مقدّمة العسّاس | وعد بلفور البديل | في مئوية الإعلان عن وعد بلفور، الذي مهّد الطريق لقرار الأمم المتحدّة بإقامة دولة لليهود، بعد ثلاثين سنة من الإعلان، يعرض التقرير مادة أرشيفية حصل عليها، بروفيسور هيلل كوهين،
والباحثة د.يوفال عيفري. بعد مرور مئة عام على الإعلان. وصف يوسف قسطل، ضابط في الهاغانا وسياسي من
أصول شرقية كان والده مختاراً في الخليل قبل النكبة، كمتمرد على التابو المتعارف بالخطاب الصهيوني حيث صاغ
مقترحاً يشبه ما نعرفه اليوم بدولة واحدة لشعبين.

ترجمة العسّاس |

رأى قسطل بأن إعلان بلفور صعق العرب، وشكّل عقبة رئيسية بوجه التعاون اليهودي العربي. وفي مخططه
المقترح طلب من بلفور أن يلغي البند المتعلّق بحفظ الحقوق المدنية والسياسية والدينية لأهل البلاد “على أن يفهم جلياً
أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن
في فلسطين”. وأن يحلّ محلّ هذه الصيغة، التالي: “أن يفتح اليهود بيتهم القومي لباقي السكّان، ويصونوا الحقوق
المشروعة للسكّان (الفلسطينيون العرب) في أرضهم. بكلمات أخرى، هو لم يكتفِ بادعاء الحركة الصهيونية، الذي
بموجبه سيقدّم المهاجرين اليهود يد العون للعرب الفلسطينيين أهل البلاد. أما قسطل فقد شدّد على حقوق القومية
الوطنية العرب الفلسطينيين في وطنهم.

الوجه الآخر للتاريخ

إن تصفّح مقترح قسطل لصيغة وعد بلفور تطرح سؤالاً هاماً، هل كانت هذه صيغة وعد بلفور ستتغير من ردّة فعل
العرب تجاهه؟ وبالتالي التأثير على الأحداث والمعادلات بالشرق الأوسط؟ يقول كوهين لو لم تتدخل الحركة
الصهيونية بصياغة تصريح بلفور، لوجدت صيغة مختلفة لتصريح بلفور، تحقق لليهود الهجرة لفلسطين، ولكن تؤول
دون إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.

يشير “كوهين وعيفري” (الباحثون) بأنهم لم يجدوا في الأرشيف تطرقاً لمقترح قسطل بخصوص وعد بلفور.
بالإضافة لأن الحركة الصهيونية العالمية تجاهلت تماماً وجود الفلسطينيين العرب وتجاهلت اليهود الذين عاشوا مع
العرب منذ سنوات وأجيال مضت وخصوصا أبناء الجالية “السفارديت” أمثال قسطل، الذين تم إقصاؤهم من مراحل الكتابة والتحضير لوعد بلفور.

وعد بلفور البديل

بعد الإعلان عن وعد بلفور البديل كانت الإمبراطورية العثمانية قد انهارت وشعر اليهود أن أمانيهم تحققت. فعندما
دخل الجنرال ألنبي إلى فلسطين لاحتلالها، شعر اليهود الذين عاشوا مع العرب في فلسطين أن الصهيونية العالمية
داست عليهم وأقصتهم وهمّشتهم ووضعتهم بخانة مع العرب.

الحماس المفرط

كان حاييم بن كيكي، أحد أفراد الجالية السفاراديت التي عاشت في فلسطين، معارضاً شرساً لوعد بلفور وانتقد
الحماس المفرط بعد الإعلان عن بلفور عبر مقال في صحيفة “دوئار هيوم”. فقد رأى بتصريح بلفور جزءاً من
مشروع استعماري يقضي بفرض مصالح وثقافة غربية دخيلة متعالية على ثقافة الشرق، تقوم ضدّ مصالح وثقافة أبناء
البلاد العرب واليهود. ووفقاً لما يراه أن الأشكناز وكلاء لثقافة أوروبية غريبة على المنطقة. وأشار كيكي بمقال آخر
أن اليهود الشرقيون يشكلون نسيجاً حضارياً مع العرب تراكم عبر الأجيال، ويعيشون مزاج وروح هذه البلاد العربية،
فالتعامل بينهم وبين العرب كان خالٍ من الاستعلاء الغربي. فهم يؤمنون أنهم أبناء فلسطين وهي جزء الشرق وهم
ينتمون لهذا المشرق .

إن اصوات قسطل وكيكي، كانت صوت الأقلية في العالم اليهودي. وغالبية اليهود الصهاينة أخذوا بسحر تصريح
بلفور، وحلم إقامة وطن قومي في فلسطين وجعل العرب، أصحاب البلاد، أقلية بوطنهم، وعليه جعل اليهود الصهاينة
الثاني من تشرين الثاني مناسبة قومية. من الجدير بالذكر أن زعماء الجالية السفاراديت دعموا وعد بلفور ولكن
بخلاف قادة الحركة الصهيونية، كانوا السفاراديم يتفهمون بحساسية المعارضة الفلسطينية، حسب ادعاء كوهين.

وعلى ضوء ذلك، تجلّت الحيرة والصراع الذي كان جوهره “اضطراب الهوية والانتماء”، وظهرت رغبات بالانضمام للحركة الصهيونية الأوروبية. ومن جهة أخرى، كانت هناك محاولات جادة لبناء هوية يهودية قومية مشتركة يقف فيها اليهود والعرب على قدم المساواة. بعيدة عن الاستعلاء اليهودي وتحقق المواطنة المشتركة.

في 12 من آذار/مارس عام 1916، أي قبل سنتين تقريباً من تصريح بلفور، جهزت وزارة الخارجية البريطانية مسوّدة وثيقة سابقة على الوثيقة المعروفة للوعد. ما لا يعرفه الناس حول الوثيقة السابقة أنها لا تتضمن الالتزام بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إنما تضمنت مساواة بالحقوق السياسية والثقافي بين اليهود والعرب في فلسطين.

ورد في الوثيقة أن الشعب اليهودي في فلسطين، سيتمتّع بحقوق سياسية مساوية مع باقي السكان، وحرية دينية، وفي حالة الضرورة لحقوق أفضل في بلديات المدن التي يسكنها اليهود، وتسهيلات معقولة للاستيطان والهجرة التي ستمنح للسكان اليهود.

هذه المسودة وضعها الصحفي البريطاني المعادي للصهيونية لوسيان وولف، هي شبيه لمقترح قسطل وكذلك تشابه أفكار كيكي، ولكن هذه المسوّدة تحوّلت اليوم لملاحظة هامشية في حواشي كتب التاريخ.

المصدر: هآرتس | https://www.haaretz.co.il/news/education/.premium-1.4549647