مقدمة العسّاس | تنشر مجلة التحديث الاستراتيجي لعام 2017 مسحاً عاماً لعلاقات الاحتلال الإسرائيلي بالقوى الإقليمية بالشرق الأوسط مثل مصر والسعودية وتركيا. وفي حين ترى أن التحديات الأمنية التي وجدت بعد الثورات العربية دفعت لتقارب شديد بين مصر والاحتلال من جهة، وتقارب أقل مع السعودية، إلا أن الأمر في العلاقات الإسرائيلية التركية لم يكن كذلك. فعلى الرغم من توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات عام 2016، يسرد التقرير عدة عوامل تجعل من مستقبل العلاقات بارداً واعتباره تطبيعاً بالحدّ الأدنى.

اقرأ أيضًا.. الحلف غير المعلن بين السعودية و “إسرائيل”

ترجمة العسّاس | ساهم تصدع العلاقات مع العاصمة واشنطن، والتهديدات الأمنيّة المختلفة في المنطقة، بمنح مصر والسعوديّة حجةً قوية لتوطيد العلاقة مع “إسرائيل” ضمن المصالح المشتركة بين الأطراف. فمحاولة الانقلاب في تركيا وما تلاها من تغيّر الموقف التركي من الوضع السوري، ساهمت بتفاقم التوتر ما بين تركيا والولايات المتحدة أيضًا. ومع ذلك، لا نكاد نرى أي أفق لتعزيز العلاقة بين “إسرائيل” وتركيا، على الرغم من اتفاقيّة تطبيع العلاقات بين الدولتين، الموّقعة في يونيو العام الماضي؛ فإن من الصعب التنبؤ بالتغيرات الإقليمية التي قد تحصل، والتي بدورها قد تؤثر على المصالح المشتركة بين تركيا و”إسرائيل”.

تعاون إسرائيلي-مصري من أجل القضاء على داعش وحماس

هناك سببان مركزيّان يحولان دون اطمئنان عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصريّ الحاليّ، تجاه دعم الولايات المتحدة له. أولًا، كان السيسي شاهدًا على طلب الولايات المتحدة استقالة حسني مبارك بعد الثورة المصريّة، الأمر الذي اتخذته القاهرة كإشارة على تخاذل الولايات المتحدة في الأزمات المصريّة؛ ثانيًا، معارضة الولايات المتحدة للانقلاب العسكري عام 2013 الذي مهّد طريق الرئاسة أمام السيسي. لم تكن معارضة الولايات للانقلاب من خلال الحدّ من المساعدات التي تقدمها لمصر، إنما عبر تجميد تجارة الأسلحة والمعدّات الحربية. هذا الفهم دفع السيسي لعقد صفقات شراء أسلحة مع دول أخرى مثل فرنسا، كما شجعه على تنويع الحلفاء.

ثمّة قاعدة مشتركة يقوم عليها التعاون بين “إسرائيل” ومصر؛ التصدي لتنظيم “ولاية سيناء” التابع لداعش، وكبح حركة “حماس”. فمن وجهة نظر إسرائيليّة، إنّ للتّهديد الذي تشكّله سلطة حماس وتنظيم “ولاية سيناء” على مصر انعكاسات على مصالحها أيضًا، حيث أنه قد يتسبب في خرق إحدى اتفاقيتيّ السلام الوحيدتين بين “إسرائيل” والدول العربية المجاورة لها. وعلى الرغم من أن تنظيم “ولاية سيناء” لم يشن أيّة هجمات ضد “إسرائيل” منذ إعلانه الولاء لداعش عام 2014، إلّا أنه كان يقف وراء الهجمات في 2011 تحت اسم تنظيم “أنصار بيت المقدس”.

اقرأ أيضًا.. التطبيع المصري.. رسمي وخفي!

على الرغم من عدم الحديث بشكل علنيّ عن تعزيز العلاقات بين “إسرائيل” ومصر، إلّا أنّ انعكاسات ذلك على أرض الواقع واضحة منذ تولي السيسي الحكم عام 2013. لم يقتصر التعاون بين الدولتين على تبادل المعلومات الأمنيّة، بل قامت “إسرائيل” أيضًا بشنّ هجوم بواسطة طائرات دون طيّار على مواقع تحت سيطرة “ولاية سيناء”، استجابةً لطلبٍ من القاهرة. كما إنّ “إسرائيل” وافقت على تجنيد عدد من جنود الجيش المصريّ على حدودها مع سيناء، وهو الأمر الذي يخالف اتفاقية السلام بين الدولتين. بالمقابل، يعمل السيسي على هدم الأنفاق بين غزّة وسيناء، والتي تُعدّ منفذ التواصل الأهم بين حماس و”ولاية سيناء”. وعلاوة على ذلك، لا يتورع السيسي عن إشهار محادثاته مع نتنياهو في مختلف المنصّات الإعلاميّة.

التّعاون غير الرسميّ بين “إسرائيل” والسعوديّة

بعد تضعضع العلاقات مع واشنطن، تحاول السعوديّة كذلك توطيد علاقتها مع “إسرائيل”. من وجهة نظر السعوديّة، فإنّ اختلاف الموقف الأمريكي من الثورة المصريّة والسوريّة- على الرغم من أن النظام الثاني أدّى لدمارٍ أعظم من الأول- جعلها تُشكك في مصداقيّة الولايات المتحدة. كما إنّ دعم السعوديّة لبعض المنظمات الجهاديّة في سوريّا، كجبهة فتح الشام، يُعدّ تهديدًا لأمن الولايات المتحدة القوميّ. بخلاف الموقف المتباين بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعوديّة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فإنّ موقف الأخيرة يتقاطع في كثيرٍ من النّقاط مع الموقف الإسرائيليّ. والمعضلة الكبرى التي تشترك فيها كِلتا الدّولتين هي التدخل الإيراني في المنطقة وانتشار السّلاح النّوويّ. كما وإنهما متّفقتان على أهميّة تقليص نفوذ “حزب الله” في المنطقة لكونه امتداد مباشر لإيران. السعوديّة و “إسرائيل” تتفقان كذلك على ضرورة القضاء على الجماعات السّنيّة المتطرفة مثل تنظيم “داعش” والقاعدة.

على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسيّة رسميّة بين “إسرائيل” والسعوديّة، إلّا أن أهدافهما المشتركة دفعتهما للتعاون في سبيل القضاء على المعضلات التي تقف في طريقهما في الشّرق الأوسط. قد يكون ذلك عبر المحافظة على النظام الحاليّ في بعض الدول كالأردن، أو من خلال التحالف ضدّ تنظيماتٍ معادية كـ “حزب الله”.

العلاقات الإسرائيليّة التركيّة بين الماضي والحاضر والمستقبل

تعاني العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة من توتّر حاد، لا بسبب ميول أردوغان السلطويّة فحسب، وإنّما بسبب محاولة الانقلاب ضدّ حكمه قبل عام أيضاً. حيث ينظر أردوغان إلى عدم تواصل الولايات المتحدة معه ودعمه بعد محاولة الانقلاب خذلاناً للعلاقة الدبلوماسيّة التي تجمع الدولتين. كما ويرى ضرورة تسليمها لـ “فتح الله غولن”، القاطن في بنسلفينيا والذي – بحسب أردوغان- يقف وراء محاولة الانقلاب ضدّه. وفيما يخصّ الوضع في سوريّا، يقف أردوغان معارضًا لدعم الولايات المتحدّة لوحدات حماية الشعب الكرديّة YPG في محاربة داعش. بالمقابل، فإنّ الولايات المتحدّة قلقة مما تعتبره تهاوناً تركيّا في التعامل مع التنظيمات الجهاديّة المتطرفّة.

في “عصر التعاون الذهبي” والعلاقات الإسرائيلية التركية القويّة في التسعينات، كانت مصالح كلا الدّولتين تصبّ في سوريّا. فمن جهة، كانت تركيّا تخشى تعاظم القوّات الكرديّة في سوريّا ضدّها، ومن الجهةِ المقابلة، كانت “إسرائيل” تعمل على حماية نفسها من “حزب الله” والجيش السوريّ.

العلاقات الإسرائيلية التركية فيما يخص التهديد السوري

كانت العلاقات الإسرائيلية التركية قويّةً فيما يخصّ التهديد السوريّ، طالما أنّ هنالك محادثات سلام بين “إسرائيل” وفلسطين. وفي نفس السياق، كان للقضيّة الفلسطينيّة تأثيرٌ كبيرٌ على العلاقة بين تركيّا و”إسرائيل”، حتى قبل توليّ حزب العدالة والتنميّة، إسلاميّ التوجّه، للحكم، وحين كان النظام فيها علمانيًّا. فمثلًا، حين سنّت “إسرائيل” قانون القدس عام 1980، والذي بموجبه تكون عاصمتها القدس بشقيّها، قامت تركيّا بسحب ممثليها من السّفارة التركيّة في تل-أبيب؛ لاحقاً، جددت تركيّا علاقاتها الدّبلوماسيّة مع “إسرائيل” بعد مؤتمر السّلام في مدريد عام 1991.

كانت تلك الفترة مفيدة بشكل كبير لـ”إسرائيل”، حيث سمح تبادل المعلومات الأمنيّة بين الدّولتين لـ “إسرائيل” بتوسيع نفوذ جيشها فيما يتعلق بأكبر أعدائها. وبينما رفضت الدّول الغربيّة المختلفة والولايات المتحدة إمداد تركيّا بالأسلحة في صراعها مع حزب العمال الكردستانيّ، كانت “إسرائيل” الداعم الأول لها. كذلك، فإنّ التحالف الأمني و العلاقات الإسرائيلية التركية كان يقدّر بملايين الدولارات، حيث اشتملَ هذا التحالف على تطوير عتاد القوّة الجويّة التركيّة من قِبَلِ “إسرائيل”. مع أنّ الامتحان الأكبر لهذا التحالف من وجهة نظرٍ تركيّة كان ضدّ أعدائها الأكراد، إلّا أنّه لا يمكن تجاهل نمو التبادل التجاريّ بين الدّولتين بعدّة أضعاف مقارنةً بعام 1990.

اقرأ أيضًا.. جلسة سرية: لماذا تتوسط روسيا بين “إسرائيل” وسوريا؟

لكن، في العقد اللاحق تراجع التهديد السوريّ في تركيّا، وتراجعت معه العلاقات الدبلوماسيّة بين القدس وأنقرة. كما ساهم فشل محاولات السلام في عام 2000 بين “إسرائيل” وفلسطين في زعزعة العلاقة التركيّة- الإسرائيليّة، ثمّ تفاقم الخلاف بينهما بعد حرب 2008 على قطاع غزّة، ووصل ذروته عام 2010، حين تصدّت “إسرائيل” لأسطول الحريّة المتّجه من تركيّا لفكّ الحصار عن غزّة، والذي أسفرَ عن مقتل ثمانية من الناشطين الأتراك وناشط أمريكيّ. بقيت العلاقة بين تركيّا و”إسرائيل” متوترة، ووصلت حدّ العداء أحيانًا، إلى أن تمّ توقيع اتفاقيّة التطبيع عام 2016.

العلاقات الإسرائيلية التركية بعد رغبة تركيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي

علاوةً على ذلك، فإن لمحادثات ضمّ تركيّا للاتحاد الأوروبي انعكاسات سلبيّة على “إسرائيل”. أولًا، لأنّ الإصلاحات التي يطالب بها الاتحاد تتطلب من تركيا تعزيز الديموقراطيّة وإضعاف القوى العسكريّة في الدّولة. أي إنّ “إسرائيل” ستخسر حلفاءها داخل تركيّا في “عصر العلاقات الذهبيّ”. ثانيًا، رفض الاتحاد الأوروبي ضمّ تركيّا يجعل منها قوة إقليمية في الشرق الأوسط. لذا، فإن التعاون المنبثق من اتفاقيّة التطبيع في 2016 لا يتعدّى استعادة العلاقات الدبلوماسيّة البسيطة، لاختلاف المصالح الأمنيّة في الشرق الأوسط بين الدولتين.

من الجدير بالذّكر أنّ القوى العسكريّة التركيّة تعاني من تراجع حادّ بعد محاولة الانقلاب عام 2016. حيث تمّ إقالة ما يقارب نصف الجنرالات من مناصبهم؛ بالإضافة إلى أنّ حزب العدالة والتنميّة قام باستخدام القوّة الممنوحة له عقب إعلانه حالة الطوارئ بعد محاولة الانقلاب. وإنْ دلّ ذلك على شيء، فإنّما يدلّ على استبعاد احتمال عودة التعاون بين تركيّا و”إسرائيل”، حيثُ إنّه بالأساس كان يقوم على النخبة العسكريّة التي تمّت إقالتها.

بالإضافة لذلك، رغم وجود منادين بشراكة اقتصاديّة بين تركيّا و”إسرائيل”، إلّا أن التعاون التّجاري بينهما لا يحتاج لعلاقة استراتيجية متينة كي يزدهر. فقد تضاعفت التّجارة بين الدولتين إلى ما يقارب 5.6 مليار  دولار، بعد مرور خمس سنوات فقط على حادثة أسطول الحريّة. بيد أنّ صفقة الغاز بين تركيّا و”إسرائيل” لم تنضج بعد، إلّا أنّ هنالك عراقيل جديرةٌ بالذكر؛ أوّلًا، الشركات المسؤولة عن صفقة الغاز هي شركات خاصة غير تابعة للحكومة. ثانيًا، تعمل تركيّا على توسيع نطاق مصادر الطاقة المعتمد عليها وبذلك تنخفض أسهم “إسرائيل” في تزويدها للطاقة.

نهايةَ، يذكر أن المواجهة الأمريكيّة المتزامنة مع الربيع العربي، أوجدت تحديّات جمّة  لـ “إسرائيل”، لكنّها منحتها فرصًا ذهبيّةً أيضًا. استطاعت “إسرائيل” استغلال تقاطع مصالحها مع مصر والسعوديّة، ووطدت علاقاتها بكليهما. لكنّ، مع عدم وجود أيّ دوافع لمعالجة العلاقة بينها وبين تركيّا، فإن المستقبل أمامهما لا يشير إلا إلى برودةٍ مستمرّة.

المصدر: معهد أبحاث الأمن القومي
http://www.inss.org.il/uploadImages/systemFiles/Adkan19-4HEB996742635.pdf