق التي وجدت بالأرشيف الصهيوني لها علاقة بمؤسسات معيّنة كانت تهتم بأمر التبنّي حتى وقت قريب لقيام الدولة. فقبل قيام الدولة، اهتمت بهذا الأمر وكالة الإغاثة التّابعة للسلطات المحليّة وهيئات أخرى مثل “عالييات
هانوعار” (أي الوافدون الصغار بالعربية) ولجان جمهورية في المدن الكبرى. لكن عند قيام الدولة، دخلت وزارة
الرعاية الاجتماعية إلى الصورة، إذ فرضت القوانين وجود اخصائية اجتماعية لعدم وجود عائلة بيولوجية ترعى
الطفل لكي تتم الموافقة على قبول طلب التبني. مع ذلك، ذكرت لجنة التحقيق الدولية التي عيّنت للبحث بقضية اختفاء أطفال يمنيين أنه بحالات كثيرة فإن “الإحالة للمحكمة على ما يبدو كان يتم بعد قضاء الأطفال المتبنين فترة لا بأس بها
عند العائلة المتبنية”.

إن العديد من الوثائق والملفات تعود لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأغلبها تتعلّق بأطفال وعائلات اشكنازية (أي غربية). “لكن الوثائق هذه توضّح بصورة دقيقة كيفيّة عمل سوق التبني في تلك الفترة، وأسماء الأشخاص الذين عملوا
في هذا المجال”، هذا ما كتبه عضو مكتب التحقيق “جوت بين أشير”، والذي تمّ الاستعانة بخدماته من قبل لجنة
التحقيق الدولية للوصول إلى وثائق مهمة في الأرشيف الصهيوني.

ربما لا تدلّ الوثائق على خطف منظّم للأطفال بأوامر من مسؤولين ذوي سلطة ولا بمبادرتهم، لكنها تدعم الادعاءات
التي تقول ان تعامل السلطة مع قضايا التبنّي كان متساهلاً وقد غض البصر عن الكثير مما جرى. إن الاطلاع على
هذه الوثائق يرينا ما حصل “خلف الستار” من عمليات خطف لأطفال كثر، وليس يمنيين فقط. لكن من المهم ذكر أن
الاطلاع على هذه الوثائق كان محدوداً ويثير الأسئلة أكثر ممّا يقدم إجابات.

التسلل

“كشف مؤخراً عن العديد من الحالات التي أثبت فيها وجود أهل الأطفال المتبنين على قيد الحياة، ولم يكن لدينا بهذا
أي علم من قبل”، هذا ما كتبته يونا لانجر، المسؤولة عن تحقيق قائمة الأطفال الذين قدِموا إلى البلاد ضمن موجة
“قدوم الأطفال” في التقرير الذي نشرته بين موظفي المكتب في سنة 1949.

في إحدى الوثائق ذكر أنّ إحدى العائلات استفسرت عن ابنها ذو الأربع أعوام، بعد أن وفد لإسرائيل لوحده وبقيت أمه
في الخارج. بالبداية أعلمت الأم أنه لا يوجد طفل بهذا الاسم ضمن أسماء الوافدين الجدد إلى الدولة، لكنها رفضت
تصديق ذلك وادّعت أن صغيره يفترض أن يكون موجودا في البلاد”، كتبت لانجر. وبعد إعطائهم معلومات إضافية
عن ابنها كتاريخ الوفود ومكان ولادته والمكان الذي جاء منه، لم يعثر على اسمه. لحسن حظّ الأم، قررت لانجر
متابعة القضية والبحث عن الطفل.

اقرأ أيضًا.. تجليات العنصرية في المؤسسات الطبية الإسرائيلية

كتبت لانجر في التقرير: “لم أستطع الوقوف مكتوفة الأيدي أمام حزن الأم التي تقول أن هناك احتمالاً بأن أحدهم تبنى
طفلها. بدأت بالبحث على طفل بمواصفاته وبنفس عمره بدون الالتفات إلى اسم العائلة خاصّته، وقد وجدت الطفل
وكان فعلاً متبنى”.

بعد الفحص الذي أجرته لانجر تبيّن أن الطفل قَدِم ضمن نطاق “القدوم د” (أي موجة القدوم 4، التي تعتبر غير
شرعية إذ تضم تزويراً لملفات وهويات القادمين)، لذلك وصل الطفل إلى البلاد باسم آخر غير اسمه الحقيقي. لسبب أو
لآخر، ادّعت جهات إسرائيلية أن خطأ ما قد وقع، وأن “المعلومات التي وردت الدولة تشير إلى أن الطفل يتيم تماماً”
ولذلك تم عرضه للتبنّي.

لانجر و التبني في إسرائيل

استنتجت لانجر الكثير من ذلك، وكتبت في آخر التقرير: “وجب التنويه لأن الاسم الحقيقي لأغلب الأطفال الوافدين
ضمن “موجة القدوم د” غير متوفر في المكتب. لو أعطونا في ذلك الوقت قائمة بأسماء الأطفال المسجلة وقت
وصولهم وقائمة أخرى باسمهم الحقيقي قبل قدومهم، كان ذلك سيمنع الكثير من التعقيدات”.

“نُقل الملف لأيدي العاملة الاجتماعية حافا كوهين المسؤولة عن العمل الاجتماعي، ووصلت بدورها للعائلة المتبنية
للطفل وإعادته لأمه” قالت لانجر. لكن بقية الأطفال لم يعودوا إلى أهلهم لمجرد أنّ السيدة لانجر لم تسعَ جاهدة كما
فعلت لهذا الطفل.

أرسل حانوخ رينهولد المدير التنفيذي لمؤسسة “قدوم الأطفال” في أواخر عام 1949 مكتوباً لحافا كوهين مستفسراً
ما إذا كانت عمليات التبني التي أجرتها المؤسسة قانونية أم لا، كما طلب توضيحًا بشأن حالات تبنّي أخرى من الممكن
أن تكون تمت بشكل مختلف أو بظروف مختلفة، على سبيل المثال ظهور أهل الطفل أو أقارب له. لا تظهر أية إجابة
على استفساراته في الأرشيف.

تبنّي غير قانوني

في ملف آخر في الأرشيف، عنوانه “تبنّي الأطفال اللقطاء”، تظهر أسماء جهات من بلدية تل أبيب وجهات من جمعيات نسويّة. ينصّ الملف على أنّ “العديد من العائلات التي كانت مسجّلة على قوائم الانتظار لتتبنّى طفلاً ولم تحصل عليه، تبنّوا أطفالاً بطرقهم الخاصة بدون الإبلاغ عن ذلك للجهات المسؤولة قانونياً، ممّا صعّب مهمة المراقبة والتفتيش على عمليات التبنّي وعقّد المهمة الإدارية لهذا الموضوع. لقد أعلم قسمنا على ضرورة تكريس عمل ومجهود لمنع مثل تلك الحالات.

ذكر أيضا في الرسالة أنّه طلب من عائلات تقديم معلومات للدولة عمّا “إذا كان بحوزتهم معلومات عن طفل مناسب يريدون تبنّيه واستقباله في منزلهم”. وذكر أيضاً أنّه بالغالب “قادمون جدد، جاؤوا بصحبة أطفال يتامى، ولديهم استعداد لتسليم الأطفال لعائلات معروفة لهم دون موافقة مسبقة من المؤسسات الحكومية المسؤولة عن ذلك”.

في مكتوب آخر صدر في تاريخ 7 مايو/أيّار 1948، أي في وقت قريب لقيام الدولة، يتضّح وجود معلومات عن تبنّي غير قانوني والذي تمّ على يد جهات مختلفة: “يجب منع المبعوثين (الذين سافروا لتنظيم وفود القادمين) من أخذ الأطفال وإرسالهم لأصدقائهم بهدف تبنّيهم، كما حدث سابقاً” هذا ما جاء في نصّ الرسالة.

والأخطر من ذلك، فإنّ الأهل المتبنين دفعوا نقوداً لمؤسسة “قدوم الأطفال” ومؤسسة  “كيرين هاييسود” (وهي المؤسسة المالية المركزية للنقابة الصهيونية في إسرائيل قبل قيام الدولة وعند قيامها) وتم قبوله كتبرّع مقابل استلام طفل وتبنّيه.

محاربة الظاهرة

لقد حوربت هذه الظاهرة بادعاء أن “من يقدم مالاً لأجل التبني يمكن أن يعبّر عن رغبته باختيار طفل بولندي بدلاً طفل آخر، ومن الممكن أيضاً أن يكون هذا الشخص غير ملائم لأن يكون راعياً للطفل. ومن الصعب جداً شرح هذه الأمور من دون تجريح شخصيّ”. إلى جانب ذلك، ذكرت الرسالة أن الوضع “تعقّد” لأن “الناس استغلوا عملية التبني لأغراض ومصالح شخصية”.

تترك هذه الملفات العديد من الأسئلة. على سبيل المثال، ماذا جرى للعائلة التي كانت في سنة 1950 “ملائمة جداً لتبني طفل صغير أيضاً وإن كان من أصول شرقية؟” كتبت حافا كوهين. الأب في هذه العائلة “التي تسكن في نتانيا، بظروف ممتازة، كان ناشطاً في تنظيم الوافدين من شمال أفريقيا إلى “إسرائيل” وزوجته طبيبة وفدت من هنجاريا. رؤية الأب المستقبلية، ثقافته وطريقة تفكيره وأيضا شخصية كلا الزوجين وملاءمتهم لبعضهم، خوّلتهم بأن يكونا مناسبين لاستقبال طفل واحد من الدول العربية مثل العراق، كردستان وبخارى”.

يضاف إلى ذلك المصير المجهول لطفلتان توأم تبلغان من العمر 4 سنوات، وفدن من اليمن وبقين بمخيم الوافدين في “عين شيمير”، غير المذكور في الملفات. لاحقاً جاء في وثيقة من سنة 1950 أن “قسم الأطفال والشبيبة في وزارة الرفاه الاجتماعي” تعمل على أن “يُسلّم طفلتان توأم يمنيات لِ…” (وتم حذف الاسم على يد أرشيف الدولة) “ونبلغكم بأنّ السيدة… (تم حذف الاسم) تطلب تبنّي التوأم بدون دفع، لكن بشرط أن تَراهنّ أولا”.

على الأرجح أيضاً أننا لن نعرف مصير هاتين الطفلتين، لأنّ كل المواد التي وثقت فيها عمليات التبني في “عين شيمير” أتلفت قبل وصول لجنة التفتيش الحكومية إليها.

المصدر: هآرتس : http://bit.ly/2lTqrte